هادي جلو مرعي / مواطن من الغلابة لم يكن له دخل لافي الحمار ولا البردعة خرج الى الشارع فصادفه عدد من المتظاهرين وهم يهتفون ضد حكم رئيس الجمهورية مطالبين بإسقاط النظام، وعودة الحاكم السابق، وينادون” يسقط يسقط حكم العسكر” سار في التظاهرة على غير هدى، ودفعته الأصوات والحشود ليكون جزءا منها فصار يهتف معهم بشعارات وكلمات ومطالب لايعلم عنها شيئا فهو رجل على باب الله يبحث عن لقمة العيش فأين وجدها إلتقطها وإنسل في طريق، إصطدم المتظاهرون برجال الشرطة الذين إستخدموا الهروات والخراطيش وصاروا يوجهونها جهة المتجمعين في المكان، وكان صاحبنا لايجد إن الشرطة أعداءا له فتقدم نحوهم، وضربوه بقسوة وهم يصيحون، إنت معاهم ياكلب؟ إي يعني حكم العسكر؟ فصاح بهم، والله أنا معاكم بس خفت وأنا مكنتش أقول يسقط حكم العسكر، أنا كنت أقول، يسقط يسقط حكم السكر..
بالطبع فإن السكر يمكن أن يكون سببا في مشكلة فهو على أية حال مستورد من بلاد أخرى، ولطالما مرت البلاد العربية بأزمات مرتبطة بنقص حاد في التموين، وإرتفاع في الأسعار تطبق على رقبة المواطن المسكين الذي لايجد قوت يومه، فكيف يستطيع مواجهة الغلاء؟ لكن من الصعب تصديق إن المواطن الغلبان كان يهتف ضد السكر في مظاهرة عادية، ومن يصدق إنه كان مجبرا على الدخول في قلب التظاهرة، ولماذا لم ينزو في شارع خلفي، أو يدخل في مقهى ويدخن الشيشة، أو يشرب قرفة زي الباقين؟
في الغالب ليس من حق المواطن العربي أن يطالب بحقوقه، وإذا ماتجرأ وفعل ذلك فإنه سيحسب على جهة ما، ويتم حصره في زاوية ضيقة ليضرب بالكرباج على رأسه وعلى وجهه وظهره، وربما يمتد الضرب ليشمل الجسد بكامله، وقد يتم رفع واحدة من فقرات عموده الظهري، ويكون في المستشفى، أو في الزنزانة، أو في مكان مظلم موبوء بالحشرات والأفاع والعقارب، ولايسمح له بمتابعة حياته الطبيعية، ويفرض عليه نظام من الظلام.
المشكلة الكبرى في عالمنا العربي إنه خاضع لسلطة أبوية قاهرة لايمكن التمرد فيها على سلطة الحاكم القاهرة المتجبرة التي تمنع الحياة والكرامة إلا في حدود ضيقة، وتمنح ذلك لمن تشاء من الناس، والذين يعلنون الولاء المطلق للحاكم وزبانيته، فيكون العيش في ظل نظام من هذا النوع صعب ومريع ودافع للحقد، وربما محاولة الهروب الى بلاد أخرى بحثا عن صفة الإنسانية المفقودة التي ضاعت بين رغبة الحكم الدائم، وتضييع الحقوق من جهة، وعجز الناس عن الثورة والتغيير وطلب الحرية من جهة أخرى.
إذا هربت الى بلاد اخرى فيمكنك الهتاف ضد من تشاء، لكن إذا قررت البقاء في بلدك العربي فيمكنك أن تطالب بإسقاط حكم السكرفقط.
المرصد العراقي للحريات الصحفية
نقابة الصحفيين العراقيين