%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF أوكرانيا

روسيا: بين روسيا المفيدة السورية ونوفا روسيا الاوكرانية والعقوبات الامريكية .

كتب/خالد ممدوح العزي .

  في لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في باريس في ايار\مايو من العام الحالي، طلب من بوتين عدم السماح للنظام السوري باستخدام الكيماوي لان ذلك خط احمر ، وضرورة تنفيذ اتفاق مينسك المتعلق بأوكرانيا،هذه الاشارة التي وجهها الرئيس الفرنسي هي اتهام مباشر لروسي في خلخلت الامن في الدولتين .

 دخلت القوات الجوية الروسية  الى سورية  في اؤخر ايلول \ سبتمبر  من العام 2015 من اجل احراز نصرا سياسيا  في  الجسم السوري يعيدها للملعب الدولي كلاعب اساسي بعد ان ضاق الخناق عليها نتيجة الخطاء التاريخي الذي ارتكبته  صقور الكرملين باحتلال شبه جزيرة القرم التابعة للدولة الاوكرانية حتى لو حاولت روسيا تعليلها بالتبريرات المختلفة ،لكنها لم تستطع العالم احتلالها للجزيرة عسكريا.

حاولت روسيا في سوريا اظهار قدرتها النارية المدفونة بواسطة سلاح الجو وطائراتها الحديثة التي عملت على  استخدامهم في المعمودية النارية السورية . فالسلاح الروسي هو ماركة مسجلة للدولة الروسية ومصر رزق ، اعادة اعتبره وهو اعادة اعتبار لروسي والسمح لها مجددا  الدخول الى المنطقة ، هذا السلاح اثبت فشله في سورية وليبيا والعراق مما دفع بالروس استخدامه شخصيا في سوريا واظهار العيب بالخبراء الذين لم يجدوا استخدام.

استطاع هذا السلاح بواسطة الخبراء الروس ان يفعل فعلته ويدمر سوريا ويهجر اهلها، ويعيد كافة الميزان في الميدان لصالح النظام وايران وميلشياتها. استطاعت روسيا فرض امر واقع جديد في الحرب السورية لصالح النظام في محاولة منها للامساك بزمام المبادرة السورية ، مما دفع بالرئيس بوتين للتصريح امام الاعلام  الروسي الشهر الماضي بان الحملة العسكرية في سورية كان مرصود لها ميزانية  في الدولة الروسية تحت بند التدريبات العسكري للجيش الروسي واعادة تاهيله.

يطلق الرئيس بوتين تصريحات يتفاخر بها  بان سورية حقل تجارب ميداني للسلاح والعسكر الروسي ، يتم خوضها ضد المدنيين والمعارضين لسياسة النظام السوري ، معتبرا بان كل الشعب السوري المعارض هو ارهابي .

لم تقرأ روسيا جيدا التغييرات الجيوسياسية في المنطقة بل ذهبت بعيدا في تحليلها للوضع في سورية من خلال رفع شعار محاربة الارهاب والتنسيق مع ايران وميلشياتها والتنافس الودي مع الادارة الامريكية لحماية امن وحدود اسرائيل والهدف كله هو الاطباق على الملف السوري لمقايضته بالملف الاوكراني.

قدمت روسيا نفسها قوة فاعلة لمحاربة الارهاب الاسلامي السني في سوريا والذي بات يشكل خطرا على حلفاء روسيا  تحديدا ، مما دفع الولايات المتحدة بتفويضها بحل هذه الازمة العلقة والتي باتت تنذر بتغيير جذري في المنطقة .

سمحت ادارة الرئيس اوباما لروسيا بالدخول الى المستنقع الروسي عن طريق الاجواء اليونانية  والتي اقفلت الاجواء بوجهها لاحقا بعد الطلب منها  ، كانت واشنطن تهدف من ذلك استنزافها ماليا وعسكريا ، وإدخالها بأزمة مع العالم العربي والاسلامي (السني ) بسبب تدخلها في سوريا ومقاتلة الارهاب الذي لم يكن ذلك بل كان يهدف لقتل الشعب السوري ، وبظل  تحالفها مع الاسلام الشيعي ،المتصارع على النفوذ في دول الاسلام السني.

لم تكن تخفي روسيا العداء للدول العربية والاسلامية السنية منها، لم تخفر وسيا لهم بسبب خسارتها في العام 1989 في افغانستان، لذلك حاولت روسيا  استخدام سورية كورقة ضغط على الامريكي والاوروبي .

شنت روسيا حربها الجوية على المناطق السورية التي كانت تحت  سيطرة المعارضة تحت شعار محاربة “داعش ” وغياب ذلك ،  والعمل على تهجير السكان السورين الى الغرب من اجل الضغط على المانيا التي تقف وراء الدولة الاوكرانية، بالإضافة للاستفادة  من سورية واستخدامها كورقة نفوذ في اعادة تقسيم دول الشرق الاوسط بعد ان فتحت  “داعش” وايران الحدود بين الدول العربية .

عولت روسيا على اتفاق كيري- لافروف من اجل استبدال اتفاقية سيكاس -بيكو باخر بعد مرور مئة عام على وجودها والتي باتت غير صالحة للألفية الجيدة بظل ظهور قوى عالمية واقليمية جديدة ،والصراع على خطوط الغاز وطرق التجارة الحديثة والذي اطلق عليها اطلق عليها مجددا طريق الحرير”.

طوال السنتين لم تشن روسيا او حلفائها حربا فعلية على “داعش” في مناطقها في دير الزور والرقة وشمالي حلب ، بل كانت ترفع شعاراتها القائمة على محاربة الارهاب والذي تمتل في محاربة الشعب السوري.

منذ وصول روسيا الى سوريا باتت طرح بتغيير خريطة  سوريا لمصلحتها في اعادة ترميم النظام السوري وتأهيله مستغلة وجودها القائم من خلال اتفاقية مع حكومة الرئيس الاسد .

ومع اطالت المدة الزمنية وعدم القدرة  على تحقيق اهدافها بات مطلبها الاخير ينحصر بإقامة دولة “سوريا المفيدة” وهي المناطق القابعة تحت سيطرة النظام والقوات الايرانية في دمشق والساحل واخيرا حلب التي احتلتها بواسطة التخاذل التركي والقوة النارية التي ادت الى تهجير سكانها واحراقها .

سوريا المفيدة لروسيا هي المناطق التي تفرض نفوذها من خلال التواجد العسكري وتمرير خطوط النفط والسيطرة على المعابر مع لبنان وتركيا والبحر ، سوريا المفيدة مجرد اطلقها فيها تعني تقسيم سوريا والتقسيم هو سيطرة نفوذ وتواجد سكري وليس تقسيم اداري ،وربما تحاول روسيا اعادة تجربة المانيا عندم تم تقسيمها الى مناطق نفوذ ضمن دولتين .

لكن بالنسبة لسوريا كان تعديل الخطة لصالح اقامة النفوذ للدولتين (امريكا –روسيا)دون الدخول في التقسيم الاداري، وهذا التصور دفع روسيا بالمراهنة على فريق الرئيس الحالي لأخذ الغطاء السياسي لروسي وتشريع نفوذها لقد عملت روسيا المستحيل لوصول تراب للرئاسة مما دفعها للتورط في حملة ترامب الانتخابية ، واختراقها سياسيا والكترونيا خوفا من وصول المرشح الديمقراطي للسلطة لان هيلاري كانت واضحة بعدم اعطاء اي دور لروسيا التي كانت تحاول اخذ هذا الدور على حساب اوروبا. وروسيا تعلم جيدا بان بيل كلنتون زوج هيلاري هو من تحدى روسيا واسقط صربيا ومنح كوسوف جمهورية مستقلة في عام 1999.   

سوريا المفيدة هي الورقة التي تحاول روسيا الامساك بها واظهار نفسها لاعبا بارعا في السياسة الدولية ،لتعزز نفوذها في المنطقة وفتح افاقا جديدة في العالم، وبالتالي الذهب لحل قضايا اخرى عالقة بين الدولتين.

وهذا الطرح تم ترجمته من قبل روسيا في 9 يوليو \حزيران الماضي في قمة هامبورغ بين بوتين وترامب حول القضايا العالمية ومنها سوريا واوكرانيا والتدخل الروسي في الانتخابات الامريكية .

روسيا تسعى لإيجاد اتفاقيات احادية بينها وبين الجانب الامريكي بعيدا عن الامم المتحدة لحصر الملف بيدها في توزيع الادوار والنفوذ في سورية من ناحية ولإظهار قدرتها امام واشنطن على الامساك الملف السوري الذي يفرض شريكا اساسيا في الحلول.

الحلول الجانبية تساعد صقور الكرملين على  فتح باب المفاوضات بالنسبة لأوكرانيا وتمريرها بعيدا عن الاتفاقات الاممية، في الامم المتحدة،  لكون تطبيق الاتفاقات الدولية في اوكرانيا سيخرج روسيا نهائيا من الملف الاوكراني الذي تم التوافق عليه بواسطة الدول الاوروبية والذي عرف لاحقا باتفاق مينسك.

وبظل التوافق الامريكي الروسي على سوريا من حيث توزيع النفوذ وكبح ايران ومليشياتها، ل ونفوذها في المنطقة التي تحاول فرضه .

اعلنت الولايات المتحدة على عقوبات جديدة ضد روسيا بخصوص الوضع في اوكرانيا والقرم وشرق اوكرانيا ،  والتي تشكل ثلاثة نقاطة حامية لروسية لاتزال تحاول عرقلة تطبيق اي حلول من اجل التوصل الى اتفاقات جانبية تمررها روسيا كما حال سوريا ،لكن الكونغرس كان اسرع بكثير من عرقلة روسيا لكونه اجبر الرئيس ترامب الموفقة على هذه العقوبات الاقتصادية الجديدة والتي تضع روسيا في عين العاصفة من جديد ووضعها بنفس المستوى لإيران وكوريا الشمالية التي اضطرت روسيا للموفقة على العقوبات والتعاون مع المجتمع الدولي املا في فتح ثغرة في العلاقات مع واشنطن .

لكن في المقابل تستعر  نار المعركة في مناطق الشرقية الاوكرانية التي تدعمها روسيا وتحاول فرض امر واقع كما الحال في اسيتيا الجنوبية وابخازيا في دولة جورجيا.

 وبعد عامين من الجمود في مناطق القتال في “الدنباس ” فجأة في اول اب \اغسطس من العام الحالي اعلن رئيس ما يسمى جمهورية دانيتسك الشعبية إلكسندر زاخارتشينكو، استقلال بلاده . 

واطلق على هذه الجمهورية اسم “نوفيا روسيا ” اي روسيا الجديدة ، وهو اسم تاريخي أطلق في عهد الإمبراطورية الروسية على أجزاء من أراضيها تقع الآن ضمن أوكرانيا. ومن المفترض أن تحل هذه الدولة الجديدة  محل أوكرانيا الحالية التي “فقدت مصداقيتها” على حد تعبير زاخارتشينكو رئيس الجمهورية الشعبية ، عبر فترة انتقالية قد تصل إلى ثلاث سنوات.

وهذه  الخطوة  يعتبرها  بعض المحللون الروس بان خطوة  تحريكية ، بمعنى أنها تأتي لتحريك المياه الراكدة، ودفع الملف الأوكراني لطاولة المفاوضات من جديد، بعد أن فشل اتفاق مينسك لتسوية النزاع في الوصول إلى صيغة نهائية قابلة للتنفيذ للعلاقة بين شرق أوكرانيا وكييف، وجمود الموقف على مدى عامين ونصف العام منذ توقيعه في شباط\ فبراير2015، بل وانصراف الأطراف المختلفة وانشغالها بقضايا أخرى داخلية وخارجية. في حين يرى البعض الآخر أن إعلان “نوفا روسيا” ربما يكون مجرد ورقة ضاغطة، أو استباقية يتم التلويح بها في مواجهة كييف وواشنطن  واوروبا لردع أي تصعيد في مواجهة شرق أوكرانيا، خاصة مع القفزة في التعاون العسكري بين كييف والولايات المتحدة، وإقدام الأخيرة على تزويد أوكرانيا بأسلحة نوعية، إلى جانب المناورات بين كييف وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، في أوديسا جنوب أوكرانيا في الصيف الحالي .

وبظل التصعيد المتسارع في الميداني في السوري  والاوكراني، اضحى الاطار الدبلوماسي الوحيد الذي بات يشكل اطارا جديدا للعلاقة المتوترة بين موسكو وواشنطن، لذلك نرى روسيا باتت تحسب خطواتها التكتيكية ، بالرغم من الصراخ العالي التي تصدحه في وسائل الاعلام الروسية نحو امريكا لكن روسيا لا تزال تعول على تصدر دور جديد في  تحسين العلاقات مع البيت الابيض، وليس المواجهة غير متكافئة بظل الحصار الاقتصادي المفروض على روسيا من الغرب وامريكا ،حيث باتت معالمها تظهر في الشارع الروسي اليائس  من سياسة الكرملين.

فالإيجابية التي تبديها روسيا مع الادارة الامريكية في سوريا بتت واضحة من خلال الالتزام بتنفيذ اتفاق خفض مناطق التوتر ، واتساع رقعتها في الغوطة والذي شمال ايضا حمص وريفها ،مما يدل على نية روسيا للاستجابة للشروط الامريكية وليس للتصعيد. ورسيا تعلم جيدا بان واشنطن لا تمانع من اعطاء دور لروسي في سوريا ، وخاصة أن المعضلة الأساسية التي تواجهها الإدارة هي حدود المواجهة مع إيران في سورية، فليست هناك نية لإرسال قوات أميركية أو خطة واضحة ما بعد “داعش”. وهناك فقط التعويل على الجانب الروسي بإضعاف دور إيران مقابل تعاون أكبر مع واشنطن، على رغم تشكيك كبار المسؤولين في إمكان حدوث ذلك.

اما من ناحية العقوبات الاقتصادية التي فرضت على روسيا فهذا يدل على ان الادارة لا تزال غير راضية عن تصرفات موسكو، و تنفيذها لدفتر الشروط الامريكية في سورية والقاضي بكبح نفوذ ايران وتحجيم دورها ووضعها تحت الجناح الروسي.

اما بخصوص اوكرانيا على روسيا تنفيذ الشروط الامريكية المتعلقة بعدما الطموح لأي دور قادم في الجيو-سياسة الاوروبية، والعمل سريعا على دعم الدولة الاوكرانية ،وعدم اعاقة تنفيذ بنود اتفاق مينسك  ( التي وقعت موسكو عليه كمشارة اساسية في صياغة الاتفاق )، وايضا عدم التعرض اعلاميا ودبلوماسيا للدولة والقادة الاوكران.

اما بخصوص العقوبات وفكها هذا مطلب خطر جدا بالنسبة لروسية، فيطلبها بالانسحاب من القرم، واعادته الى اوكرانيا وهذا غير ممكن للدولة الروسية وللرئيس بوتين الذي سيفقد شرعيته وقد يؤدي هذا الطلب لنهاية حكمه  في روسيا.

وامام هذه الجبهات التي فتحتها روسيا  في الجنوب العربي والشرق الاوروبي في (“نوفا روسيا” الاوكرانية وسوريا المفيدة ) ومع عدم القدرة على اغلاقها ، و بتجدد العقوبات الاقتصادية الامريكية والغربية المفروضة  على روسيا وشعبها ، علينا الانتظار  كيف ستتمكن الدولة الروسية وصقور الكرملين من تنفيذ القرارات الدولية بخصوص الأزمتين ، وما هي الطرق المطروحة لانتزاع شرعية لدورها  في المنطقتين من الادارة الامريكية الحالية  ، قد تحددها لاحقا اللجنة القضائية  الامريكية المتعلقة بشأن البحث بتورط روسيا في انتخابات الرئاسة الأميركة لجهة (القرصنة الالكترونية والتنسيقة مع فريق الحملة الانتخابية والاموال التي دفعت لتميل حملة مواكبة لحملة الرئيس دونالد ترامب).

كاتب وبحث في الشؤون الدولية .

شاهد أيضاً

جورجيا

من يؤثر على الديمقراطية في جورجيا ودول أخرى؟

أحمد عبد اللطيف / في السنوات الأخيرة، أصبح التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة …