مجيد عبد الصاحب*/ الاعتراف بالجامعات ، أو بالأصح الاعتراف بالشهادات التي تمنحها، قضية أكاديمية صرفة تخضع لأسس علمية يكاد يكون هناك تعارف متفق عليه حولها. وهذه القضية لا تخص بلدا دون آخر ، بل هي تشمل الجامعات في كل بقاع العالم من أقصى الغرب الأمريكي حتى الشرق الصيني . والإشارة هنا إلى الجامعات وليس الدول نعني به أن لا دولة كل جامعاتها معترف بها ، ودول كل جامعاتها غير معترف بها. ففي دول عمر جامعاتها قرون عديدة يتفاوت المستوى بين جامعاتها ، فلا يمكن أن يكون مستوى جامعة كيمبرج أو اكسفورد كجامعة كاردف أو الجامعة الأمريكية بلندن التي لا تعترف الكثير من الدول بشهاداتها.
والحال فيما يخص أوكرانيا ، لا يخرج عن هذا الإطار فليس من الحكمة ان نضع شهادات الجامعات فيها بمستوى واحد، وبالتالي ان يعترف بشهادات تلك الجامعات كلها او لا يعترف، كما فعلت دوائر تعادل الشهادات في بعض الدول العربية، فالبعض منها اعتبر ان الجامعات الأوكرانية كلها دون الحد الأدنى المطلوب لتخريج طالب، بينما اعتبرت دائرة تعادل في دولة عربية أخرى ان الشهادات الأوكرانية ولكل الجامعات معترفا بها.
ليس من المعقول ان نعترف بشهادة جامعة خاركوف التي يمتد عمرها لأكثر من قرنين من الزمان (ظهرت قبل أن تظهر الدول العربية الحديثة بأكثر من قرن) ، ونعترف أيضا بشهادة جامعة الشرق الأوسط الأوربية بكييف التي لا يتعدى عمرها بضع سنوات وحجم أبنيتها عبارة شقة صغيرة بثلاثة موظفين!!!. وبهذه الإشارة نريد الوصول إلى حقيقة انه لا يمكن أن يكون الاعتراف عاما ، ولا يمكن ان يكون عدم الاعتراف عاما أيضا.
هناك خلفية تاريخية للاعتراف أو عدم الاعتراف بالجامعات الأوكرانية تعود إلى الحقبة السوفيتية. فقد كانت اغلب الدول العربية وبشكل أدق الدول العربية كلها لا تعترف بشهادات جامعات الاتحاد السوفيتي السابق. ان ذلك يعود أصلا لهيمنة الدول الاستعمارية الغربية على تلك الدول وبخاصة بريطاني وفرنسا. وكان الخريجون الأوائل ، الذين هيمنوا بالتالي على الجامعات العربية والتعليم العالي فيها كانت توجهاتهم غربية.
يضاف إلى ذلك هناك أسباب سياسية تقف خلف موقف عدم الاعتراف بالجامعات السوفيتية، بسبب التوجه الغربي للأنظمة العربية آنذاك ، ولاعتقاد أصحاب القرار فيها بان خريجي تلك الحقبة هم شيوعيون بالضرورة. ولكي لا نجانب الحقيقة ، فان ذلك الاعتقاد كان صحيحا إلى حد كبير، وبخاصة أن اغلب خريجي تلك الجامعات درسوا فيها لحصولهم على زمالات رشحتهم لها الأحزاب الشيوعية العربية. وما نريد التوصل إليه هنا ، إن سبب الاعتراف أو عدم الاعتراف كان سياسيا ، ولا علاقة له بالمستوى العلمي لتلك الجامعات.
ففي العراق مثلا ، لم تكن السلطات العراقية تعترف بشهادات الجامعات السوفيتية حتى عام 1964 ، عندما تحسنت علاقات الحكومة العراقية بالاتحاد السوفيتي فصدر قرار بالاعتراف بتلك الشهادات وان ابعد من عين منهم بالجامعات إلى جامعتي الموصل والبصرة الحديثتين آنذاك. فالاعتراف لم يكن أيضا لأسباب أكاديمية صرفة ولكن لأسباب سياسة محضة.
أما في الوقت الحاضر ، وبعد أن تغير العالم، وأصبح الاتحاد السوفيتي جزءا من التاريخ، فلم يعد الاعتراف بجامعات دول الاتحاد السوفيت السابق ، وأوكرانيا أحدى تلك الدول، خاضعا لأسباب سياسة ، وظهر عامل جديد يضاف إلى هيمنة خريجي الدول الغربية على قرار الاعتراف أو عدمه، وهو الجامعات الخاصة العربية.
أصحاب تلك الجامعات ، وهم مستثمرون يسعون إلى الربح ، مارسوا شتى الضغوط على أصحاب القرار(إن لم يكونوا هم أصحاب القرار) لعدم الاعتراف بالجامعات الأوكرانية بسبب أن الدراسة في أوكرانيا لا تتعدى كلفتها ربع تكلفة دراسة الطالب في جامعة خاصة في بلده. وبسبب ذلك فان دائرة تعادل الشهادات في إحدى الدول العربية تعترف مثلا بجامعة 6 أكتوبر المصرية ولا تعترف بجامعة كييف الوطنية!!
خلاصة القول ، نعم هناك جامعات اوكرانية ذات مستوى علمي منخفض، خاصة الجامعات الخاصة، ولكن هناك ، أيضا، جامعات معروفة دوليا بمستواها الأكاديمي ، ومن الخطأ الاعتراف أو عدم الاعتراف بالجامعات الأوكرانية بشكل مطلق.
بقيت مسالتان تحتاجان لمقالين ، الأولى التدريس باللغة الإنكليزية بالجامعات الأوكرانية!! والثانية المعايير الأكاديمية لتعادل الشهادات. قد يتناول احد الكتاب هذين الموضوعين.
* كاتب أوكراني من اصل عراقي
ملاحظة : المقال منقول من النسخة القديمة لموقع أوكرانيا اليوم