برغم طمأنينة إسرائيل، بأن هدوءاً ما، سيستمر على الحدود مع قطاع غزة، بناءً على إعلانات حركة حماس بأنها ليست معنية باندلاع حرب جديدة معها، تعود بالحديث مرة أخرى حول إمكانيّة إنشاء وتشغيل ميناء بحري على مشارف القطاع، وفي ظل تلقّيها عِدة طلبات (سخيّة)، من سياسيين رفيعين وعسكرييّن إسرائيلييّن بشأن ضرورة بناء الميناء، من أجل تخفيف الضغوطات الاقتصاديّة عن حركة حماس، ومن ناحيةٍ أخرى، باعتباره يُمهّد للانفصال عن القطاع، وسحب المسؤولية الإسرائيلية عنه.
ربما يطيب لفلسطينيي القطاع – على الأقل- الاستماع لمثل هذا الحديث، لكن وقبل المباشرة في تعظيم الأمل بسببه، فإنه يتوجّب الخوض في فحص ما إذا كان صادراً عن مقاصد إسرائيلية حقيقيّة، صالحة للعمل بها والبناء عليها، أم هي قائمة على نوايا وأغراض مضلّلة، هدفها تمرير مرحلة شائكة، لاكتساب أوراق سياسيّة جديدة، وسواء على الصعيدين المحلي والدولي.
الحكومة الإسرائيلية ببساطة، لن تسمح بإنشاء ميناء أو أي طريق بحري حسب تصوراتنا، حتى برغم تلقّيها إعلانات حمساويّة، تفيد بأنها معنية بتواجد منفذ بحري، بغض النظر كونه يُمثّل انتصاراً لها، أو لرغبتها فقط في تقدّم الحالة المعيشية وطرح الأحمال الثقيلة عن كاهلها، وفي ضوء يقينها، بأن الميناء سيكون طريقاً سلساً لمغادرة مُهاجرين فلسطينيين، إضافة إلى عِلمها بأنه سيُعتبر لدى حماس من أهم إنجازاتها، ما يعني بأنها على استعداد – وحتى فترةٍ ما على الأقل- بعدم التفكير في إنشاء حربٍ جديدة، وبضمان إرساء هدنة طويلة الأجل باتجاهها، ويُساعد تلك الحكومة في عدم سماحها بذلك، أن أطرافاً محليّة وإقليميّة تساهم في تعظيم رفضها للفكرة.
ولكنها تجد نفسها مُلزمة في نفس الوقت، باسترضاء أطراف محليّة ودوليّة أخرى، وسواء لتثبيت سياستها الحالية، أو للحدّ من النبرة السائدة – رسمية وحقوقية- المُطالِبة بفك الحصار عن القطاع، والأهم هو، لاستجلاب مكاسب إقليمية، كما في الحالة التركيّة، التي تضع مسألة فك الحصار عن القطاع، كأساس فيما إذا كانت إسرائيل ترغب في عودة العلاقات معها إلى سابق عهدها، ويُمكن إضافة محاولة الحكومة في الاقتراب أكثر من المملكة السعودية، التي تسعى إلى إبعاد حماس قدر الإمكان عن النفوذ الإيراني، وتقريبها أكثر إلى المحور السُنّي.
المعارضة الكبرى تأتي من رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”، ووزير الجيش “موشي يعالون” ووزراء يمينيين أخرين، حيث يرون بأن الميناء سيشكل تهديداً أكبر على إسرائيل، من شبكة الأنفاق المُقامة داخلها، وفي الوقت نفسه، يُمثّل مكافأة لحركة حماس، ودعماً لما تقوم به من أنشطة عدوانية، فهُم وبرغم رويتهم في حكم حماس للقطاع هو أفضل الحلول السيئة، باعتبارها الجهة الوحيدة التي يُمكنها أن تفرض الاستقرار النسبي، إلاّ أن ذلك ليس كافياً، سيما وأنها لم تصل يوماً للحديث عن تسوية سياسيّة.
أيضاً فإن معارضة نيابيّة وأهلية داخليّة لا تقِلّ شموخاً عن المعارضة الرسمية السابقة، لادّعائها بوجود بدائل باتجاه تخفيف الحصار ودرء مخاطره، حيث يمكن لإسرائيل القيام بإجراءات أكثر جرأة، وسواء باتجاه حثّ الجانب المصري بتخفيف قبضته على معبر رفح، أو أن تُبادر بإجراءات مُفيدة، كتلك المُوجّهة إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حتى برغم تظاهرها بعدم الاهتمام بها، وإعلانها بأنها على مقرُبة من اتخاذ خطوات صادمة ستضرّ بإسرائيل، كما تأتي تلك المعارضة، من ناحية أن إسرائيل ستُفقد سوقاً شعبية هامّة، سيما وأن نقل جملة البضائع الرئيسة والكمالية يكون عبر ميناء أسدود الإسرائيلي وهي تصل بسلام إلى معبر كرم أبو سالم.
وإذا وصلنا إلى العلاقة الإسرائيلية بالسلطة الفلسطينية، وبرغم التخوّفات من انهيارها، نجد أنها تحول دون تحقيق إنشاء الميناء، بسبب رفض السلطة القاطع حتى للحديث بصدده، إذا ما كان صادراً عنها، باعتباره فيما لو تفرّدت به حماس، فذلك يعني أنها ترغب في توسيع دائرة الانقسام، وتعمل على تحقيق مسألة عزل القطاع، وإسرائيل – حول هذا الموضوع – تجد نفسها مُلتزمة بعدم تعكير تلك العلاقة.
وعلى نفس الوتيرة فإن الخشية الإسرائيلية، من أن يكون الميناء سبباً في تعكير العلاقة الحميمية والغير مسبوقة مع مصر، باعتبار تنفيذه، يُمثّل تهديداً للأمن القومي المصري، وفي ظل أن حماس حركة غير مُتعاونة، إضافةً إلى الاشتباه، بأن قوّة السلطة المتبقية داخل القطاع ستصبح شبه معدومة، إضافة إلى أن مصر لا تريد مشاهدة أي رغبات تركيّة تتحقق.
حتى في حال تم تنفيذ ذلك الميناء، وسواء بعد سنةً أو سنتين أو أكثر، ورأيناه كحقيقة مُمددة على أمواج البحر، وحتى في حضور إدارة دولية مُحايدة، فإن الخشية واردة، من أن يصبح الحال ما قبله، أيسر مما بعده، وذلك بسبب الإجراءات الرقابية الإسرائيلية الصارمة، وبسبب سهولة إعلان المنطقة المتواجد فيها، كمنطقة عسكرية مُغلقة حال شعور إسرائيل، والتي اعتادت الخوف من جرّ الحبل، بأن الأمور داخله لا تسير على ما يُرام.