وا أمريكاه
28 أغسطس, 2013
مقالات, ملفات خاصة
كتب غازي مرتجى/ في الأحداث المصرية الأخيرة تسابق طرفي المعادلة لإثبات ولائهم للولايات المتحدة , وأضحى واضحاً للعيان مدى تلذذ أنصار الطرفين لترجمة أو اختلاق أو تمنّي أخبار تثبت دعم الولايات المتحدة لطرف مقابل الآخر ..
في السابق كانت العلاقة مع الولايات المتحدة تُعتبر شُبهة وأقصد العلاقة العلنية (بدون حياء) , فكان المتفذلكين والشيوعيين والأرستقراطيين وحتى الرأسماليين والليبراليين وبالتأكيد الإسلاميين بكل أنواعهم يعتبرون التعامل العلني مع الولايات المتحدة ضرباً من العمالة والتآمر .. وكانت الطريقة الأسهل لتشويه أو تعهير أي شخصية سياسية أو اقتصادية بنشر صورة واحدة له تُثبت تعامله العلني ولقائه بساسة من الولايات المتحدة ..
جاء الربيع العربي أو قُل عنه الربيع الأمريكي لتُصبح المعادلة عكسية تماماً , فصاحب العلاقات مع أمريكا هو (البطل الهُمام) ومن يسير بعكس ما يُقرّر أوباما هو شخص شاذ وخارج عن الإجماع الوطني بل ومرتد عن تعاليم الربيع العربي الجديد !
لقد شاهدنا جميعاً كيف ناشد العرب الولايات المتحدة بضرورة التخلص من القذافي وكيف تدخلت قوات الناتو في يوم وليلة بدون قمر .. وأسقطت القذافي نجدةً لنداءات المُنفتحين (المفتوحين) من العربان .. وكيف تحوّلت ليبيا ذات الرؤية الأمريكية إلى عراق ثانٍ , وهي أهم أسس الديمقراطية الأمريكية المُدعّاة ..
ثم انتقل المشهد فيما بعد إلى سوريا وبدأ السلفيون كأقصى يمين والماركسيون واللينينيون كأقصى اليسار وما بينهما , بمناشدة الولايات المتحدة ووصفوهم بـ”شرفاء العالم” لنجدة سوريا من براثن نظام الأسد (العلوي المجرم) ! , واصطّف الأحرار الجُدد (المُتأمركون) إلى جانب كل صوت نادى بضرورة تدخل الغرب الشريف العفيف في سوريا العزيزة الغالية ! , وكم كانت شدة الفرح والـ”زقططة” يوم ضربت إسرائيل الأراضي السورية من قبل دُعاة الحرية والتحرر .. سقطوا من عيني وعقلي وقلبي يومها .. ولم يعودوا ولن يفعلوا ..
انتقلنا بعدها إلى مصر وشاهدنا قمة “الاستلطاخ” وكيف حاول مؤيدو الطرفين (وليس قادتهم) إثبات اصطفاف الولايات المتحدة معهم .. بل وتجرّأ عديد منهم لتهديد الآخر بـ”بعبع أمريكا” .. حينها أيقنت أن المرض انتشر .. والوباء عم .. والخيانة أصبحت وجهة نظر ..
لقد انحدر المستوى الأخلاقي لدى فئة عربية مُتأمركة وهي كبيرة بالمناسبة .. فجعلوا من أمريكا الصديق والحبيب والعزيز .. وكفّروا بعضهم البعض وناشدوا أمريكا حامية حمى الإسلام والعروبة .. !
في أربعينيات القرن الماضي وخمسيناته ظهرت فئة “المستشرقين” ممن جلبوا أفكاراً “خُنفشارية” حاولوا من خلالها غسل أدمغة كل الفئات بدأوها بالمثقفين ولم ينتهوا إلى حد أصغر طفل في بلاد العرب .. كُتبت عنهم الموسوعات وأصبحوا منهاجاً دراسياً يُدرّس في فن التعامل مع الظواهر الشاذة التي تطرأ على المجتمع .. لنكتشف بعد عقود سبعة بأنهم نجحوا بالفعل ولكن بطرق حديثة وأثبتوا لنا أن نارهم أرحم من جنّة المُتأمركين ..
في حديثي لا أدافع عن سوريا , ولا عن بشّار الأسد فدم طفل سوري قُتل بعنجهة وتفرّد واستقواء “الأسد” برقبته وعائلته ونظامه .. لكن لا أجد في حرب عليه وعلى نظامه حلاً .. بل هي ثقافة عوجاء اضطرّ البعض لمساندتها و”انشكح” آخرون لاضطراراهم !
على بشار الأسد لو كان بالفعل قومياً عربياً التنازل عن حكمه .. تفويت الفرصة لتفتيت المُفتّت .. وليكُن الزعيم الذي كسر عنجهية الأمريكان وميليشاتها العربية ! .. على الأسد أن يفكّر بالنموذج اليمني .. وإلا فنماذج ليبيا والعراق جاهزة .. فلتدخل التاريخ بقدميك بدلاً من أن تنتهي بـ”أصابع شعبك” .. وفي القذافي آية ! ..
على الهامش ..
الحرب لا محالة قادمة , يتوقع الجميع أن تبدأ خلال ساعات أو سويعات .. وأصبح حديث الإعلام (المؤيد والمعارض) عن نوع الضربة وقوتها وكيفية الرد ..
نقلا عن دنيا الوطن