هل المحطة القادمة بعد كييف هي اسطنبول؟
29 مارس, 2014
مقالات, ملفات خاصة
بقلم / مأمون شحادة / خلال تجوالي في فضاء كتاب “فن الحرب” للكاتب الصيني صون أتزو، استوقفتني مقولة: “إن لعب الحرب أصبحت تسير في اتجاهين متوازيين، أحدهما تاريخي والآخر علمي الى الأمام”، و”الحرب الدفاعية تخون صاحبها بسبب كثرة التعزيزات المطلوبة”.
أمام هذه العبارات ومروراً بما يحدث في الجمهوريتين الأوكرانية والتركية، ثمة سؤال يطرح بين ثنايا ودهاليز السياسة الإقليمية والدولية، هل ما يحدث في أوكرانيا سيحدث في تركيا؟ وهل المحطة القادمة بعد كييف هي اسطنبول؟
تركيا وتلاطم أمواج المؤسسات..
إطلاق حزب العدالة والتنمية التركي مصطلح “التنظيم الموازي” ضد من اتهمهم بإثارة الفوضى داخل المؤسسات الحكومية، متوعداً اياهم بالملاحقة، ترك ظلالاً متعددة تفتح “كولسات” كثيرة يصعب التغلب عليها.
امام هذا المصطلح الجديد، على رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ان يقرأ جيداً الأحداث التي شهدها عام 1997، حينما تحرك “اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال والنخب التركية” للمناداة بحلول سلمية لترتيب البيت الداخلي، حيث تُعتبر تلك القاعدة الثلاثية حساسة للشارع التركي وتمثل ركائز أساسية يجب المحافظة عليها “داخلياً وخارجياً”.
إن الأوضاع المؤسساتية “المبهمة”، التي تمر بها الجمهورية التركية ربما تؤثر على الحالة الاقتصادية للبلاد مستقبلاً، لأن الاستقرار هو من يرسم ملامح الاقتصاد، الأمر الذي يحتم على اردوغان التصرف بحكمة لاحتواء اية تحركات مستقبلية لقوى الاقتصاد والنخب في حال اثر الصراع الداخلي على الحالة الاقتصادية.
كذلك تجب قراءة حيثيات إلغاء بروتوكول “أماسيا”، الذي أجاز للمؤسسة العسكرية – سابقاً – دون إذن من الحكومة حرية التدخل في شؤون البلاد الداخلية لحمايتها من اي اضطراب داخلي، حيث شكل هذا الإلغاء نقلة نوعية لهيكلة البيت التركي.
وعلى الرغم من مقدرة رجب طيب أردوغان منذ العام 2003 على توجيه ضربات سياسية متتالية لسحب البساط من تحت هيئة اركان الجيش وتقديم العديد من رجالاتها الى المحاكمة بدعوى تدبير مؤامرات انقلابية ضد حزب العدالة والتنمية، الا انه لم يكن يتوقع ان الثقافة الانقلابية الضمنية التي كانت تطيح بالحكومات إبان أواخر القرن الماضي مازالت منتشرة بين اروقة مؤسسات تخضع للإشراف الحكومي المباشر.
المواجهة الأردوغانية وهيئة الأركان مختلفة عن المواجهة مع التنظيم الموازي، فالأولى دارت رحاها السياسية بطريقة مباشرة، اما الثانية بصورة غير مباشرة، وعناصرها التكتيكية تدور في فلك الكولسة والغموض.
اضافة الى قضايا الفساد الوزاري، التي كشفها التنظيم الموازي، والتدخلات في القضاء، فالاشكاليات الخارجية التي تحاصر الجمهورية التركية كثيرة، وتتطلب سياسة موحدة، وصريحة، لايجاد حلول جذرية لها، وما قضية – الابادة العثمانية – للأرمن عام 1915 الا مثال زوجين من الاشكاليات، فالاشكالية الاولى، سياسية، كمطلب دخول الاتحاد الاوروبي، والثانية اقتصادية، لان الجانب التركي لا يستطيع الاعتراف بتلك الابادة – ليس لانه ينكرها – بل لانه لا يريد ان يخسر اذربيجان (أهم ممر ومورد للغاز)، على خلفية “ناغورني قره باخ” المتنازع عليها بين ارمينيا واذربيجان التي احتلتها الاولى مطلع التسعينيات، حيث انه يشترط اعادة تلك المنطقة للاذريين مقابل الاعتراف بالابادة.
لم تقف الاشكاليات عند هذا الحد، فالمعضلات الخارجية كثيرة، كالمسألة السورية، والمناكفة الروسية، وانقسام الشارع التركي ازاء مساندة مشروع الاخوان المسلمين في البلدان العربية وعلى رأسها مصر وما يرافقها من تجاذبات وتنافرات، اضافة الى كثير من الاشكاليات.
هذا ينقلنا الى الشطر الشمالي لجزيرة قبرص “أحد المطالب الاوروبية لدخول الاتحاد كشرط للانسحاب منه”، ولكن قبل الخوض في ذلك سنتطرق الى الحالة الاوكرانية، لمعرفة ان كانت هناك تشابهات ما بين اسطنبول وكييف.
أوكرانيا واللعب خلف الكواليس..
قرار البرلمان الأوكراني بإزاحة يانوكوفيتش عن سدة الحكم يرسم معالم مرحلة جديدة تستوجب الحذر والتأني، فتعرجات الثقافة السياسية الأوكرانية أقوى من الدولة الديمقراطية التي يتطلعون إليها.
إن البنية السياسية مهيأة للعب خلف الكواليس وفقاً لتوجيهات “التنظيم الموازي” – بمعنى الدولة الموازية – الذي يتحكم بعناصر “المسألة” الأوكرانية؛ لإيجاد حل إقليمي يتماشى ومصلحة الرؤية العالمية.
ضبابية المشهد المستشرية بين مفاصل المؤسسات الأوكرانية والمجالات الحياتية وما يرافقها من فساد إداري وترهل سياسي وضعف اقتصادي، عناوين تجعل من هذا التنظيم يعزف على وتر اللعب خلف ستار تنفيذ أجندته الشخصانية.
الاضطرابات التي تخيم على الساحة الأوكرانية تتشابه والمشهد العربي بـ “الجزئية والتشاحن”، من خلال مقدرة التنظيم الموازي ركوب موجة الحراك الشعبي وإيجاد تشعبات وتشظيات، وكما حدث عربياً فيما يسمى بالصراع السني الشيعي، فالمخاوف بأن يتحول الصراع بين الشرق الأوكراني وغربه إلى أمد طويل تصعب السيطرة عليه، ليفتح صفحة جديدة عنوانها الانقسام الاجتماعي.
ملامح هذه الصفحة ترتسم ثقافياً، فالتنافر بين الشرق الأوكراني المتجاذب مع السياسة الروسية والغرب الذي يرفض التبعية للاتحاد الروسي، يهيئ تربة خصبة لتنفيذ أجندات الدولة الموازية، التي تجد في إطالة أمد الصراع فرصة لتطوير وتوسيع مصالحها.
يتضح من ذلك، ان التنظيم الموازي يتمسك بخيوط البداية والنهاية، وعلى الرغم من قوة واختلاف منظومة الجمهورية التركية مقارنة بأوكرانيا، ناهيك عن قوة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهل سيحدث في تركيا ما حدث في أوكرانيا؟ وهل ستشهد جزيرة قبرص التركية أوضاعاً مماثلة لما تشهده جزيرة القرم الأوكرانية؟ وهل الحالة المبهمة التي تعيشها تركيا حالياً بدوائرها الجغرافية الثلاث، الأوروبية، والعربية، والآسيوية الوسطى، ستفتح ممرات واسعة لاحداث تغيّرات على الساحة التركية؟
عودة على ذي بدء، نسرد مقولة أخرى من كتاب “فن الحرب”: “تعتمد جميع الحروب على الخدعة، حين تكون قادراً على الهجوم، فلابد أن تتظاهر بعدم القدرة على ذلك، وحين تهم بالتعبئة فلابد أن تبدو غير مكترث، وحين تود الاقتراب لابد أن تشعر الآخرين بأنك بعيد والعكس صحيح”.