من العراق:الشاعرة الدكتورة (اسمهان بدير) السياق التخاطبي وأساليب التعبير قراءة في نص (إغفاءة الحنين)
8 مايو, 2017
ثقافة و فنون, مقالات, منوعات
الشاعرة الدكتورة (اسمهان بدير)
السياق التخاطبي وأساليب التعبير
قراءة في نص (إغفاءة الحنين)
أياد النصيري
يشكل العنوان بنية دلالية تنبئ بما في النص من دلالات قارة تساعدنا في تجلية مساحات كبيرة من بنية القصيدة مثلما تجعلنا نمسك بالدلالة المركزية التي يتكئ عليها النص
ولذا يعد العنوان اول موجه اسلوبي في النص يأتي ليؤدي وظيفته في الاضاءة ، وهذا متأت من كون العنوان يشكل الثريا والعتبة ومركز الاشعاع الذي يتبادل مع المتن تيارات دلالية يفصح احدها عما يختبئ في تشكيلات الآخر
عنوان النص(إغفاءة الحنين)
وكما هو معروف أن الاغفاءة هي النوم الخفيف عندما تاخذنا تلك الاغفاءة مع تأملات الشوق والحنين والأحلام المتراكمة حيث تاتي كلمة الحنين— وهي خروج الصوت من الفم ولها عدة معان — صوت المرأة تفتقد زوجها–صوت المشتاق— صوت الذي في فؤاده نزعة ألم
وقد أدرك الكثير من شعراء الحداثة أهمية الفاتحة الاستهلالية في جذب المتلقي إلى بنية القصيدة وفضائها النصي ذلك أن الفاتحة النصية الموفقة فنياً هي التي تجعل القصيدة شعلة من الأحياء والمباغتة، والتأثير. وبمقدار ما تتلاحم الفاتحة الاستهلالية مع جسد القصيدة تَرْتقي فاعليتها ومؤثراتها الجمالية في جذب المتلقي وتحفيزه جمالياً. وللتدليل ذلك على
النص بمجمله يكون في خانة القصيدة المغناة لما له من مفردات رقيقة هادئة شفافة
(أسمهان بدير) تساهم في تأسيس قصيدة واثبة متكاملة الرؤيا ببناء مُحكَم يدفع بالقصيدة في كتاباتها نحو التقدم الفني والجمالي
حيث (إغفاءة الحنين).وهي واسطة العقد في هذا التراث الشعري ويمثل درجة وعي الشاعرة بقضايا ذاتها الفردية والجماعية كما يمثل مستوى استجابة الشاعرة لنداءات الحاضر العربي ومدى تفاعلها مع مستجدات الواقع المحلي والإقليمي
فحينما يغفو الحنين وهو تعجب روحي كيف للحنين ان يغفو؟ والروح تواقة للأحداث الواقعية-لكن ارادة الشاعرة ((أسمهان )) ان تكون (اغفاءة الحنين ) هي بمثابة استراحة كي تستجمع أشواقها وذكرياتها على مساحة شاسعة وواسعة تنطلق منها للبوح عن هموم وألم وأشواق وأمل جديد— تلك الأغفاءة الخفيفة تتراى حولها المسميات وتلك الذكريات وتهيج الأشواق في الأعماق تتحول الذات إلى بركان هائج تضطرب فيه المشاعر والعواطف والانفعالات.وفي هذه الحالة ينبغي البحث عن منفذ أوقناة يتم من خلالها تصريف تلك الانفعالات العاصفة بالذات
ونجد من العوامل السياسية والثقافية والاجتماعية قد عملت عملها في المبدعة وأثرت في ممارستها الشعرية وطبعتها بطبعها الخاص
يتألق الشعر كلما تأتى له ظهور موهبة شعرية تضفي على جميل القول بهاء ورونقا وبالتأكيد لا يشعر المتلقي بذلك إلا حين يتلقى نصوصا محتفية باختلافها فينبهر بجمالها وحينما يتساءل عن سر هذا الجمال لا يظفر بشيئ لأن سر الشعر يأبى أن يمنحه نفسه بسهولة ويسر إنه يمتنع بكبرياء فلا يمكن لقارئ حينئذ سوى التعبير بإعجابه بما يتلقاه من نصوص دون أن يقوى على تحديد مكامن الجمال فيها , وهنا تحديدا يأتي دور النقد ليجلو لنا الغامض والمستغلق
فيكشف لنا بالتالي سر إعجابنا بنصوص دون غيره
تعتمد (الشاعرة أسمهان بدير) في نصها (إغفاءة الحنين) على المفردة الجديدة الجميلة العميقة التي تنتمي الى وحدة الموضوع في البنية النصية وقد استطاعت توظيفها لتساعد وتساهم في توضيح الثيمة منذ نشأتها في متن النص وتستمر في تركيبها نحو النمو والتصاعد خطوة بخطوة , وهي متماسكة مترابطة مع بعضها , دون أي خلل في حركة القصيدة , وذات رؤية حسية شعرية خصبة , كما أنها إنتقتها لتكون ضمن النسيج الصحيح لصناعة نصها الشعري وهي تكشف لنا اكثر من معنى وأكثر من بعد دلالي كونها جاءت منسجمة في انزياحاتها واستعاراتها لتعكس لنا هذه الرؤية وفق ما يقتضيه الموضوع , وما تشير اليه الثيمة وتدخل ضمن ثناياها حالة قد تميزها عن غيرها , بكونها تحيلنا الى حالة من التأهب والاستعداد الهاديء للخوض في غمار هذا العالم الشعري المعتق بروح الارث الكبير للحركة الشعرية
تكمن خصوصية الإبداع في أسلوب تعامل الشاعرة مع الأشياء، واستعدادها الفطري لتحريكها جمالياً بما تملكه من حس جمالي، أو خبرة جمالية في توليف الأشياء والربط فيما بينها، وهذا دليل على أن الشعر ينزع- بفعل طبيعته وكيفيته ووظيفته – إلى منطقة تشكيل خاصة، تظهره نشاطاً إبداعياً خلاقاً يتعالى على ما يجاوره من فنون إبداعية، ويغذيها بإشعاعات تشكيله، وفرادة حساسيته، وهو ما أدخل القصيدة في قدر شعري نأت بها عن مهرجانيتها الإيقاعية والدلالية وأدخلتها في معترك جديد أعادت فيه أسلوبيات تشكيلها ونشاطها، وفاعليتها الشعرية
وقد مرت ومزجت وسميت الاسماء بمسمياتها مرورا بالتراث والحضارة والماضي والحاضر- وحنينها لأمجاد صلاح الدين
جاء صلاح الدين لملمه شمل الأمة الاسلامية التي جعلها حائط صد ضد قوات الاحتلال الصليبية من الخارج والدعامة القوية التي يستند عليها الحاكم من الداخل في تمرير ما يصبو اليه -إن تلاحم الشعب مع صلاح الدين هو من جعل منه البطل الذي اذا ذكر القدس لابد أن تتذكر صلاح الدين معها، هي اذن توحيد من الخارج والداخل والحفاظ عليها بنفس الدرجة والحرص عليها الهدف
مرورا بجبل المقطم في شرق القاهرة بمصر وتاخذنا (اسمهان في غنائيتها العذبة نحو سر الحياة وهو الماء
.اذا كان الماء اساس الحياة فان الشاعرة تجعل من ماء الوطن (ماء الفرات ونهر النيل )دلالة بارزة على ثقة الذات
ثمّ تفتح الشاعرة في غنائيّة المتمني هذه بوابةأمل وهي مؤمنة إلى أمل لا ينضب منهله في صحوة ضمير وطني واستيقاظ نخوة تدفع لروح مهرا لحمى الوطن وعزّته
رغم بذخ المعاجم التي امتطت الشاعرة (اسمهان) صهوتها لبناء غنائية هذا المتنمى الحلم الذي يسكننا جميعا إلا أنها ما اكتفت بها لهذا الحد لإدراك غايتها المنشودة بل توجهت إلى الإيقاع معاضدا قويّا لها في التّأثير صوتا إيقاعيا
يتألق الشعر كلما تأتى له ظهور موهبة شعرية , تضفي على جميل القول بهاء ورونقا , وبالتأكيد لا يشعر المتلقي بذلك إلا حين يتلقى نصوصا محتفية باختلافها فينبهر بجمالها , وحينما يتساءل عن سر هذا الجمال , لا يظفر بشيئ لأن سر الشعر يأبى أن يمنحه نفسه بسهولة ويسر , إنه يمتنع بكبرياء , فلا يمكن لقارئ حينئذ سوى التعبير بإعجابه بما يتلقاه من نصوص دون أن يقوى على تحديد مكامن الجمال فيها وهنا تحديدا يأتي دور النقد ليجلو لنا الغامض والمستغلق فيكشف لنا بالتالي سر إعجابنا بنصوص دون غيرها
فالنص الشعري عند ( الشاعرة الدكتورة أسمهان بدير) يتميز باحتضانه لإشارات عديدة تنفتح على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي.وهي إشارات معبرة ورامزة إلى خصوصية التجربة الشعرية عند هذه الشاعرة كما تعكس شخصيتها وتدل على تجربتها الحياتية. ولهذا نرى النص والمقطوعات الشعرية تتمظهر بشكلين مختلفين حيث شكل فضاء واسع :فهي وثائق فنية ومستودعات لحمولة فنية وجمالية ورؤية شعرية خاصة من ناحية، وهي من ناحية ثانية وثائق فكرية ونصوص تسجيلية توثق للأحداث وترسم الوقائع وتؤرخ المناسبات في قالب شعري بديع.وهكذا يتأثر الحدث الشعري بحسب الوظيفية التي يفرضها السياق التخاطبي. فتارة يكون الشكل الفني ولغة الشعر وأساليب التعبير أداة خادمة للمضمون ووسيلة وظيفية لإبلاغ الخطاب وتحقيق الدلالة.وتارة أخرى يتغلب المنطق الجمالي،فيتحول أسلوب التعبير وفنية الكتابة إلى غاية يقصدها الشاعر ويسعى إليها
النص جميل انسيابي يطغى التعبير العاطفي فيه على التصوير الفني وتكمن شعريته في بساطته وتنوع عناصره والتكرار الفني فيه والجملة الأخيرةالتي استطاعت الشاعرة(أسمهان بدير) من خلالها استحضار حرارة الموقف ، وبعده الإنساني بل إن الشاعرة جعلتنا من خلال ذلك نتقمص الحالة التي جسدتها ونأخذ موقعها . لاأدري لماذا شدني هذا النص فهو يدخل ضمن السهل الممتنع ويعبرعن الصدق والسلاسة والتدفق العاطفي
(إغفاءة الحنين)
ويكبر في عينيك النيل
يحفر اثلامًا في القلب
السجين
يحتاج القلب عصفورة في اغفاءةالحنين
هلم الي ، الليل هاديء كالفجر
أهو الفرات ام القدر ؟
من حظنا
من حظنا في مقلة النبل
في مقلة القمر
فوق الذرا ، فوق المقطم
كيف التقينا ؟
كيف انطلقنا ؟
ورمى المقطم مقلة نشوى إلينا ؟
زرع الحنين جراحه في
معصمينا
وغدت أمجاد خوفو مركبًا في مقلتينا
ماذا سمعنا ؟
حتى انت انتشينا
حتى ابتعدنا
أنداء مجد من صلاح الدين يرجعنا إلينا ؟
ام صرخة التاريخ في لبنان توقظ ما نسينا ؟
ام عطر يرسل يرسل الطير الابابيلا ؟
ما سمعنا ؟
حتى انتشينا ؟
حتى ابتعدنا ؟
أهو الفرات ام القدر
ذاك الذي أحيا الرميم
أحيا الجوى
في قلبنا السجين
ما اعذب الجنون
يغدو سلاح في عيون العاشقين
شعر اسمهان بدير—