qads أوكرانيا

من بن بلة الى الشيخ رائد صلاح.. دروس للاعتبار

qads أوكرانياعادل الحامدي / رحم الله رئيس الجزائر الاول بعد تحريرها من الاستعمار الفرنسي أحمد بن بلة، فقد رحل الى الديار التي لم يعد من الذاهبين اليها أحد تاركا وراءه غبارا كثيفا، حتى وهو مسجى بعلم البلاد التي دفع زهرة شبابه عربونا لفك اسرها من حكم الاحتلال الفرنسي، ولم تطأ جثته بطن الارض حتى غضب ابن كيران وصحبه من وجود ولد عبد العزيز المراكشي، فقرروا العودة من حيث أتوا دون إتمام تراتيب الجنازة كما هو معمول به في مثل هذه المناسبات الأليمة.
ولقد أثلج صدور الاحرار ليس في الجزائر ولا في دول المغرب وحدها، بل وفي مختلف أنحاء المعمورة، تلك الجنازة المهيبة التي اهتدى اليها حكام الجزائر المعاصرون لعلم من أبناء الجزائر، تليق بمقام ابن بلة وتمسح له دموعا ذرفها يوم كان سجينا في احد زنازين البلاد التي حررها بأمر من الرئيس هواري بومدين، وقضى خمسة عشر عاما متنقلا بين سجونها وقد فشلت كل جهود الأخيار من أصدقاء الجزائر في إقناع بومدين بالإفراج عنه بما في ذلك جهود الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر. وشاءت الأقدار ان لا يرى بن بلة النور الا في عهد الرئيس السابق الشاذلي بن جديد، الذي حضر الجنازة، فعفا عنه ليخرج الى فرنسا منفيا ثم استقر في سويسرا التي عاد منها بعد عفو صدر بحقه، وقد كنت شخصيا واحدا ممن شهدوا تلك العودة في ميناء الجزائر حين كنت متوكئا على عصاي عائدا من المغرب الأقصى وكان معبر ‘زوج ابغال’ بين المغرب والجزائر يومها عامرا ومفتوحا للعبور من والى البلدين.
نسي الجزائريون في السلطة والمعارضة خلافاتهم في جنازة بن بلة، فالموت اجل من كل تلك الخلافات، فلا السلطة وقفت عند رأي بن بلة الذي كان مؤيدا لصناديق الاقتراع يوم ان أفرزت فوزا كاسحا للجبهة الاسلامية للإنقاذ، ولا المعارضة أخذت على بن بلة ركونه للأمر الواقع وقبوله بالتعويضات التي منحها له الرئيس الجزائري الراهن عبد العزيز بوتفليقة وسكنه في حي حيدرا الراقي الى حين وفاته رحمه الله الاسبوع الماضي، لكن الجنازة لم تسلم من الغبار الذي غالبا ما نحن اليه نحن أبناء يعرب في مثل هذه المناسبات، وتعجز عقولنا ان تعلو على الصغائر. 
لقد قبلت الجزائر بمشاركة زعيم جبهة البوليساريو محمد ولد عبد العزيز في مراسيم جنازة الرئيس الراحل في نفس الوقت الذي يشارك فيه وفد مغربي رسمي من المغرب يقوده رئيس الحكومة عبد الاله ابن كيران ويشارك فيه مستشار الملك الطيب الفاسي الفهري، مشاركة دفعت الوفد المغربي للانسحاب، وهي رسالة لعصافير الربيع التونسي الحالمين بان تعم شمسهم ليس المنطقة المغاربية وحدها بل والعربية جميعا، بان الواقع اصدق أنباء من كتب المنظرين واحلام الثائرين، وأن الحرية التي دفع بن بلة حياته ثمنا لها ومات بعد ان رأى إشراقاتها في ربوع الخضراء وأم الدنيا وبلاد المختار كفيلة لا ان تجمع ابن كيران وولد عبد العزيز فقط، وإنما بان تجمع أنصار الحرية جميعا. لم يكن الوفد التونسي الذي كان رفيع المستوى مسؤولا عن استضافة ولد عبد العزيز لكنه سيكون معنيا بنتائجها لجهة إدراكه أن ثورته لن تكتمل ولن يكتب لها النجاح إذا لم يكن المناخ الإقليمي ملائما لنموها، وان الإسلاميين مثلهم في ذلك مثل سابقيهم من الوطنيين والأحرار يحتاجون لحل الخلاف المغربي الجزائري أولا وتصحيح مسارات التحرر لتكون من أجل البناء والتعمير لا من أجل الهدم والتقسيم.
رحم الله بن بلة ليس لأنه سكن التاريخ الذي لن يبرحه الى الأبد كواحد من المقاومين الأشاوس، وإنما لأنه ذكر الثوار في اكثر البلاد العربية من اجل الحرية والكرامة أن مواجهة العدو المستعمر وإن كانت مكلفة الا ان سيفها اقل مضاضة من سيف الأخوة رفاق الدرب والدين والوطن، فقد عجزت الموت ان تجمع المصابين في الجزائر والمغرب، وفرقتهم الأحقاد ليؤبدوا خلافا لا مصلحة لشعبي البلدين فيه لا من قريب ولا من بعيد.
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها من مشاعر الحزن على رحيل قامة تاريخية بحجم بن بلة دون أن يرى زهور الربيع الذي ناضل من اجله ضد المستعمر الرأسمالي والاشتراكي تزهر في الجزائر وما حولها، الانتصار الذي حققه فريق الدفاع البريطاني عن رئيس الحركة الاسلامية داخل الخط الأخضر الشيخ رائد صلاح، فقد أبطلوا قرارا للداخلية البريطانية بطرده من المملكة المتحدة على خلفية خطابه المدافع عن الثوابت الفلسطينية التي تكسرت نصال العالمين دونها، وهو انتصار يكتسب أهميته لجهة الرمزية التي يحملها الشيخ رائد صلاح وهو يدافع عن القدس والاقصى وحق العودة وتحرير الارض من الاحتلال. مثال الإرادة الذي يقدمه صمود أمثال الشيخ رائد صلاح في وجه أعتى احتلال في الارض يثير في النفس مشاعر العزة ويبعث فيها الأمل بان في الارض ما يستحق الحياة، وأن فصول الحلم بالاتي اكثر قوة وإشراقات من ظلمة الحاضر الذي رشحته أنظمة الاستبداد والدكتاتورية ومشاعر الثأر التي لم تفلح جهود المصلحين في انتزاعه من قلوب بعض نخب العرب حتى يوم الناس هذا.

‘ كاتب وإعلامي تونسي مقيم في بريطانيا

المصدر : القدس العربي

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …