المقالات التي تنشر تعبر عن آراء أصحابها
كفاح محمود كريم/ في نيسان 2003م تصور الكثير ان الآلة العسكرية الأمريكية أسقطت هيكل نظام صدام حسين، لكن الحقيقة كانت غير ذلك تماما، فقد قاوم نظام هوشي منه ( مع الفرق الكبير بينهما ) في فيتنام ذات الآلة ودمرها أمام صمود حزبه وثواره وشعبه طيلة سنوات مريرة استخدم فيها الأمريكيون شتى أنواع أسلحة الدمار الشامل، لكنهم انهاروا في سايغون أمام إرادة شعب مصر على الانتصار، وفي العراق قاد صدام حسين وثلة من بطانته أبشع حملة لاهانة العراقيين وجرح كرامتهم وإذلالهم بما في ذلك رفاق
حزبه وقياداتهم، ويدرك العراقيون بمختلف مشاربهم وطبقاتهم ومكوناتهم كيف كان يتعامل صدام حسين وزبانيته مع الجيش والشعب والحزب، والذي انتهى بتسلط عائلته وأبنائه على مقدرات البلاد حتى تساوى العراقيون جميعا في الإحساس بان هذه الطغمة قد ثلمت كرامتهم وأهانت كبريائهم وتسببت في إفقارهم وإذلالهم.
لقد قزم صدام حسين وبطانته العراق حتى أصبحت عائلته بديلا عن الشعب وحزبه الذي تسلطت عليه مجموعة وصولية ضعيفة لا هم لها إلا إرضاء ولي النعمة وقائد ضرورياتهم، فأصبح العراق قرية بائسة يئن شعبه من الفقر والعوز، وتعاني مؤسساته من الضعف والهوان، ويتلوى جيشه المهلهل جوعا وانكسارا كبير في معنوياته ونفسيته، لصالح مجموعة من الأفواج أو الألوية التي تحولت إلى مجموعات من كلاب الصيد همها إدامة ماكينة الإذلال والاهانة للبلاد وشعبها، فقد سقط صدام حسين قبل سنوات طويلة من مجيء آلة الحرب الأمريكية، حينما ظن انه سيبيد شريكه الكوردي في الوطن والتاريخ بقصفه حلبجة بالأسلحة الكيماوية وإبادة ما يقرب من ربع مليون طفل وامرأة وشيخ فيما أطلق عليه ظلما وبهتانا بالأنفال، وحينما تصور هو ومن على شاكلته بأنه قادر على إبادة سكان الوسط والجنوب لمجرد اتهامهم بالصفوية والعمالة لإيران، حتى نخر الوهن هيكله ودب في مفاصله السقم، فما كان يحتاج أكثر من هزة عود لينهار ويسقط، وتتعرى بسقوطه المخزي حقائق وعارات أربعين عاما من الكذب والفضائح والشعارات المهلهلة.
لم يمض على العراقيين سوى عقد من الزمان حتى تكررت مشاهد السقوط والهزيمة المخزية التي صنعتها وأنتجتها دكتاتورية صدام حسين، لجيشهم الجديد الذي كلفهم عشرات المليارات تدريبا وتسليحا، لكي تعود ثانية مشاهد الانهيار بذات المخازي والعارات، التي حولت عشرات آلاف الجند إلى أسرى للخوف تخلت حتى عن جلودها لتهرب أمام بضعة مئات من مسلحين ملثمين تسلقوا انكسار وإحباط الأهالي بنظامهم الجديد وعسكره ورجال أمنه، الذين ما تركوا امرأة ولا رجل إلا وفي حلوقهم غصة من اهاناتهم وتجاوزاتهم واعتداءاتهم المهينة تحت طائلة الأمن الذي مزقوه وشتتوا الأهالي تحت خيمته المهترئة.
فعلا لم تك الموصل وغيرها من مدن غرب البلاد تحتاج أكثر من بضعة سيارات وتكبيرات واطلاقات نارية لتتهاوى فرق والوية وافواج كارتونية تضم آلاف المرتشين من الذين باعوا أصواتهم في الدورتين الانتخابيتين 2005- 2009 مقابل توظيفهم في السلك العسكري أو الأمني، تحت قيادة أفشل ضباط العسكر ورتبهم المزيفة التي منحوا إياها بذات الطريقة التي عين فيها آلاف الجند، ليشكلوا ميليشيات تحت اسم الجيش، تتبع من دفع لهم أيام الانتخابات، حتى بات الأكثرية يطلقون عليهم اسم جيش المالكي الذي لم ينجح طيلة ثمان سنوات من إقناع الأهالي بأنه جيشهم ويستحق الاحترام بدل الخوف، فما كان منهم ومن عساكرهم إلا ما شهدناه من أخزى صور الهزيمة والتخلي عن الواجب، حينما نزعوا حتى بدلاتهم العسكرية وتخلوا عن أسلحتهم الحديثة، الصغيرة منها والكبيرة أمام بضع مئات من المسلحين، استثمروا حالة الإحباط والانكسار لدى الأهالي ليحتلوا الموصل وغيرها من المدن خلال اقل من 72 ساعة، تدفعهم لقبولهم رغبات الأهالي المكسورين الذين أوصلتهم السياسات الخاطئة للحكومة ومؤسساتها إلى قبول أي كان بدلا عنهم، وهذا ما حصل فعلا ليس رغبة بالقادمين بل تخلصا من طغيان الحاكمين!؟
في السقوط الأول انهار هيكل نظام صدام حسين وتم سجن وإعدام رموزه، يا ترى ماذا سيكون مصير أصحاب السقوط الثاني.