من هو الممثل الشرعي للفلسطينيين؟
21 سبتمبر, 2012
مقالات, ملفات خاصة
عامر راشد / احتجاج رئاسة السلطة الفلسطينية لدى السلطات المصرية على استقبال إسماعيل هنية في مصر، والحفاوة به كرئيس حكومة حالي، ولقائه الرسمي مع رئيس الحكومة المصرية هشام قنديل، رغم إقالة حكومته منذ خمس سنوات واستمرارها كحكومة أمر واقع في قطاع غزة، لا يستقيم فهمه -أي الاحتجاج- دون الحديث عن أزمة النظام السياسي الفلسطيني نفسه، والتناقض الحاد فيه بين الموقع الاعتباري القيادي التمثيلي الشامل لمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية، والانقسام السياسي والكياني بين الضفة الغربية وقطاع غزة كنتيجة للصراع الثنائي على السلطة بين حركة “فتح” وغريمتها حركة “حماس”.
رئيس منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية محمود عباس أرسل رسالة إلى الرئيس المصري محمد مرسي، خلال استقباله سفير مصر لدى السلطة ياسر عثمان، تضمنت احتجاجاً رسمياً، ودعوة لعدم تعامل مصر مع هنية كرئيس للوزراء، خوفاً من أن “تبعث مثل هذه اللقاءات برسائل خاطئة غير مقصودة من مصر لحركة “حماس” في غزة بأن مصر تستقبل “حماس” كسلطة رسمية”.
وبطبيعة الحال لم تشر رسالة عباس إلى منظمة التحرير الفلسطينية من قريب أو بعيد، وكذلك التصريحات الاستنكارية التي أدلى بها مسؤولون في السلطة ومنظمة التحرير. ويخطئ من يظن أن الإشارة سقطت سهواً، فمنظمة التحرير يجري التعامل معها (كلزوم ما لا يلزم) منذ إنشاء السلطة الفلسطينية. وفي هذا السياق، فإن اتفاق “أوسلو1” (إعلان المبادئ أيلول/ سبتمبر 1993) الموقع بين قيادة منظمة التحرير وإسرائيل، الذي ولدت من رحمه السلطة الفلسطينية، كان إيذاناً ببداية فرض وقائع جديدة على الأرض، تطال بنية النظام السياسي الفلسطيني، غايتها تكريس السلطة الفلسطينية بديلاً عن منظمة التحرير الائتلافية. وتمّ هذا عملياً في انتخابات العام 1996 التي جرى فيها انتخاب رئيس السلطة الفلسطينية وأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية والعديد من الدول العربية “إضفاء للشرعية على الأهداف الوطنية الفلسطينية، وتكليف قيادة منتخبة متابعتها”، ليصبح ذلك بمثابة أول إعلان رسمي لتجاوز الدور القيادي والتمثيلي لمنظمة التحرير.
وجرى تمرير خطة إحلال السلطة الفلسطينية مكان منظمة التحرير بخلق تداخل واسع في الهياكل القيادية لكل من السلطة الوليدة والمنظمة، لتبدأ بعدها عملية إزاحة تدريجية لصالح السلطة. فرئيس السلطة هو رئيس منظمة التحرير، ومعظم وزرائها في الوزارات الأولى للسلطة كانوا من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو من أعضاء المجلس المركزي الفلسطيني. وهكذا نجحت التغطية على عملية سحب البساط من تحت منظمة التحرير ومؤسساتها الائتلافية، وخاض الرئيس عباس شخصياً معركة شرسة لتكريس دور مؤسسات السلطة على حساب دور مؤسسات منظمة التحرير شبه المتلاشي، وخاصة حول صلاحيات كل من الدائرة السياسية في منظمة التحرير ووزارة الشؤون الخارجية في السلطة، واستطاع تحصيل مكاسب كبيرة في هذه المعركة، بدعم دولي مسنود بدعم العديد من العواصم العربية الرئيسية والمقررة.
إن النتائج السلبية والخطيرة لإضعاف الدورين القيادي والتمثيلي لمنظمة التحرير وتهميش مؤسساتها وضعت النظام السياسي الفلسطيني في وضع ملتبس، بخروج حركة “فتح” عن برنامج الإجماع الوطني الفلسطيني، المتمثل في برنامج منظمة التحرير، من خلال وقوفها منفردة وراء اتفاقيات أوسلو وتفرّدها بالسلطة، ومهد هذا الطريق أمام حركة “حماس” في انتخابات العام 2006 لتدخل إلى مؤسسات السلطة من أوسع أبوابها، كمنافس لحركة “فتح” من خارج ائتلاف منظمة التحرير وفي شقاق جذري مع برنامجها، الذي ظل منذ 1979 برنامج إجماع وطني، بإقرار البرنامج المرحلي برنامجاً رسمياً للمنظمة في الدورة الرابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني.
وحمل “إعلان القاهرة” الذي وقعت عليه كل الفصائل والقوى الفلسطينية في 17آذار/مارس 2005 بارقة أمل في تصويب خلل تهميش منظمة التحرير، بالتوافق على إعادة بناء منظمة التحرير، كمدخل لاستنهاض الحالة الفلسطينية، لكن رغم أهمية الإعلان، إلا أنه جاء مبهماً ومغرقاً في العمومية، وحمالاً للأوجه، من خلال القراءات المتناقضة لمفهوم إعادة البناء المنشودة، وزاد في خلط الأوراق أن رئاسة منظمة التحرير والسلطة أبقت هذه القرارات معلقة على شجرة التسويف والمماطلة، حتى داهمها الواقع الجديد الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون الثاني/يناير 2006، بتحقيق حركة “حماس” انتصاراً ساحقاً.
من هنا اكتسى الصراع الداخلي الفلسطيني بعد فوز حركة “حماس” وتسلمها رئاسة وزراء السلطة في أول انتخابات تعددية للمجلس التشريعي، ملامح إعادة النظر في الصراع حول علاقة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، فرئاسة منظمة التحرير والسلطة عاجلت ومنذ اللحظة الأولى لزلزال الانتخابات إلى مراجعة شكلية لسياساتها حيال منظمة التحرير، وراح خطابها السياسي يركز على الدور القيادي والتمثيلي والمرجعي للمنظمة، في مواجهة خطاب حركة “حماس” الرافض للإقرار بهذا الدور، وإن تطور هذا خطاب “حماس” في سياق التحديات التي واجهتها بعد تسلمها لرئاسة حكومة السلطة، ليفرق بين منظمة التحرير بما تمثله من كيانية موحدة للفلسطينيين في الوطن والشتات وهذا تقر به “حماس”، وبين دورها التمثيلي الجامع الذي ترفضه “حماس”، تحت حجة أنها غير ممثلة في منظمة التحرير. وفي أكثر من تصريح لقيادي في “حماس” تم التركيز على أن الحركة ترى أن دخولها في أطر المنظمة هدفاً استراتيجياً، وبأن رئاسة منظمة التحرير والسلطة هي من تعطل ذلك. غير أنه من حيث الجوهر تلتقي رؤية “حماس” حول إعادة بناء منظمة التحرير مع رؤية رئاسة السلطة، في الانطلاق من زاوية المصالح الذاتية الضيقة، فقد حاولت رئاسة السلطة أن تستأثر بالصلاحيات التي صودرت من منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة حكومة “حماس”، في حين حاولت “حماس” مقاومة هذا المسعى لإبقاء الجزء الأكبر من الصلاحيات المصادرة بيد رئيس الحكومة ووزرائها، دون أن تقرَّ ولو شكلياً بالمرجعية القيادية والتمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إذ ظلت تتعامل مع منظمة التحرير ككيانية فلسطينية ناقصة.
إن المخرج الوطني من الأزمة الشاملة التي تعصف بالحالة الفلسطينية، والحفاظ على الشرعية الفلسطينية بمؤسساتها القيادية والتمثيلية، ليس عنوانه الصراع على شرعية التمثيل بين رئاسة وحكومة السلطة في رام الله وحكومة “حماس” المقالة في قطاع غزة، إذ أن كلا قطبي الصراع لا يتمتعان بصفة التمثيل الشامل والديمقراطي للشعب الفلسطيني، ومن غير الممكن الخروج من الأزمة إلا بحل وطني يعيد توحيد أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، وهذا لا يحققه التوافق على إقامة حكومة ائتلاف للسلطة والاتفاق على برنامجها، وإجراء انتخابات جديدة للمجلس التشريعي ورئاسة السلطة المنتهية ولايتهما، رغم أنه يندرج في إطار الحل، فحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتحقق إلا بإجماع إرادة مكونات الشعب الفلسطيني كافة في الوطن والشتات، لأن السلطة الفلسطينية تمثل 34% فقط من مجموع الشعب الفلسطيني، في حين أن 66% منهم محرومون من حقهم في التمثيل واختيار قياداتهم، ويُغيب دورهم.
أنباء موسكو