محمد جودة / منذ سيطرة حركة حماس علي قطاع غزة في العام 2007 ، دخل القطاع في جملة من الأزمات و جُلبت له الويلات والمآسي بلا حدود من حروب ودمار وحصار وانقطاع دائم للكهرباء وانهيار الاقتصاد وطوابير من البطالة وانتشار الجريمة و شلل لكافة مرافق الحياة ، وتحول قطاع غزة لأكبر سجن بشري في العالم ، وهذا بسبب معبر رفح المغلق والذي يربط قطاع غزة بجمهورية مصر العربية ، لاسيما وأن هذا المعبر يعتبرالمتنفس والرئة الوحيدة لهم، وإغلاقه المستمر كان علي الدوام يشكل معضلة رئيسية وخطر حقيقي يهدد مصالح السكان هناك، لكن هذا راجع للعقلية التي تفكر بها حركة حماس ومن يُملي عليها قراراتها في إدارة هذا المعبر وإبقائه تحت سيطرتها.
لقد شكل تشدد حركة حماس في موقفها تجاه معبر رفح وعدم قبولها بإخلائه من عناصرها لتتولي السلطة وحرس الرئاسة الإشراف عليه تحدي سافر لكل الدعوات الفلسطينية الرسمية والشعبية المطالبة بأن ترفع حماس يدها عن هذا المعبر، ليتم فتحه بشكل طبيعي أمام سكان القطاع وتعود حرية الحركة والتنقل للافراد والبضائع من خلاله ، وبالتالي ضخ الأوكسجين في هذه الرئة الجغرافية علي الخارطة، لإنعاش سكانها وجعل لهم متنفس للعالم الخارجي بدلاً من حالة الضغط والغليان والإحتقان الذي يعيشونه ، والذي حتماً لو إنفجر أول ما سينفجر سيكون في وجه الحركة المسيطرة عليه .
ولاشك أن حركة حماس التي ترتبط إرتباط وثيق بجماعة الإخوان المسلمين والتي صنفت بجماعة إرهابية محظورة ولفظتها الشعوب العربية بغير رجعة بعدما تيقظت لمخططاتها ومنهجها الظلامي والتآمري في تقسيم الوطن العربي وتفتيته بتواطؤ ودعم أمريكي ، لازالت تراهن أن ما يشهده العالم العربي من أحداث ساخنة في أكثر من دولة عربية بما فيها مصر وما يحدث علي أرض سيناء من اعتداءات للجماعات الارهابية علي الجيش المصري ،ربما سيُعيد الواقع لما كان عليه سابقاً أبان حكم المخلوع محمد مرسي وجماعته وبالتالي سيتغير الحال في المنطقة وسيؤثر ذلك بالايجاب علي حركة حماس وينعش حكمها في القطاع ، وهذا بطبيعة الحال رهان خاسر و مجرد وهم لن يتحقق أو يتكرر، ومن يفكر سياسياً لهذه الحركة عليه ان يعيد قراءة الواقع مرة أخري ، وأن يدرك أن طريقة العناد التي تدير بها هذه الحركة سياستها لاسيما فيما يخص معبر رفح لن يجلب لها إلا مزيداً من الرفض والتصلب في الموقف المقابل علي الجهة الأخري ، ولن يتم التعاطي معها كحركة بأي شكل من الأشكال كجهة شرعية بعيداً عن الشرعية الفلسطينية المتمثلة في السلطة الفلسطينية .
لذلك لا أدري لماذا كل هذا الأصرار والتعنت من جانب حركة حماس لإبقاء سيطرتها علي معبر رفح ؟؟ ولا أدري ماذا سيضير بحركة حماس لو أخلت جميع موظفيها من المعبر ويستلمه من يستلمه من أجل حياة ومصالح سكان القطاع ؟؟ أليس فتح معبر رفح في حال رفعت حركة حماس يدها عنه وهي التي تحكم غزة فعلياً يجعل من ذلك منطلقاً لإنعاش وجودها وحكمها ويسهم في رفع العزلة عنها ؟؟ أليس إحياء حرية الناس في قطاع غزة والتنفيس عنها يخفف من حالة الضغط والاحتقان واللعنة من قبلهم علي هذه الحركة بسبب الإمعان في إضطهاد حقوقهم وكبت حريتهم وكرامتهم الانسانية وتضييق الخناق عليهم؟؟هل الحل عند حركة حماس هو الإستهتار و التضحية بمستقبل ومصالح الناس في غزة من أجل إبقاء ثلة من موظفيها في المعبر ؟؟ هل تدرك حركة حماس ومن يفكر لها أن كل قطاعات وفئات سكان غزة باتت مدمرة ويائسة وفاقدة لمستقبلها وحياتها جراء سياستكم وهواجسكم التي تسيء لوطنيتكم وإنتمائكم لشعبكم وأن وجودكم مرتبط ببقائكم علي هذا المعبر؟؟
أعتقد أنه من الضروري بل من الواجب الوطني على حركة “حماس” أن تتخذ قراراً بخصوص المعبر، عليها أن تضحي من أجل شعبها إذا أرادت أن تبقي وتستمر كجزء أصيل منه، عليها أن تعيد نسيم الحياة لغزة بدل رائحة القهر والإحباط والاكتئاب و الموت التي تشع فيها ، عليها أن تكون رافعة لشعبها وقضاياه لا هادمة له ومذلة ، عليها أن تكون الحامية للنسيج الوطني لا الممزقة له ، عليها واجبات تجاه شعبها كما لها حقوق ، عليها أن تجد الحلول للناس وهي من تتحكم بمصائرهم لا أن تُحمل المشاكل التي سببتها لهم لأطراف أخري ، عليها أن توفر مقومات الحياة الانسانية لشعبها وتحقق مطالبه بالعيش الكريم والحرية بدلاً من ابتزازه وفرض الاتاوات والضرائب وتحصيل الجباية منه ، علي حماس أن تفكر بقضايا وطنية كبيرة كحركة مقاومة كما تقول لا أن تفكر بمعبر من يكون عليه ومن لا يكون ، علي حماس أن تفسر بوضوح وتكشف لما هذا الجمود والاصرار علي إبقاء معبر رفح بهذا الشكل حيث لم يعد مقبولا وطنياً أو شعبياً ذلك ،علي حماس أن تختار بين الأنحياز لمصالح شعبها أومصالح جماعتها، علي حركة حماس التي
تدعي أنها سلمت حكمها وحكومتها في غزة أن ترحل بموظفيها عن معبر رفح مرة وللآبد.