د. غازي قهوجي / منذ أن ظهرت موسوعة «غينيس» التي ترصد وتسجل الأرقام القياسية للإنجازات والظواهر غير المألوفة، تحت فرضية: الأكبر، الأصغر، الأعلى، الأطول، الأقصر، الأسرع… الخ، ونحن نجهد ونسعى الى تحقيق أي إنجاز غير مسبوق، أو أي عمل غرائبي متفرِّد يخوِّلنا الدخول الى عالم هذه الموسوعة العالمية، وذلك بغض النظر عن طبيعة وجدوى، بل وقيمة العمل الذي ننجزه.
من هذا المنطلق استطعنا تصنيع أكبر قرص «فلافل» وقطره عشرة أمتار! وأعددنا أكبر صحن «حمّص»، وأكبر صحن «فول»، وكل صحن منهما بحجم وعمق حوض سباحة أولمبي! وجَهَّزنا أضخم منسف أرز على «حصير» بمساحة ملعب كرة سلَة! وأطول سندويش «جبنة» 125 متراً.
وتطول السلسلة الذهبية هذه لتطاول وتصل الى تشكيل وبناء تلال وهضاب من أكلة «الكبسة» و«الشكشوكة» و«الكسكسي» وما يعادلها من أصناف المأكولات «المضادة» لرشاقة الجسد واعتدال القوام، وهذا ما سمح لنا بالتطاوس – من طاووس – على العالم أجمع بأرقامنا القياسية، حيث أثبتنا بأن الجهاز الهضمي العربي، هو «رباعي الدفع» بامتياز!!!
منذ أسبوع حملَت الأنباء أن أحد المواطنين العرب – من مدينة حماة في سوريا – يسعى الى دخول موسوعة «غينيس» – قسم الغرائب – وهو معلّم في إحدى المدارس الابتدائية، ويُدعى خالد جرجنازي. وينقل لنا موقع «أون لاين»، أن هذا المواطن له 24 إصبعاً سليمة موزّعة على أطرافه الأربعة (اليدين والقدمين)، مما شكَّل له وضعاً مميَزاً، فهو يستخدم 12 إصبعاً على لوحة مفاتيح جهاز الكمبيوتر «كي بورد» بدلاً من عشرة!!!
ويقول السيد خالد إنه مرَّ بأمور صعبة ومحرجة وطريفة، فأثناء تأديته لواجب الجندية الإلزامية لم يتمكن أبداً من انتعال «الجزمة» العسكرية نظراً الى أن قياس حذائه هو «50»!! ولذلك فقد لجأ دائماً الى انتعال «الشاروخ» صيفاً وشتاءً!
ويشير – حفظه الله – الى أن الموقف الذي حدث معه وكان الأشد طرافة، هو حين زفافه، إذ احتارت عروسه في أي إصبع تُلْبِسُه الخاتم!!
ولكن، وبالرغم من إنجازاتنا في عالم «الكبائر» الآنفة الذكر، وامتلاكنا – بالولادة – للغرائب، فقد غاب عن البال العديد من الأمور والقضايا والأفعال التي تؤهّلنا من دون منافسة الى احتلال غالبية صفحات موسوعة «غينيس»، إذ إننا الرقم واحد الذي لا يُضاهى ولا يُقارن وليس له شبيه في تفخيخ وتفجير السيارات والبشر وقتل الأبرياء!!
وأننا الرقم واحد من يفتي ويقتل باسم الدين واسم المذهب والملَّة والطائفة والقبيلة والعشيرة والطريقة والتقليد… الى جانب الجرائم التي تندرج تحت شعار: «لا يسلم الشرفُ الرفيعُ من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدمُ»!!
وأننا الرقم واحد بامتلاكنا لأقل نسبة عدد قرَّاء في العالم «بموجب احصاءات المنظمات الدولية»!!
وأننا الرقم واحد لأكبر نسبة عدد مستمعين للأغاني والبرامج الركيكة والسخيفة الهابطة!!
وأننا الرقم واحد في ارتكاب مخالفات السير وفواجع حوادث المرور مع أعلى نسبة في عدد الضحايا من قتلى وجرحى ومعوَّقين!!
وأننا الوحيدون الذين لم تُطبَّق على أراضيهم القرارات الدولية التي تعيد بعض حقوقنا المغتصبة!!
وأننا الوحيدون بين شعوب الأرض، ومنذ سقوط «الأندلس» نستيقظ صباح كل يوم ونبدأ من «الصفر» في كل شيء، إذ لا تراكمات لدينا، لأي إنجاز يُبنى عليه: تربوياً، سلوكياً، ذوقياً، فنياً، إنسانياً، سياسياً…
فهل يعلم راصدو ومراقبو موسوعة «غينيس» بأننا نستطيع «لوحدنا»، بهذه الصفات المتفرّدة، أن نحتكر جميع صفحات هذه الموسوعة بأرقامنا المذهلة؟
أتمنى، بعد دخول أصابع السيد خالد جرجنازي الـ24 الى الموسوعة العالمية، أن لا نصل في سعينا وجهدنا ونضالنا نحو تحقيق الارقام القياسية في «الكبائرط وفي «الصغائر»… الى مرتبة التباهي بأننا نتفرَّد أيضاً بامتلاكنا: لأطول الآذان ولأصغر العقول!!
سامحونا…