د.فؤاد خشيش
دكتوراه بالعلاقات الدولية
لم تثر أطروحة من الأطروحات ولا مفهوم من المفاهيم، ما أثارته أطروحة صراع الحضارات من لغط واسع وجدال حاد بين الباحثين والمفكرين والسياسيين على المستوى العالمي والذين عالجوا هذه الإشكالية كل من موقعه وإهتمامه وانشغاله الى درجة أصبحت معها من القضايا الساخنة التي تلتهب بها ساحة الفكر الإنساني.
بدأ الحديث عن صدام أو صراع الحضارات يشغل بال الكثيرين من الاستراتيجيين والمهتمين بالشأن الدولي وبمسألة العلاقات الدولية تحديداً، حيث بات يشغل جزءاً كبيراً من المساحات الإعلامية ـ المقروءة والمكتوبة ـ المخصصة لمعالجة القضايا الدولية، وصار أحد أهم القضايا الكبرى التي تشغل بال المفكرين وصناع القرار في مختلف أنحاء العالم ، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن والتداعيات المرافقة لها.
فما هي حقيقة هذا الصراع، وما هي منطلقاته، وما هو موقف الإسلام منه، وكذلك ما هي تداعياته المتوقعة؟
نظرة تاريخية
منذ البابا أريان الثاني من جنوب فرنسا سنة 1090 الى أول حملة صليبية ضد الإسلام والمسلمين وحتى الآن، لا تزال عقدة الحرب الصليبية تسيطر على أفكار الغربيين وتحكم مشاعرهم ومواقفهم تجاه الإسلام والمسلمين، فمنذ القديم والعلاقة القائمة بين أوروبا ” الغرب “والعرب ” الشرق” تنطوي “على قدر كبير من الكثافة والتوتر والتعقيد. ومن هنا فإنها تنهض على جدلية الجذب والتنافر واستهواء الضد لنقيضه ورغبته في الاستحواذ عليه والصراع معه وأحيانا تدميره”.
وقد وصلت هذه العلاقات الى قمة الصراع والعدوانية بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وانحلال حلف وارسو وتفكك الكتلة الاشتراكية وحرب الخليج الثانية، وهي الأحداث التي فسحت المجال للولايات المتحدة الأميركية لتحمل ” مشعل” النظام العالمي الجديد القائم على أحادية القطب المتمثل في القوة والفكر الأميركيين، وهو ما حداها الى فرض منظومة قيم خاصة ونمط حياة على العالم اجمع، ومن سولت له نفسه العصيان أو التمرد على هذا النظام فإنه يتهم حينذاك بالدعوة الى الصراع أو الارهاب، وعليه ان يدفع الثمن . وجاءت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وما نتج عنها من ردود الفعل الغاضبة والعدوانية تجاه المسلمين والعرب، لتجسد مباشرة في تصريح الرئيس الأميركي جورج بوش الذي اعتبر فيه “الحرب التي تخوضها أميركا ومعها الغرب كله ضد ما تسميه الإرهاب”، هي حرب صليبية جديدة، وكذلك إعلان رئيس الوزراء الايطالي برلسكوني اللامسؤول عن دونية الحضارة الإسلامية وانحطاطها.
لقد كشف كل هذا عن العداء المضمر تجاه الإسلام والمسلمين، الذي في الواقع لم يكن وليد الحاضر، بل كانت له جذور موغلة في القدم، أقربها ما عبر عنه الكاتب والمفكر برنارج لويس(1) المعروف بعدائه للإسلام في محاضرة ألقاها في نهاية عام 1990 في موضوع ” الأصولية الإسلامية” وهي المحاضرة التي تنبأ فيها بحتمية الصراع بين الإسلام والغرب، زاعما “بأن الإسلام يرفض الآخرين ويكرس الاختلاف ويدعو الى الاستبداد”. وذهب نفس المذهب في مقالة له بعنوان ” جذور السعار الإسلامية” وفي سنة 1991 أصدر الفرنسي جان كلود بارو كتابا تقطر حقداً على الإسلام عموما، والعالم الحديث خصوصا” ، وآخر من ركب هذه الموجة الكاتبة الإيطالية أوريانا فلاتشي صاحبة كتاب ” السعار والكبرياء” الذي لم تخف فيه صاحبته حقدها وكراهيتها للمسلمين ولدينهم، والقائمة طويلة.
في ظل هذا السياق التاريخي ولدت أطروحة صدام الحضارات التي هي في الأصل مقولة الخبير الاستراتيجيي الأميركي “صمويل هنتنغتون” أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، وهي واحدة من أنشط المقولات والأفكار وأسرعها تداولا وأكثرها نقدا وجدلا وتنبني هذه النظرية على تصنيف غريب للحضارات المتصادمة والمتصارعة، مستدلا في ذلك ببعض بؤر التوتر سماها “حدودا دموية تشكل نقط التماس والصدام الدائم بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى، كالحضارة الغربية والحضارة الهندوكية”… ويعتقد ” هنتنغتون” أن أهم عوامل الصراع الحضاري على الإطلاق هو عامل الدين بالإضافة الى التاريخ واللغة والتقاليد، وقد استدل على هذا الطرح ببعض الصراعات القائمة بين البوسنة وكرواتيا من جهة وبين البوسنة وصربيا، وبين تركيا وكل من اليونان وبلغاريا والصراع الهندي الباكستاني الخ.
نظرية صراع الحضارات:
نظرية صدام(صراع) الحضارات لصموئيل هانتنغتون، سرقت الأضواء منذ أن ظهرت في بداية التسعينات كأحد أهم النظريات التي تحاول أن تفسر عالم السياسة الدولية ما بعد القطبية الثنائية. ومضمون اطروحة هنتنغتون التي ظهرت على شكل مقالة علمية في مجلة“Foreign Affairs” ومن الواضح أنَّ هناك مجموعة من الحوافز الموضوعية التي دعت هانتنغتون لطرح نظريته هذه، منها:
– تفتت الإتحاد السوفياتي كأيدلوجيا عالمية تنضوي تحتها دول من ثقافات وحضارات مختلفة بعد نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي.
– سقوط الإتحاد السوفياتي الذي كانت تقوم سياسته على العقيدة الشيوعية، هو من جانب آخر إعلان انتصار للمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم سياساتها العامة على العقيدة الليبرالية.
-وهذا الانتصار الغربي هو نقطة تحول مثيرة في تاريخ العالم. ففي الماضي، ولا سيما قبل الحرب العالمية الثانية، كان نظام السياسة الدولية يقاد من قوى متعددة، ولكن بعيد الحرب العالمية الثانية تحول النظام السياسي الدولي إلى ثنائي القطبية وتعاظم دورها خلال الحرب الباردة. إلا أنه بعد انهيار ما كان يسمى المنظومة الاشنراكية، دخل النظام الدولي مرحلة سياسية جديدة تعرف بـمرحلة “أحادية القطبية”، وهي حالة فريدة من نوعها في التاريخ السياسي، إذ لم يحدث قط أن تكون هناك دولة واحدة هي القوة الأكثر نفوذاً وتأثيراً في العالم.
من جانب آخر، أقام هنتنغتون نظريته على بعض الافتراضات، وهي:
أ- أنَّ أيدلوجية العالم الغربي التي تتبنى الطريقة الديمقراطية في التنظيم السياسي، والأسلوب الرأسمالي في إدارة الاقتصاد، إضافة إلى التصور الليبرالي في التنظيم الاجتماعي، هي أعلى وآخر تطور في الحضارة الإنسانية على مستوى الأفكار. لأنه من وجهة نظره، هذا هو أفضل نظام بشري تم تحقيقه من أي وقت مضى، وليس من المتوقع أن يتم استبداله يوم ما من قبل أي فكر جديد. بقول آخر، هذا يعني أنَّ التفكير وصل لنهايته عندما هزمت الأيدلوجيا الغربية كل الأيدلوجيات الأخرى، وبالتالي وصلت لنهاية سلم النجاح.
ب- من هنا، فإن أفضل حل ليس فقط للدول الأخرى بل أيضاً للحضارات الأخرى في العالم إن أرادوا أن يقاوموا الاندثار ويكبحوا الانحسار، هو تقمص أيدلوجية الحضارة الغربية والحذو حذوها، لأنها هي الطريق الوحيد للتنمية الحقيقية بل وحتى الاستمرار على قيد الحياة.
ج- الافتراض الثالث وهو أحد ثوابت الفكر السياسي الحديث، هو أن الدول الغربية الديمقراطية لا تحل مشكلاتها عن طريق الوسائل العسكرية، بقدر ما أنها تفضل الطرق الدبلوماسية السلمية.
مقالة “صدام الحضارات” ،هي نافذة مستقبلية ينظر من خلالها هنتنغتون إلى الواقع الجديد للنظام السياسي الدولي بعد الحرب الباردة، ويلفت فيها نظر الدول الغربية إلى ضرورة الالتفات إلى الحقائق الدولية الجديدة، وأهمها: أن الدول غير الغربية لن تكون كما كانت في السابق محلاً لأغراض السياسة الدولية التي كانت تدير خيوطه الدول الغربية، بل سوف تحاول أن تجد لها موطئ قدم في النظام العالمي الجديد.
في هذا الجانب، يتخلى هانتنغتون عن عباءته العلمية لينصح الساسة الغربيون ببناء استراتيجية قصيرة وطويلة المدى تقوم على مقاومة التحديات الجديدة في المجتمع الدولي، وذلك عن طريق توسيع علاقات الشراكة مع دول شرق أوروبا، وكذلك دول أميركا اللاتينية، باعتبار أن هذه الدول تدور ثقافياً في فلك الدول الغربية. مع تشديده كذلك، على أهمية الحفاظ على التفوق العسكري والاقتصادي الغربي لحماية مصالحها في علاقاتها مع الدول غير الغربية التي لا تزال تسعى لمقاومة هذا التفوق. ولم يفت هنتنغتون، التحذير على وجه التحديد من قوتين في هذا المجال قد تواجه الغرب عسكرياً وهي القوى الإسلامية وكذلك القوى الآسيوية الكونفوشوسية وهو يقصد بذلك اليابان والصين وكوريا الشمالية والجنوبية.
يقول الخبير الأميركي في معرض رده على الانتقادات الموجهة اليه” لقد تم انتقادي بشدة لأنني تحدثت في مقالي حول صدام الحضارات ( يقصد المقال الذي نشره في المجلة الأميركية FOREIGN AFFAIRS في صيف 1992) عن الحدود الدموية للإسلام، وبالرغم من ذلك فإن هذه العبارة تعبر عن واقع موجود بالفعل في البوسنة والشيشان وكشمير والهند وفلسطين والسودان، إن العنف الذي يجتاح هذه البلدان سيكون في كل مرة بين المسلمين وشعوب ذات ديانات أخرى ومشاركة المسلمين في هذه النزاعات في أكثر ارتفاعا من أية حضارة أخرى.
صموئيل هانتنغتون:
صامويل فلبس هانتنغتون Samuel Phillips Huntington. (ولد 18 أبريل 1927 – توفي 24 ديسمبر 2008) أستاذ علوم سياسية، اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه في انقلابات الدول، ثم أطروحته بأن اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن الحادي والعشرين سيكونوا الحضارات وليس الدول القومية كما استحوذ على الانتباه لتحليله للمخاطر على الولايات المتحدة التي تشكلها الهجرة المعاصرة. درس في جامعة يال، وهو أستاذ بجامعة هارفارد.
برز اسمه أول مرة في الستينات بنشره بحث بعنوان “النظام السياسي في مجتمعات متغيرة”، وهو العمل الذي تحدى النظرة التقليدية لمنظري التحديث والتي كانت تقول بأن التقدم الاقتصادي والاجتماعي سيؤديان إلى قيام ديمقراطيات مستقرة في المستعمرات حديثة الاستقلال.
في صيف عام 1993 نشرت له مجلة فورين أفيرز “Foreign Affairs” الأميركية مقالاً بعنوان “صدام الحضارات” أثار جدلاً استمر ما يقرب من ثلاث سنوات حيث أنه لمس عصباً في أناس ينتمون إلى جميع حضارات العالم، وبعد هذا الاهتمام والجدل الذي دار حول المقال، طبع هانتنجتون كتابه بعنوان ” صراع الحضارات” والذي تناول فيه عدة أمور هامة كمفهوم الحضارات، مسألة الحضارة الكونية العلاقات بين القوة والثقافة، ميزان القوى المتغيرة بين الحضارات، العودة إلى المحلية والتأصيل في المجتمعات غير الغربية، البنية السياسية للحضارات، الصراعات التي تولدها عالمية الغرب التوازن والاستجابات المنحازة للقوة الصينية، ومستقبل الغرب وحضارات العالم.
*فرنسيس فوكوياما
وشيهيرو فرانسيس فوكوياما كاتب ومفكر أميركي الجنسية من أصول يابانية يعد من أهم مفكري المحافظين الجدد. من كتبه كتاب (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) و(الانهيار أو التصدع العظيم).
تناول الأمر من جهة الصراع الذي دام أكثر من خمسة وسبعين عاماً بين الاتحاد السوفياتي وايدولوجية الصمت الشيوعي والولايات المتحدة وفكرة الرأسمالية المتحررة من أي قيد والذي انتهي بفوز الرأسمالية .قال أن على العالم أن يتقبل النظام الجديد بكل ما فيه من حرية وأن الولايات المتحدة هي التي بدت تسطر نهاية التاريخ بعد تبنيها للفكر المتحرر والديمقراطية والرأسمالية للعالم .وهو بهذا الرأي تعارض كثيراً مع هانتغنتون، فالأول قسم الصراع الحضاري لخمسة منافسين ” الصين، اليابان، الهند، الإسلام، أفريقيا، أمريكا اللاتينية” بينما الأخر قسم الحضارات حسب كل نظام ” شيوعي، رأسمالي،..الخ”
نقد أطروحة “صراع الحضارات:
أول نقطة يتوجه إليها معظم الباحثين والمفكرين العرب والغربيين أنفسهم بالنقد، هو ذلك التصنيف الغريب الذي قام به ” هنتنغتون” للحضارات، عندما ميز بين الحضارة الأميركية واللاتينية والحضارة الغربية اللتين لهما في الأصل نفس المواصفات والمميزات والجذور، كما أن الاعتماد على عنصر الدين واعتباره العامل الأول والأوحد في الصراع الحضاري أمر جسيم واستقراء خاطئ للأوضاع ومعرفة سطحية بالإسلام، كما أن القول بصراع أو صدام الحضارات أمر مجانب للحقيقة يفتقر الى دليل منطقي وملموس، إذ المعطيات التاريخية المتوفرة تثبت العكس.
لا شك في كون هنتنغتون أراد بالصراع ميكانزمات المنافسة والامتصاص والتكيف التي تحدث داخل البناء الاجتماعي بنظمه وتنظيماته المختلفة، ولا علاقة لكل هذا بالصراع، وكل حضارة من الحضارات تحتاج الى الاتصال والتفاعل والتأثر بالحضارات الأخرى، وهذا معلم من معالم التاريخ الحضاري الإنساني يعود عليها بالخير والفائدة.
إن نظرية صراع الحضارات وكما بلورها ” صمويل هنتنغتون” مقولة صراعية تدفع بأميركا وبالغرب بماديته وإمكاناته العلمية والمعلوماتية لممارسة الهيمنة ونفي الآخر/الجنوب والسيطرة على ثرواته الروحية والفكرية والمادية تارة، تحت غطاء الحماية وتارة أخرى باسم الليبرالية والانفتاح والعولمة.
يرى الدكتور سعيد الصديقي “بأنه مما يثير الاستغراب هو إهمال ” هنتنغتون” للطابع الحضاري والديني للصراع العربي الإسرائيلي” فهو يريد تضليل قرائه عندما يدرج الثقافة اليهودية ضمن ما يصطلح عليه بالمنظومة الثقافية الشرقية التي ينتمي اليها الإسلام أيضا بينما الحقيقة أن الثقافة اليهودية قطعت صلتها بأصولها الشرقية في نهاية القرن 19 مع ظهور المشروع الصهيوني المتمثل في بناء دولة إسرائيل الكبرى، ومنذ ذلك التاريخ انخرطت في المشروع الاستعماري الإمبريالي الغربي، وسيتم بعد ذلك الترويج لمفهوم الحضارة المسيحية اليهودية عبر مئات الندوات والمؤلفات وسيحاول الجميع تجاهل إرث ثقيل من الاضطهاد والكراهية بين المسيحيين واليهود”.(4)
وييشير الباحث غبد الاله بلقزيز الى ان فكرة “صراع الحضارات” تنطوي عند القائل بها (صموئيل هنتنغتون) – وعند مردّديها من أتباعه وأخصامه – على الافتراض بأن العلاقات الدولية في حقبة ما بعد الشيوعية ستصبح محكومةً – أكثر فأكثر – بتأثير عوامل فوق/ سياسية من قبيل الدين والثقافة والحضارة، وأن الأنماط التقليدية لمقاومة الحضارة الغربية – ومنها الشيوعية – ستضمحل بالتدريج كي تفسح في المجال أمام نشوء أنماط “جديدة” من قبيل انكفاء كلّ مجالٍ حضاري على نفسه، وإبداء مقاومته للنموذج الحضاري الغربي – المنتصر في المنافسة الكونية – والاعتراض على قيمه ومعاييره التي يحسبها كونية”.(5)
لقد لاحظ العالم التحولات التي طرأت على المفكرين الغربيين ولا سيما الأميركيين منهم بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي من نزوح نحو الاعتقاد بأن العالم الرأسمالي قد تفوق بصراعه مع أكبر آيديولوجية تتهدده منذ بداية القرن العشرين ألا وهي الشيوعية. والغريب أن هؤلاء المفكرين وجهوا سهامهم نحو دول الشرق الأوسط التي يغلب عليها الطابع الإسلامي رغم أن هذه المنطقة لم تكن توجه لهم أي خطر أو تهديدات آنذاك، بل كانت متحالفة مع الغرب للتخلص من الخطر الشيوعي المشترك حيث كان أسامة بن لادن يومها – بنظر الغرب- هو المجاهد البطل والمقاوم ثم انقلبت الآية ليصبح نفس الرجل وبأثر رجعي” الإرهابي والمجرم والسفاح” وقد يكون مرد هذا إلى الحالة النفسية المرضية التي تعتري بعض القطاعات العريضة والمؤثرة في الغرب وهي حالةEthnocentrism أي نظرة الاستعلاء والفوقية العرقية، بينما يعاني البعض منا وخاصة ذوي الأماكن الرفيعة والعليا حالة Self-Underestimation وهي النظرة الدونية للنفس والإعجاب الدائم بالآخر وخاصة القادم من الغرب. ومن سمات الصراع الحضاري -بحسب رأي هانتغتون- أنه أكثر عنفا ودموية من الصراع الآيديولوجي.
ومن جهة أخرى، طرح الدكتور فرانسيس فوكوياما نظريته الأخطر وهي “نهاية التاريخ”. حيث قصد بها “نهاية تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية.” ورغم أن نظرية هانتغتون أقل حدة وعدوانية من نظرية فوكوياما كونه من المحافظين الجدد، إلا أن الأخير يبدو أنه تراجع عن هذه النظرية الجامحة بعد أن تلمس مدى ازدياد كره الشعوب العالمية لأميركا، وطالب حكومات الولايات المتحدة بعدم اللجوء للخيار العسكري المهلك إلا بعد استنفاذ جميع الوسائل السلمية والديبلوماسية. وهكذا يتبين لنا بقدر كبير من الوضوح أن نظريات العنف والإقصاء لن تفلح بتحقيق ما يصبو إليه الغربيون.