الياس مارديني / في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة والدراماتيكية، أعلنت الخارجية الروسية أن وزيري الخارجية سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شويغو سيزوران القاهرة يوم 13 و14 نوفمبر/تشرين الثاني. وأوضحت الوزارة أنهما سيجريان حسب برنامج العمل مفاوضات منفصلة مع نظريهما نبيل فهمي وعبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى لقاء بصيغة “2+2” لبحث مجمل العلاقات الثنائية بين الطرفين لا سيما العسكرية التقنية، ناهيك عن ضبط عقارب الساعة حيال ملفات المنطقة وعلى رأسها السوري بأبعاده
الدبلوماسية الشعبية ومحاكمة مرسي
أعتقد أن الصحف الروسية لم تخطئ القول بأن “مصر تطلب عودة روسيا إلى الاتحاد السوفيتي”، فهذه المطالب لا تقتصر على بلاد الفراعنة بل تطال جل سكان روسيا الاتحادية، والحديث هنا ليس عن النظام الشيوعي الشمولي بل عن مكانة الدولة الروسية في منظومة العلاقات الدولية.
كثيرة هي الرسائل بين موسكو والقاهرة مؤخرا، وكثيرة هي المتغيرات. “الدبلوماسية الشعبية” كثفت نشاطها، أعضاء الوفد الشعبي المصري الذي زار موسكو مؤخرا، وهو ثاني وفد يزور العاصمة الروسية خلال شهرين، أعربوا عن أملهم بالحصول على مساعدة روسيا لمواجهة الضغوط الأمريكية على مصر بعد عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، ووعدوا بالوقوف إلى جانب المصالح الروسية في الشرق الأوسط، والاستعداد لنشر “مرافق روسية صديقة” في مصر . تقول الوفود إن هدفها هو إعادة صفة الاستراتيجية للعلاقات الثنائية بين البلدين، كما كانت إبان العهد السوفيتي والزعيم الراحل جمال عبد الناصر وقبل توقيع اتفاقية كامب دافيد، والهدف هو أن تستطيع روسيا لعب دور ريادي في المنطقة التي تشهد متغيرات ستؤثر على شكل المنظومة الدولية في نهاية المطاف، وعليه فإن المصالح الروسية المصرية متبادلة، فموسكو التي أيدت ثورة 30 يونيو/حزيران، بحاجة إلى صديق جديد وحليف قوي في المنطقة الملتهبة، كما أن مصر بحاجة إلى صديق يساعدها على الوقوف بوجه الضغوطات الغربية التي اعتادت التحالف مع الحكومات.
ضغوط سياسية واقتصادية مختلفة مارستها واشنطن على القاهرة التي بدأت اللعب وفق منظور مصالحها، ليس آخر هذه الضغوط جاء على خلفية حظر جماعة الإخوان المسلمين، والتي حاولت الدبلوماسية الشعبية شرح قرار الحظر للأوساط الموسكوفية، فمن جديد أثبتت الولايات المتحدة أن مصالحها الجيواستراتيجية تعلو فوق أي حلف مهما كان وفيا، وهذا ما أكدته صورة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي وهو في قفص الاتهام. فبعد الطلب السعودي والموافقة الأمريكية بدأت عملية دفن الجماعة في مهدها المصري، وما سيترتب على ذلك من تطورات ستطال دول نفوذ الإسلامي السياسي في المحيط المصري بتونس وليبيا والسودان، وعليه فإن واشنطن قررت على ما يبدو التخلي عن ورقة المشروع الإخواني بعد أن أثبت فشله حتى في تركيا، لكن قرار التخلي هذا يأتي في ظل متغيرات إقليمية وليس كرمى لعيون المصريين أو وقوفا عند تطلعاتهم.
زيارة تاريخية للقاهرة
القاهرة التي تبحث عن مكانتها الإقليمية تدرك جيدا المتغيرات الأمريكية والدولية، وعليه سيحمل يومي 13 و14 نوفمبر/تشرين الثاني الكثير من التعديلات على خارطة التحالفات في منطقة باتت محركا للعلاقات الدولية. الخارجية الروسية أعلنت أن وزيري الخارجية سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شويغو سيزوران القاهرة، حيث سيجريان مفاوضات منفصلة مع نظريهما نبيل فهمي وعبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى لقاء بصيغة “2+2” لبحث مجمل العلاقات الثنائية بين الطرفين. إن هذه الزيارة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات الروسية – المصرية، لا سيما فيما يتعلق بالملفات الدولية والإقليمية مع التركيز على الوضع الراهن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى بحث مجمل جوانب تعزيز التعاون الثنائي، وبالدرجة الأولى في المجالات السياسية والعسكرية-التقنية والاقتصادية ومجالات أخرى.
وعليه، وفي ظل المتغيرات السورية والإيرانية والتحركات التركية السعودية، يمكننا وصف زيارة لافروف وشويغو إلى القاهرة بالتاريخية وذات طابع استراتيجي، فموسكو والقاهرة تتطلعان لبدء مرحلة جديدة في التعاون الثنائي، لا سيما في المجال العسكري، وذلك بعد قرار واشنطن قطع جزء من المساعدات العسكرية التي كانت تحصل عليها القاهرة وفق اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، وربما الزيارة غير الرسمية للطراد “فارياغ” الحامل للصواريخ والتابع لأسطول المحيط الهادئ الروسي يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني لميناء الاسكندرية المصري، وذلك لأول مرة في تاريخ العلاقات بين مصر وروسيا المعاصرة، ربما هذه الزيارة تشير إلى شكل التعاون المقبل.
كما أن زيارة الوزيرين الروسيين تأتي في فترة مهمة جدا بالنسبة لمصر وتحمل في طياتها رسائل بغير اتجاه للإقليمي والدولي، إذ تعمل القاهرة على دفع العملية السياسية قدما على أساس ضمان الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، في حين تؤكد موسكو على أهمية الحوار الوطني واسع النطاق ودون أي تدخل خارجي. يدرك الكرملين مخاطر أي تدخل خارجي وأهمية مصر في اللعبة الدولية، وعليه تؤكد موسكو أن القاهرة تعتبر أحد الشركاء الرئيسيين لروسيا في الشرق الأوسط والعالم العربي والقارة الإفريقية، وأن العلاقة بين البلدين تخيم عليها أجواء الصداقة والاحترام منذ أمد بعيد، رغم الفتور.
الاستقلالية المصرية
في وقت يزداد فيه الحديث عن صوملة مصر وسورية وتونس وغيرها، ترسم القاهرة مسارا سياسيا أكثر استقلالية في علاقاتها والعمل على توسيع خياراتها بحسب تعبير وزير خارجيتها نبيل فهمي. هذا المسعى يتجلى في اللقاء الروسي المصري بصيغة “2+2” بعد محاولة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري استرضاء حكم العسكر بإعطائهم الضوء الأخضر لمحاكمة مرسي، وعليه فإن التقارب الروسي المصري في ظل ما بات يعرف بـ “الخريف العربي” ستكون له تداعيات إقليمية ستطال الملف السوري وملف الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، وربما مستقبل المنظومة السياسية في المشرق. إن زيارة الوزيرين الروسيين إلى القاهرة ستعيد رسم الكثير من معالم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإن غدا لناظره قريب.
نقلا عن “صوت روسيا”