‘نيويورك تايمز’ تكشف ملابسات الروايات المتناقضة عن صحة مبارك
22 يونيو, 2012
ملفات خاصة
نشرت صحيفة نيويورك تايمز’ اليوم تقريراً من مراسليها كريم فهيم وديفيد كيركباتريك عن ملابسات الحالة الصحية للرئيس المصري السابق المسجون حسني مبارك وتضارب الروايات حولها واسباب ذلك. وهنا نص التقرير:
‘ازداد الإحساس بوجود مكائد سياسية بعد الارتباك حول الحالة الصحية لحسني مبارك يوم الأربعاء، حين نفى أحد محاميه ما وصفه بالأنباء الكاذبة في وسائل الإعلام الرسمية المصرية التي ذكرت ان الرئيس السابق المسجون قد قارب على الموت، مصراً على أن مبارك قد وقع فقط في حمام السجن. وقد طرحت الرواية الجديدة للمحامي يسري عبد الرازق أسئلة جديدة ليس فقط بشأن حالة مبارك، بل عن الدوافع المحتملة في الحكومة التي يقودها الجيش، والتي تولت السلطة بعد الإطاحة بمبارك من خلال الثورة المصرية العام الماضي.
وحتى يوم الثلاثاء، كان مبارك محتجزا في الجناح الطبي من سجن القاهرة، حيث قضى 17 يوماً من حكمه المؤبد كمتواطيء في قتل الشرطة لمئات المتظاهرين خلال الاحتجاجات التي أدت للإطاحة به. وكان محاموه قد اشتكوا من أن حالته الصحية المتدهورة تعني أنه يجب أن يعفى من العقوبة. وقد بدأت الانباء المتناقضة بشأن صحة مبارك المتدهورة في الظهور يوم الثلاثاء، بما فيها الانباء التي أعلنت انه ‘ميت سريريا’، بينما كان المجلس العسكري يحاول تمديد سيطرته على الحكم في الدولة في مواجهة الاحتجاجات المتنامية في الشارع المطالبة بتنازله عن السلطة لصالح الرئيس المنتخب الجديد وإعادة البرلمان الذي تم حله. وقال مسؤولون مصريون، ووكالة الأنباء ووسائل الإعلام الرسمية إنه نقل من السجن إلى مستشفى بعد جلطة ونوبة قلبية أدت الى غيبوبة، وموت وشيك وأنه يعتمد على وسائل الإنعاش الاصطناعية.
وأنكر عبد الرازق يوم الأربعاء كل ذلك. وقال إن ما حدث فعلاً هو أن مبارك سقط في حمام السجن، ما أدى إلى تجلط الدم في عنقه، وانه أخرج من السجن في الخامسة من بعد الظهر، قبل فترة طويلة من ظهور الأنباء التي تحدثت عن موته الوشيك. وأضاف المحامي: ‘لقد فوجئنا بما يمكن أن نسميه الجنون الإعلامي في مصر الليلة الماضية’.
وقال إن الأطباء أعطوا مبارك الأدوية لإزالة التجلط من عنقه، ثم تم فحصه بتقنية الرنين المغناطيسي وكان في حالة مستقرة. وأضاف ان فريق مبارك القانوني طالب من محكمة أدارية بالإفراج عن مبارك لأسباب صحية. وقال إنهم كان منفتحين على احتمال إرسال مبارك إلى الخارج للرعاية الطبية، كما سافر إلى ألمانيا قبل عامين من أجل عمليات جراحية في الأمعاء. وأردف المحامي: ‘وذلك في حال إن أوصى الأطباء بذلك، بالطبع’. وكان مسؤولون كبار ذكروا قبل ذلك يوم الاربعاء انه اصبح بامكان مبارك ان يتنفس من تلقاء نفسه، وان حالته تكاد تكون مستقرة.
وكانت الامور المتعلقة بصحة الرئيس السابق مصدر تكهنات وشكوك مستمرة منذ ايداعه السجن. والمعروف ان مبارك ظل لسنوات يعاني من سوء صحته، الا ان تدفق الانباء ومشاعر الخشية في الاسابيع الاخيرة دفعت الكثير من المصريين الى الاعتقاد بان الحكام العسكريين، مصممون على اخراج مبارك من السجن، ويستخدمون نشرهذه الانباء لاعداد الشعب لمثل هذه الخطوة.
وتكهن ضباط أمن ذوو رتب متدنية، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم خشية الانتقام منهم، بان انباء الليلة السابقة عن ان مبارك على وشك الموت كانت جزءا من خطة لنقله الى خارج مصر لرعايته. بل ان الكثير من المصريين تساءلوا يوم الاربعاء عما اذا كانت تقارير وكالة الانباء الرسمية عن اقترابه من مرحلة الموت لم تكن الا خدعة مرضية. وذكر ان اجراءات الامن خارج المستشفى الذي قيل ان مبارك بداخله كانت مخففة بالنسبة الى مكان يقيم فيه رئيس دولة سابق. فقد دخل اليه وخرج منه يوم الاربعاء اشخاص من المدنيين بلا قيود، مستخدمين بابا جانبيا للمستشفى. وقال اثنان من الذين خرجوا من المبنى انهم لاحظوا انه لم يطرأ أي تغيير على عمليات المستشفى اوأمنه.
ومع ذلك فقد انتشرت بسرعة مساء الثلاثاء انباء تدهور صحته في ميدان التحرير، الذي انطلقت منه الانتفاضة وحيث كان عشرات الالاف يتظاهرون ضد المجلس العسكري في مصر. وفي الفترة الاخيرة، قام المجلس العسكري بالاستيلاء على سلطات واسعة كان الرئيس السابق يمسك بها طوال ثلاثة عقود من حكمه.
وافرزت الفوضى التي احاطت بالحالة الصحية لمبارك حركة مفاجئة في اطار الازمة السياسية والدستورية المتعاظمة في مصر، رغم ان كلا المرشحين لمنصب الرئاسة خلفا لمبارك، اعلنا ان كلا منهما هو الفائز في الانتخابات التي جرت في نهاية الاسبوع. وكان من المقرر ان تُعلن النتائج يوم الخميس، الا ان لجنة الانتخابات المصرية اعلنت الاربعاء ان من المحتمل الا تتمكن من الاعلان عن الفائز لانها لا تزال تدرس الطعون التي قدمها المرشحان. واستغرب المراقبون اصابة مبارك بفقدان الوعي في اللحظة الحرجة من السباق على مستقبل النظام الذي امسك به لفترة طويلة، وقبل يومين فقط من انتهاء الاقتراع لاختيار من يخلفه.
وقال ضياء رشوان، وهو محلل في مركز الاهرام، وهو مركز ابحاث تموله الدولة، انها ‘مسرحية شيكسبيرية جداً. فهو يعتبر نفسه مخلداً. ولا يمكن ان يكون هناك من يخلفه. وهو لا يريد ان يسمع اسم خلفه’.
وقال محمد جمال، احد المتظاهرين ‘النضال يبدأ الان. اذ لا يمكن ابطال مشروعية الشعب نتيجة جشع العسكريين المسنين’.
وبينما كان جمال يتحدث كان مبارك ينقل بسيارة اسعاف الى احد المستشفيات. وقال مسؤولون ووسائل اعلام حكومية ان صحته تدهورت بسرعة، حتى انه اصيب بنوبة قلبية، وانه احتاج الى صدمات كهربائية قبل ان يصاب بسكتة دماغية.
وكانت المرة الاخيرة التي ظهر فيها مبارك امام العلن قبل 17 يوما عندما صدر الحكم عليه بالسجن المؤبد. ورغم ان القاضي اعلن انه كان مسؤولا عن فترة جرائم ‘حالكة السواد’، وانه كان مسؤولا بصفة عامة عن اعمال القتل، فان الشوارع امتلأت بالمظاهرات بعد صدور هذا الحكم. ويبدو ان القاضي مهد الطريق امام مبارك لاستئناف القرار بالقول ان المدعين لم يبرزوا دليلا يربط بين مبارك واعمال القتل.
واصبح القرار المثير للجدل والانباء السابقة عن احتمال ان يطلق سراح مبارك من المستشفى بسبب حالته الصحية، القضية الرئيسية في العملية الانتخابية لخلافته. كما ان حالته الصحية تدهورت بسرعة بعد الحكم، عندما نقل بمروحية من قاعة المحكمة الى احد اجنحة مستشفى في السجن الرهيب الذي كان سجناء سياسة حكومته يقضون فترات الحكم عليهم.
كما ان موضوع الحديث عن صحة مبارك خلال فترة حكمه كان محظورا، تحت طائلة الحكم بالسجن. وادى تدفق الانباء بعد ايداعه السجن الى تكهن الكثيرين بان العسكر الحاكمين كانوا يجسون نبض الرد الشعبي في حال صدور قرار بنقل الرئيس السابق من السجن الى مستشفى عسكري يحظى فيه براحة نسبية.
وقال محامي مبارك لتلفزيون ‘سي إن إن’ يوم الثلاثاء ان زوجته سوزان مبارك كانت الى جانبه، واعرب عن استيائه من الحكام العسكريين لعدم نقله الى المستشفى في وقت أبكر. واضاف انهم يتحملون المسؤولية ‘اذا هو مات’.
وفي ميدان التحرير، قوبلت الانباء عن حالة مبارك الصحية بشكوك معهودة. وقال حاتم مصطفى (22) ‘انهم يقولون ان مبارك قد مات. وقد تكون تلك هي الحقيقة هذه المرة’. لكنه لم يبدُ مقتنعا بذلك، اذ قال ‘اعتقد أن المجلس العسكري انما يقول هذا حتى نخلي ميدان التحرير. وهم على استعداد لقول اي شيء يخرجنا من الميدان’.