في الذكرى التاسعة لرحيله.. الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حكيم العرب وموحد الخليج العربي
9 نوفمبر, 2013
ملفات خاصة, منوعات
أسعد العزوني / …وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر….هذا هو حال العرب هذه الأيام بعد أن فقدوا حكيمهم الذي كان يقرأ عليهم من كتاب حكمته… لقد إدلهم ليلهم وتاهوا عن الدرب وضلوا السبيل .
تمر علينا هذه الأيام الذكرى التاسعة لرحيل حكيم العرب وكريمهم وموحد الخليج العربي ،المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ،الذي صنع إتحاد الإمارات العربية بحنكته وقوميته التي لا زمته بالفطرة.
تلك التجربة الرائدة التي نتمنى أن تنتشر عدواها لتشمل الوطن العربي ، وعندها سنجد ذاتنا الضيقة بحدود ال”أنا” وقد تضخمت لتمثل مساحة ال”نحن”.وعندها سيكون لنا قيمة ومكانة بين الأمم والشعوب الأخرى.
لم يكن شيخ قبيلة ، أو زعيم طائفة بل كان رجل سياسة بامتياز ، ورجل تنمية بحق ، لا حدود لطموحه ، ولا لكرمه ، فقد حول صحراء الإمارات الى جنات غناء ، وله من الانجازات الشيء الكثير ، في مجال البناء والتنمية والوطنية والوفاء لقوميته ….
أسس دولة الامارات المتحدة ، و بصمته واضحة في تأسيس وبناء مجلس التعاون الخليجي..
ولا أظن أن مواطنا اماراتيا نجا من مسحة الحزن على رحيل شيخ الحكماء وحكيم الشيوخ الشيخ زايد آل نهيان ، وكذلك المواطن الخليجي ومعهم المواطنين العرب أينما وجدوا …
كان رحمة الله عليه حكيما بالفطرة ولم يكتسب ذلك من جامعات الغرب ، بل كان صاحب بصر وبصيرة ، وكان قاموسه يفتقد كلمة المستحيل…
هو ابن العين ، والعين تعني الإبصار إن كنا نقصد بها حاسة البصر لدى الانسان ، وتعني الكرم والخير والإستدامة والحياة إن قصدنا بها عين الماء…
كان رحمه الله قائدا متمكنا بفطرته البدوية ، ولم يسمح لقساوة الصحراء أن تنال منه ، بل كان عطوفا ، رؤوفا عادلا ، وهذا ما أهله لحل نزاع منطقة البريمي الحدودية ، الأمر الذي أكسبه إحترام وإعجاب الجميع..
ثاقب في نظره وعميق في نظرته ، وقد طور العين بحكمته ولجوئه للاستثمار وجلب الرساميل من خارجها ، ولعل خلفه تمسك بنظريته بهذه الصورة التى نراها عليها.
كما أنه انبثق من التعليم وأسس المدرسة النهيانية عام 1959 ، ولا بد من التذكير أن اليابانيين انطلقوا من التعليم للخروج من تحت ركام الحرب الكونية الثانية ووصلوا إلى ما هم عليه الآن ..
كما بدأ ببناء البنى التحتية مثل الأسواق وشبكات الطرق والمستشفيات ، وهذا ما قام به الكوريون الجنوبيون لتحقيق نهضتهم بعد انسحاب اليابان من بلدهم عام 1945 بعد احتلال احلالي دام 35 عاما..
كان الشيخ زايد رجلا اصلاحيا كبيرا ، استفاد من تجارب الغرب والشرق ، ووضع أمام ناظريه خطة تنموية شاملة تضمنت كافة أركان الحياة من زراعة وتجارة وتوعية في أسباب التطور والتنمية على طريق تحسين نمط حياة المواطن الإماراتي ، وعدم قصرها على عائدات النفط..
قهر الشيخ زايد النفس البشرية الأمارة بالسوء، وكان وحدويا بطبعه ودعا للوحدة ، كما أنه تحدى الصحراء وقسوتها وقهرها بالزراعة والتشجير على الطريقة الكورية الجنوبية وتمكن بحكمته من اقناع الشيخ راشد آل مكتوم حاكم دبي بالانضمام اليه لبناء دولة اتحادية تضم 9 امارات بعد اعلان بريطانيا الانسحاب من المنطقة ، وكان يرغب بضم قطر والبحرين ، وتحقق له ذلك عام 1971..
بعد الوحدة تطور الإنجاز لأنه أصبح جماعيا يحمل بصمة الشيخ زايد ، وتنوعت مشاريع التنمية ، وباتت دولة الامارات العربية المتحدة ملاذا للإستثمارات الخارجية ، وشهدت نهضة صناعية ، وبنيت شبكات الطرق الحديثة ، ناهيك عن المطارات الضخمة ، وتطور التعليم والقطاع الصحي .
لم يكن الشيخ مثار إهتمام الاماراتيين والخليجيين والعرب عموما ، بل وجد له مكانة كبيرة ، في الغرب ومنح لقب الشخصية الإغاثية الأولى في العام عام 1995..
وتسلم عام 1985 الوثيقة الذهبية من المنظمة الدولية للأجانب ومقرها جنيف على جهوده الطيبة لخدمة الإنسانية، وإختارته إحدى الهيئات الدولية التي تتخذ من باريس مقرا لها عام 1988 كأبرز شخصية سياسية ،وتقديرا لدوره في وقف الحرب العراقية – الايرانية الكارثية…ورأيي أن هذا الإسهام العظيم والجهد الكبير الذي بذله المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان،يعد في ميزان حسناته إنشاء الله.
أما بصمة الشيخ زايد في القضية الفلسطينية ،فإنها بارزة لا يمكن تجاوزها ،فقد كان عروبيا شامخا ،قرن قوله بالفعل ، بل وسبق فعله قوله في مرات عديدة ،ورغم أن دولة الإمارات ليست من الدول الحدودية مع فلسطين المحتلة، ولا تملك جيشا كبيرا كالدول العربية الأخرى ،لكن توجيهات سموه رحمه الله ،كانت واضحة ،وهي ضرورة حضور دولة الإمارات العربية المتحدة في كل إحتكاك مع إسرائيل، وهذا على المستوى العسكري، أما على المستوى المادي فقد كان لتوجيهاته رحمه الله، أكبر الأثر في توفير المستلزمات التي كانت تحتاجها الثورة الفلسطينية ،وبحسب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي إغتيل بسم البولونيوم ،فإن دولة الإمارت كان الممول الأكبر للثورة الفلسطينية ، وبدون منة ولا بهرجة إعلامية، ولا شك ان بصمة دولة الإمارت العربية المتحدة حتى بعد رحيل مؤسسها وقائدها الشيخ زايد،ما تزال نافرة في فلسطين المحتلة، لكن الأخوة في الإمارات لا “يفضحون”أفعالهم الخيرة ،بل يؤثرون إخفاءها لحكمة .
عندما كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يتحدث عن حكيم العرب الشيخ زايد، كان يمتدحه بكل الصدق ،ويقول عنه أنه العروبي الحر الذي لا تشوب عروبته شائبة، كما أنه كان في مؤتمرات القمة العربية يقول :أنا سأتبرع للجهة الفلانية بمبلغ كذا وأن أخي الشيخ زايد هو الذي سيدفع ،وتلك مكرمة لا حدود لها في سجل مكارم الراحل الحكيم.
ولأن الحقيقة يجب أن تقال ،فإن العرب العاملين في دولة الإمارات العربية المتحدة ،جميعا يشعرون أنهم في بلدانهم بسبب طيبة أهل الإمارات الذين لا يشعرونهم بالغربة ،وهذه شهادة ومكرمة أخرى من مكارم شيخنا الحكيم الراحل.