روسيا و فن السيطرة الناعمة

كتب نزار علي / بالنظر إلى الأحداث كمراقب خارجي و كما يقولون بعلوم الفيزياء مراقب ( دالمبير ) نستطيع أن نلاحظ بعض الجوانب الخفية للعبة الأمم

ما علاقة مد أنبوب الغاز الروسي عبر بحر البلطيق إلى أوربا بالأحداث في الشرق الأوسط و سوريا  ؟ سؤال مشروع و يمكن طرحه ..و الإجابة عليه أسهل من عملية طرح هذا التساؤل .

عزيزي القارئ , إذا كنت من مؤيدي نظرية المؤامرة أو كنت تظن أن الشمس تدور حولك فأرجوك لا تقرأ هذا المقال قبل البدء في محاولة الإجابة عن السؤال لا بد من التذكير ببعض الأفكار و الحوادث علينا أن نتساءل لماذا شركات النفط و الغاز اسمها شركات الطاقة وليس شركات نفط … 

وعلينا أن نلاحظ الفرق التاريخي و الإيديولوجي بين روسيا التاريخية من جهة و الولايات المتحدة تاريخيا من جهة أخرى فالأولى لا تتبنى الفلسفة الانتهازية و الاستغلالية بينما الثانية قامت على هذا المبدأ , منذ تكوين الإمبراطورية الروسية على يد بطرس الأكبر استغنت روسيا عن الفلسفة التوسعية و انكفأت على نفسها لتعيش بأمان …و كانت تعاقب بشده كل من تسول له نفسه انتهاك ( الأرض الأم ) و يسمونها الآن (الأرض المقدسة ) هكذا فعلت بنابليون الذي تحول ذكائه إلى غباء عند هجومه على روسيا و هكذا فعلت ب هتلر الذي حفر قبره بيديه عندما قرر الهجوم على روسيا ..

روسيا حاولت غزو العالم بالثقافة و الفكر و الايدولوجيا ..على الأٌقل إنها طريقة أكثر أخلاقية من غزو العالم بالنار و الحديد على الطريقة الأمريكية ..

الآن يبدو أن الدب الروسي الجائع استيقظ ,يبدو أنه جرح عام 1990 و تعافى الآن من جراحه و يريد أن يعود لمكانه ..

لا القارة العجوز تتجرأ على إزعاجه و لا أرض العم سام تتمتع بغباء يدفعها إلى الوقوف في طريقه …. بلاد العم سام التي ظهر ضعفها من خلال نقل أحد الأطراف المعركة إلى أراضيها (11 أيلول ) الأمر الذي لم يحدث حتى في الحربين العالميتين السابقتين …هذا البلد الذي لا يستطيع حتى التحرر من الإسلاميين المتشددين الذين دعمهم و لم يعد يستطيع حتى إيقاف دعمهم …

بالعودة لموضوع مد أنبوب الغاز الروسي إلى أوربا ..أصّرت روسيا على تفادي مرور إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا مع أن أوكرانيا تدور في فلكها حاليا و فيها 30% من السكان من الروس ,أصّرت روسيا على مد أنبوب الغاز عبر بحر البلطيق , روسيا تتحسس على ما يبدو  من السيطرة حتى لو كانت من صديق … أصبحت أوربا أكثر اعتمادا على روسيا و خاضعة أكثر للنفوذ الروسي و أيضا أصبحت القارة العجوز أقل اعتمادا على نفط الشرق الأوسط و منه السوري  فأصبحت أوربا تستطيع أن تعاقب دول الشرق الأوسط (المارقة ) بسهولة على ما يبدو …لديها مورد جديد و رخيص للطاقة فلماذا تستورد النفط الخام من الشرق الأوسط .. 

 أصبح الآن النفط السوري و الإيراني  ورقة يمكن اللعب بها , ومن شدة الضغوطات على  أوربا وتخبطها بمشاكلها الداخلية   لعبت هذه الورقة بغباء في أول مناسبة و في الوقت الغير مناسب  ..تماما كما أرادت روسيا ….. أصبحت أوربا أشد قابلية للسيطرة عليها من قبل  روسيا فقد نالت هذه الأخيرة نوع من حصرية تزويد أوربا بالطاقة ,, و راعت روسيا مصالح جارتها  وحليفها المتحفظ الصين ذلك البلد الشره للطاقة  ..فنفط منطقة الشرق الأوسط سيتحول إلى الصين .. حسنا و هذا ما حصل بالضبط ..النفط الإيراني لم يعد يذهب إلى أوربا من الآن … يبدو أن روسيا لن تحتاج لأسلحة نووية للسيطرة على أوربا … 

تورطت أوربا و أمريكا من خلال الإسلاميين فيما يسمى ( الربيع العربي ) استثمرت روسيا هذه الأجواء لتذكر دول المنطقة من هي روسيا ..روسيا تستطيع أن تحل و تربط ولا أحد يستطيع تجاهل مصالح روسيا بعد الآن (بوتين ) ..استخدمت الفيتو مرتين و أفشلت جميع المخططات عندما وصلت هذه المخططات إلى حدود نفوذ روسيا في المنطقة و كأنها تقول (الرجاء عدم الاقتراب و التصوير ..مناطق نفوذ روسي هنا )..أيضا أصبحت دول المنطقة أكثر اعتمادا على روسيا تماما كما أصبحت أوربا أكثر اعتمادا على روسيا ..يبدو أن لاعب الشطرنج الروسي استخدم الحصان الأسود و هدد أربع قطع بحركة واحدة

هذه الإنجازات الروسية المذهلة لم تكون وليدة الصدفة , فلم يستيقظ الرئيس الروسي السابق و القادم السيد فلاديمير بوتين في صباح يوم جميل قائلا لنفسه ..يا له من يوم جميل ..لماذا لا أسيطر على نصف العالم مرة أخرى .؟؟

إنها ثمرة جهود ملايين الروس المحبين لوطنهم و المتعصبين له , من قال أن الوطن هو شيء لا يمكن التعصب له ؟

وهنا سأتوقف عن الكلام المباح تنفيذا للحكمة التالية ( رحم الله امرئ عرف حده فوقف عنده )