المفتي العام لأوكرانيا:الجماعات التكفيرية تسعى للتشكيك في إعتدال الإسلام
أوكرانيا اليوم / كييف / الدكتور أحمد تميم، المفتى العام لأوكرانيا ورئيس الإدارة الدينية لمسلمى أوكرانيا، جمع بين العلوم الكونية والدينية فى التحصيل الجامعى، فنال إعجاب الناس بكفاءته ونشاطه فى العمل قبل وبعد تفرغه للعمل فى الدعوة، فكانت ثقة واحترام مجتمع المسلمين الأوكران داعماً له لبذل مزيد من العطاء، وهو من أصل لبنانى ولد فى بيروت عام 1956، وقدم إلى أوكرانيا عام 1967 وانتسب لكلية العلوم التطبيقية فى كييف، وأنهى دراسته الجامعية حتى حصل على درجة الماجستير فى أنظمة المعالجات الدقيقة والشبكات الإلكترونية، وتابع تحصيله الدينى الأكاديمى فدرس فى كلية الإمام الأوزاعى فى جامعة بيروت العربية ثم حصل على الدكتوراه فى الفقه الإسلامى من الجامعة العالمية فى لبنان، واستقى الكثير من علومه الدينية على يد عالم بلاد الشام الفقيه اللغوى الحافظ عبدالله الهررى الشيبانى رحمه الله، وانتخب الشيخ تميم رسمياً إماماً للجمعيات الإسلامية فى كييف عام 1991 ثم انضمت الجمعيات الإسلامية فى البلدان والمحافظات تحت الإدارة الدينية لمسلمى أوكرانيا وانتخب رئيساً لها فى 1992 حتى انتخب مفتياً لمسلمى أوكرانيا عام 1994. «الوفد» التقت به وهذا نص الحوار:
ماذا عن وضع المسلمين فى أوكرانيا فى الوقت الراهن؟
– أنظر إلى الوضع فى أوكرانيا بشكل عام نظرة تفاؤل، لأن المجتمع صار لديه وقاية وحماية من الفكر المتطرف، فقد ركزنا خلال السنوات الثمانى والعشرين الماضية على نشر علم الدين الضرورى وعندما أسسنا الإدارة الدينية كانت لدينا مؤتمرات كل خمس سنوات وتشكلت هيئة إدارية ودار فتوى ممن حصل العلوم الدينية خاصة ممن درسوا فى الأزهر الشريف، فوضع المسلمين هناك أصبح جيداً، فقد انتشر علم الدين، وعامة المسلمين من مختلف القوميات يقومون بوظيفة واحدة، بالإضافة إلى أداء الواجبات من ناحية العبادات يساهمون فى تصحيح فكر الرأى العام وفى مجابهة الفكر المتطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعى، فقد صار لدينا شبكة كبيرة من المتعلمين الذين يشتغلون فى وسائل التواصل ويصححون الأفكار ويردون على الفكر المتطرف، ومن هذا نرى أن هناك تفاؤلاً بوضع المسلمين هناك، خاصة أن من أهم الأعمال التى قمنا بها هو تحديد المصطلح الدينى باللغة الروسية واللغة الأوكرانية لكى لا يتكلم من شاء كيفما شاء، فعندما يكون المصطلح واضحاً، خاصة عندما تكون هناك آيات متشابهة أو أحاديث متشابهة فلابد من أن نعطى المعانى السليمة لهذه الآيات والأحاديث، والحمد لله عندنا كم كبير من الشباب المتعلم، والذين انتشروا فى أنحاء أوكرانيا ومنهم من خارج أوكرانيا ويقومون بنفس الوظيفة ألا وهى نشر علم الدين الضرورى.
وماذا عن التركيبة الفكرية لمسلمى أوكرانيا هل هناك تجانس أم من فئات مختلفة؟
– من ناحية المستوى الاجتماعى هناك طبقات مختلفة ولكن أغلبهم حملة شهادات عالية ومن ناحية الثقافات فهم من قوميات مختلفة أيضاً، فالمجتمع الأوكرانى المسلم تقريباً يجمع القوميات من الهند وباكستان وبنجلاديش إلى شمال أفريقيا، بالإضافة إلى آسيا الوسطى، أيضاً الثقافات مختلفة واللغات مختلفة ولكن – الحمد لله – كلهم اتحدوا حول المفهوم السليم للشرع الإسلامى ويطبقونه، وفى البداية كانت هناك صعوبات، لأن كل قومية تريد أن تسمع بلغة أهلها وهى تراقب الأعمال حسب الأعراف والتقاليد التى تعلموها فى بلادهم حتى مراقبة الهلال أو تحديد بداية شهر رمضان، ولكن الحمد لله تخطينا كل هذه الأمور وصار أى شاب أو امرأة من أى قومية يستطيع أن يعلم فئة من قومية أخرى، ولأن الهدف هو تحصل علم الدين الضرورى وتطبيق الشرع والحمد لله مع وجود من يتمسك بالمذهب الحنفى أو الشافعي، فلا يوجد أى إشارة لاختلافات أو انتقادات وما شابه، إضافة إلى أننا من خلال عملنا نقوم باحتفالات متعددة مثل الاحتفال بالمولد النبوى
وإقامة حفلات الإفطار فى رمضان يومياً، فى أغلب المناطق التى يسكنها المسلمون، وفى عيد الأضحى يتم توزيع الأضاحى، وقمنا بإنشاء مصليات ومقابر للمسلمين، وبنينا عدة مساجد، أما تعيين الأئمة فعادة يكونون ممن درسوا الشرع من تلك المنطقة وهناك فى كل منطقة أغلبية وأقلية من قوميات أخري، لكن الحمد لله هناك فهم لعلم الدين جمعهم حول المفهوم السليم للشرع.
ما الذى ساعد على تنشيط أمر الدعوة فى أوكرانيا وما سر الاستقرار الذى يعيشه المسلمون هناك وهل هناك تجاوب حكومى معكم؟
– العلم هو الذى ساهم فى استقرار وازدهار المجتمع الأوكرانى المسلم، فهو الذى فتح قلوب الناس وفى الوقت نفسه فإن وجود الحركات المتطرفة جعلت منهم جبهة متحدة مع الاختلافات البسيطة الموجودة بسبب الأعراق والتقاليد، ليقفوا صفاً واحداً للدفاع عن الدين ودحض أفكار المتطرفين، ومن حوالى 25 سنة عندما تأسست هيئة جديدة تضم أفراد الطوائف الأوكرانية، من المرحلة الأولى للتأسيس فتأسس مجلس الكنائس والمنظمات الدينية لعموم أوكرانيا، وكنت أمثل المسلمين فى هذا المجلس، وهذا أيضاً ساعد فى تصحيح فكر الرأى العام، لأنه صار هناك احتكاك مباشر مع رؤساء الطوائف ومع السكرتارية المؤلفة من ممثلى هذه الطوائف الذين يجتمعون شهرياً، وهذه الأمور ساهمت فى حماية المجتمع المسلم واستقراره، وتأليف جبهة واحدة ضد الحركات المتطرفة التى سيست الدين الإسلامى وذلك لتفهم أصحاب الديانات الأخرى لدورنا وأهمية وجودنا كشريحة من المجتمع الأوكرانى تدافع عن أوكرانيا وتهتم بالوطنية وتجابه الفكر المتطرف.
ماذا عن حال الفتوى فى أوكرانيا وهل هناك بينكم وبين مؤسسات الإفتاء على مستوى العالم؟
– لنا امتداد بالعلاقات مع كثير من دور الفتوى خاصة فى آسيا الوسطى، لأن عامة المسلمين عندنا من تلك المناطق، فهناك الطاجيك والأوزبك والكازاخ والشيشان والداغستان، بالإضافة إلى الجاليات العربية، لكن تركيزنا كان على أبناء البلد الذين هم من أصول آسيا الوسطى ودائماً نحن نتزاور كمفتين ونشارك فى المؤتمرات التى تعقد فى طاجيكستان أو أوزبكستان أو أذربيجان، والحمد لله لدينا خبرة فى استخراج الفتاوى المناسبة لهذه النواحى ضمن حدود الشرع، فنحن أحياناً نبحث عن الرخص الدينية، لأننا لا نستطيع أن نتقيد بمذهب واحد أو فتوى واحدة، حتى عقود النكاح نجريها وفق ما تعود أهل البلد عليه، ونأخذ كل هذه المسائل فى الاعتبار، ولدينا تواصل مع الأزهر الشريف وهناك دعاة من أبناء الأزهر لدينا.
ماذا عن علاقتكم بالطوائف الأخرى خاصة اليهود؟
– نحن ننظر إلى المجتمع الأوكرانى كمجتمع متعدد الثقافات، ومؤلف من مجموعة من الديانات وتعاملنا فيما بيننا مع كافة الطوائف كمواطنين أوكران، فعلى هذا المبدأ هناك يهود ونصارى من الأرثوذوكس والكاثوليك والأرمن والبروتستانت، وهى علاقة تقوم على أنه لكل له معتقده، ولكن الذى يجمعنا الاهتمام الآن بما فيه النفع لأوكرانيا الوطن.
هل مسلمو أوكرانيا لهم أى تمثيل فى مؤسسات الدولة وهل المسلمون هناك فى تزايد؟
– لا يوجد تمثيل قانونى رسمى ولكن كمجلس للطوائف أتفق مع الحكومة بأن يكون فى كل وزارة جسم صغير يمثل الطوائف، ففى وزارة الثقافة مثلاً أو التعليم أو الصحة هناك مجموعة ممثلين للطوائف تتواصل مع تلك الوزارة أو الأخرى، لنكون على اطلاع عند وجود مسودة قانون جديد أو هناك بعض الأمور التى لابد من يأخذوا رأى ممثلى الطوائف، فعندنا تقريباً كمسلمين ممثل فى كل وزارة،
مثل الدفاع والداخلية والعدل والخارجية، فكل وزارة لها خصوصية، حتى مع وزارة الصحة، فى أمر تشريح المسلم أو الختان أو جائحة كورونا الآن وما شابه فهناك تواصل مباشر بيننا.
< كيف كان يحيا المسلمون فى عهد المد الشيوعى قبل الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى؟
– كانت الأمور صعبة جداً وقتها، لأنهم كانوا يخفون إسلامهم، وما زال هناك من هو من الجيل القديم، وبواسطة ما عرف عندهم بالعادات والتقاليد كانوا يجتمعون ولو أثناء الحكم الشيوعي، ويظهرون بشكل التقاليد والأعراف والعادات التى ساعدت فى الحفاظ على الهوية الإسلامية، فهم يستخدمون هذه المناسبات للتذكير بأمور الدين ولكن فى الخفاء.
ماذا عن علاقتكم بدول العالم الإسلامى عامة والعالم العربى بشكل خاص؟
– بصراحة.. عملنا أولاً على لملمة جسم المسلمين فى أوكرانيا، وهذا كان له الأولوية القصوى، خاصة مع بداية استقلال أوكرانيا، وكان عدد السفارات العربية والإسلامية قليلاً جداً، وكانوا فى مرحلة التعارف، ومنذ نشأة الإدارة الدينية كانت هناك حركات تحاول تشويه صورة الإدارة الدينية وتتكلم بأشياء لا تليق، ولكن بعض السفارات كانت تستمع لتلك الجهات أو غيرها إلى أن اتضحت الأمور لأننا خارج الألعاب السياسية، فنحن نهتم فقط بالشأن الدينى فقط، وعلاقتنا على مسافة واحدة من كل السفارات وبعض الدول تدعونا ونشارك فى بعض المؤتمرات فى الهند وبنجلاديش والإمارات ومصر والمغرب، لكن ظروفنا لا تسمح بأن نترك وضع المسلمين ونتجول بالبلدان، ولكن نحاول دائماً عبر السلك الدبلوماسى أن نتعرف على أحوال المسلمين بشكل عام.
هل يتلقى مسلمو أوكرانيا أية مساعدات من دول أو هيئات أو منظمات دولية؟
– لا.. إلا حديثاً من بعض الجهات مثل الهلال الأحمر الإماراتى وما شابه، فقد قدم بعض المساعدات بسبب جائحة كورونا، لكن الإدارة الدينية لم تحصل على أية مساعدات بشكل كبير من أى جهة والحمد لله هناك من المسلمين من أهل البلد من يتحمل نفقات الدعوة ويساهم بشكل كبير.
ما أولويات الدعوة فى أوكرانيا؟
– نشر علم الدين الضرورى وتبيان العقيدة الأشعرية الماتريدية وتصحيح فكر الرأى العام من خلال الحوار والتواصل مع ممثلى الطوائف، ولفت نظر وسائل الإعلام للتواصل معنا قبل الحديث عن أى شيء يسيئ للإسلام حتى لا ينقلوا أخبار الغرب دون تحرى الدقة، وأن يكون هناك سهم للمسلمين فى ازدهار أوكرانيا، فنحن نعمل على جمع لحمة المجتمع بشكل عام.
كيف تتصدون لمحاولات نشر الفكر التكفيرى وهل ترى أن التطرف والتكفير مقصور على المجتمعات الإسلامية فى بلاد الشرق فقط؟
– الجهات التكفيرية وظيفتها ضرب المجتمعات والتشكيك فى الإسلام واستمالة الشباب بالإغراءات المتعددة لاستعمالهم فى أغراض دنيئة، وهذا موجود كما هو فى كثير من البلدان، ويعتمدون على الغش والكذب والافتراء والبهتان فى تحركاتهم، لكن الحمد لله الوعى الذى وصل إليه عامة المسلمين ساهم كثيراً فى لجم تلك الحركات حتى تصدعت لاختلاف جهات التمويل.
ما تقييمكم لجهود الأزهر الشريف فى التصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا؟
– أتمنى من الأزهر الشريف تلك المنارة عبر العصور أن يشع نور علم عقيدة الأشاعرة من جديد، وهذه هى الوسيلة الأولى التى تنهى مفهوم «الإسلاموفوبيا» فهو مفهوم مصطنع بأدوات أولاها الفكر التكفيرى وحماية من يمثل هذا الفكر، لاستعمال هذه الحركات لتشويه صورة الإسلام، فطالما أننا لم نقض على مصادر تلك الحركات التكفيرية، فدائماً هناك من يستعمل لصالح الإسلاموفوبيا، فعند انتشار الدعوة الإسلامية كان هناك من يتواصل مع الغرب لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين ويخوفهم وهذا ليس بالأمر الجديد، أما الأمر الخطر فهو عندما تكون هناك مجتمعات أو تجمعات باسم الإسلام وتقتل الناس البريئة، وهذا هو الذى ينمى الإسلاموفوبيا، فعلينا القضاء على هذه الحركات التى ترفع راية لا إله إلا الله، وتردد الله أكبر، وتقتل الأبرياء فى المجتمعات.
كيف تنظر لحوار الثقافات والأديان وأخطر ما يعوق الحوار فى رأيكم؟
– الحوار يكون بين طرفين، وللأسف فإن المسلمين حتى هذا التاريخ فى مرحلة الدفاع، وهذه المرحلة سببها أن هناك من يعكر صفو مجتمعات المسلمين بسبب وجود تلك الحركات المتطرفة، ويضطر المسئولون للدفاع عن الإسلام وتبرئته من تلك الحركات، وأرى أنه لكى يكون الحوار فعالاً فلابد أن يكون بين طرفين، وأرى أنه علينا أن نتخطى مرحلة الدفاع ونفعل العمل المشترك مع من يريد ممن يوافقون على الحوار ونسمع منهم ما يقولونه عن الإسلام ويدافعون عن المسلمين ضد الإسلاموفوبيا.
أخيراً.. ماذا تأمل لمسلمى أوكرانيا بشكل عام؟
– نأمل أن نكون كمجتمع إسلامى نموذجى متعدد الثقافات وهناك شكل من الحوار الداخلى الموجود حالياً وهو على مستوى رفيع مع باقى شرائح المجتمع، والحمد لله أرى أن نمونا سليم ونتزايد وصار لنا أثر فى المجتمعات الأخرى خارج أوكرانيا، لأنه من يدرس عندنا بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعى التى بينت حقيقة الإسلام جعلتنا نمتد إلى الطاجيكستان والنمسا بنشر هذا العلم للناطقين باللغة الروسية.