جودت هوشيار / المفارقة الرئيسية في الحرب ضد داعش هي ان الدول التي ساعدت هذا التنظيم الأرهابي في الماضي ، الى هذا الحد أو ذاك ، باتت اليوم تشعر بمدى الخطر الذي
يشكله على أمنها وأستقرارها . وهذا ما أشار اليه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن .
لم يكن تصريح بايدن زلة لسان ، ولم يكن الرجل متسرّعا ولا مشوش الذهن لا يدري ما يقول ، بل كان في غاية الوعي ويقظة الضمير، ويعني ما يقول كسياسي محنك ورجل دولة يمتلك من الأدلة الدامغة والشجاعة الأدبية ما يكفي لكي يعلن في محاضرة له امام جمهور من العلماء والباحثين ، ما كان الى وقت قريب اسرارأ تحتفظ بها الأجهزة الخاصة للدول الراعية لداعش اواستنتاجات لخبراء السياسة الدولية أو المحللين السياسيين .
أما اعتذار بايدن اللاحق لكل من تركيا و الخليج ، فلم يكن سوى مجاملة دبلوماسية لدول يشارك معظمها اليوم في التحالف الدولي ضد داعش .
بعض هذه الدول ساعدت داعش بالسلاح والمال العام اوغض الطرف عن التبرعات المالية من قبل الساسة ورجال الأعمال المحليين ، الذين يشاطرون التنظيم رؤيته السلفية المتطرفة ، والبعض الآخر عن طريق فتح الحدود أمام تدفق الجهاديين من شتى بقاع الأرض للأنضمام الى التنظيم الأرهابي ، .
بعد احداث الموصل وتكريت ، أدركت هذه الدول ، مدى خطورة الوحش ، الذي لا يتورع عن مهاجمة من كان وراء ظهوره ومده بأسباب البقاء والنمو والتمدد .
الولايات المتحدة الأميركية تدفع اليوم ثمن أخطائها في العراق ومنها سحب قواتها من العراق قبل استقرار الأوضاع الأمنية فيه واستكمال تدريب الجيش العراقي ، تلك التي كانت حصاد سياسات المحافظين الجدد وأوهامهم في تحويل الشرق الأوسط الكبير الى واحة للديمقراطية .
دولة الخرافة الداعشية وريثة الفصاءل المسلحة التي حاربت القوات الأميركية في العراق وناصبت العداء للحكومات العراقية المتعاقبة التي تشكلت بمباركة الدولتين المتنافستين على الساحة العراقية ( الولايات المتحدة وايران ) . واليوم يجد الرئيس اوباما نفسه مضطراً لمعالجة أخطاء سلفه في البيت الأبيض جورج بوش الأبن .رغم انه ( أوباما ) أنتخب في عام 2008 بفضل برنامجه الأنتخابي الذي ركز على وضع حد للحرب في العراق وأفغانستان .
و يعتقد بعض المراقبين في الغرب ، ان اوباما يدفع اليوم أيضاً ، ثمن تردده في ضرب النظام البعثي السوري في العام الماضي بعد ان ثبت استخدامه للأسلحة الكيمياوية ضد السكان المدنيين ، في أنتهاك صريح وخطير للخط الأحمر الذي حدده أوباما بنفسه قبل ذلك بأسابيع معدودة .
. تخلت ادارة اوباما عن فكرة توجيه ضربات جوية الى النظام الأسدي رغم توصيات عدد من القادة العسكريين في البينتاغون ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون وأعضاء بارزين في الكونغرس الأميركي ، واستعداد فرنسا المشاركة في الحملة .
لم يكن أوباما راغبا في الأنجرار الى مستنقع الشرق الأوسط مجددا . ووافق على الأقتراح الروسي المريب بعدم ضرب النظام الأسدي ، لقاء اتلاف ترسانة الأسلحة الكيمياوية السورية ، وفي الوقت نفسه خضع الرئيس الأميركي لضغوط رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ، الذي كان يعارض استخدام الضربات الجوية ضد النظام السوري تنفيذا لقرار اتخذه مجلس العموم البريطاني .
لم يكن ثمة ضمان بأن الضربات الجوية لمواقع الجبش السوري النظامي كانت ستسمح بتحسين وضع قوى المعارضة المعتدلة وخاصة الجيش السوري الحر وتمنع هيمنة الجهاديين على الثورة السورية . ومما زاد الطين بلةً تردد الغرب طويلاً في تسليح الجيش السوري الحر ، الذي وقع بين ناري النظام وارهابيي النصرة وداعش .
يقول المثل الروسي ” أن تفعل الشيء متأخراً خير من أن لا تفعله أبداً ” وكما يبدو فأن الأدارة الأميركية قد استخلصت بعض الدروس والعبر من أخطاءها السابقة وشرعت بتوجيه ضربات جوية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا لمنع تمدده ، سرعان ما انضمت اليها العديد من دول العالم بينها بعض الدول العربية التي تشارك للمرة الأولى في تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة . منذ تحرير الكويت في عام 1991. صحيح أن الضربات الجوية وحدها من دون وجود قوات قتالية على الأرض غير كافية لحسم الحرب ضد داعش ، ولكن ذلك لا يقلل بأي حال من الأحوال من أهمية الضربات الجوية الدقيقة الفعالة ، رغم أن الحاجة ما زالت ماسة الى قوات برية في ساحة المعركة ، تستثمر الغطاء الجوى لسحق العدو والتقدم الى أمام وتطهير المناطق المحررة ومسك الأرض .