د.خالد ممدوح ألعزي / صدر كتاب جديد للباحث اللبناني علي ناصر ناصر “مضيق هرمز والصراع الامريكي الإيراني ” عن دار الفارابي بيروت 2013 بحجم الوسط 213 صفحة دراسة علمية في كتاب جديد ، دراسة جيو بولتيكية” جغرافيا سياسية ” لموقع واهمية مضيق هرمز المائي الذي شكل عبر التاريخ موقعا جغرافيا وممرا مائيا هاما لربط التجارة العالمية ببعضها البعض ،قدمها الباحث في كتابه مقسماً الدراسة الى قسمين :
الفصل الأول:أهمية مضيق هرمز في الاقتصاد الدولي وأثره على المصالح الإيرانية والأمريكية”15-104″ .
الفصل الثاني : أهمية مضيق هرمز في السياسيات الدولية وأثره على الأمن الإيراني والأمريكي”105-193″ .
كل قسم من القسمين مفرع للعديد من المحاور حيث يحاول الباحث اظهار اهمية الموقع مع صعود نجم النفط وتصديره الى دول العالم حديثا من خلال الربط التاريخي للموقع بالاقتصاد والجغرافيا .
لكن الاهمية الكبرى للموقع تكمن في استخراج النفط وارساله الى الخارج حسب الدراسة التي يعرضها الباحث في الصفحة 26.
مما يجعل دول الخليج العربي وايران في عين المرصد حسب وجهة نظر الباحث في صفحة11 ،بسبب تصديرهما للنفط وامتلاكهما لاحتياطات كبيرة من النفط.مما يجعل الولايات المتحدة تهتم بهذه المنطقة الحيوية في صفحة 164.
لكننا نرى عملية الصراع مع إيران التي يحاول إبرازها الباحث في عمله ليس هدفها إيران وإنما بسبب انتشار دول الخليج العربي على ضفتي المضيق والتي تمتلك هذه الدول لكميات كبيرة من مخزون النفط والغاز العالمي 67صفحة ، وبالتالي هي التي تشكل محط انظار العالم .لكن ايران تحاول استخدام المضيق لمصالحها الخاصة من خلال تهديدها المستمر يوميا بإقفال المضيق وتعطيل حركة التجارة والنقل و حركة الملاحة البحرية العالمية حيثما تشاء اذا تعرضت مصالحها للخطر من الجانب الامريكي لكن هذه المسرحية هي بالأصل موجهه ضد دول الخليج العربي .
هذا المشهد الذي تبعنا ه طوال العام الماضي سيطر على حركة الإعلام والتي انتهت بمناورات عسكرية ايرانية تم امريكية في المضيق .
يحاول الباحث ان يعرض في كتابه قدرات إيران العسكرية في صفحة138-148 تحت عناوين مختلفة :” لقدرات إيران العسكرية وجهوزيتها الكاملة وللحرب هذه القوة تمكنها من السيطرة على الخليج من خلال ثلاثة سيناريوهات قدمها الكاتب في بحثه تحت عنوان : ” إغلاق المضيق والخيارات البديلة ” في صفحة 83-.87
وتحت عنوان آخر ” إيران وإشكال الإغلاق “في صفحة 88-90 ،يعرض الباحث القدرات العسكرية المزودة بالإحصائيات والارقام للجمهورية الاسلامية دون التوازي في العرض للقدرات الامريكية والحلفاء الغربين والدول المتضررة من إقفال الخليج بمجرد الاكتفاء بذكر انتشار القواعد الأمريكية في الدول الخليجية يعطي صورة واضحة لتوجه الكاتب الغير مباشرة تحت عنوان :”الموقف الأمريكي من إغلاق إيران للمضيق وانعكاساته على العالم والخليج “،صفحة 91-94. يحاول أن يعرض الكاتب قدرات أمريكا المنتشرة في العالم من خلال قواعدها الدائمة دون الدخول في تفاصيل وشرح مفصل للقدرات العسكرية الاميركية والجهوزية بحال وقوع الحرب ، تحت عنوان التسهيلات التي تتمتع بها امريكا من صفحة 119-.126
ايران تهدد دائما بإقفال الخليج وتعطيل الاقتصاد الغربي بحال حصول ضغط او مواجهات مع امريكا ،يغيب الباحث في عمله مواقف الدول الغربية ،بما فيها روسيا والصين حلفاء الجمهورية الاسلامية ،فهل يسمح لها العالم كله بممارسة هذه المغامرة ويقف مكتوف الايدي امام المغامرة الايرانية ،
ان عملية اقفال المضيق لن تكون بالسهولة التي تستعرضها إيران لأنها تقع ضمن اتفاقات دولية يظهرها الكاتب في صفحة 50،56، 63.
وبالتالي عدم السماح الدولي لأي دولة كانت بالأضرار بالمصالح العالمية التي تشكل خطا احمرا لأنها تعتبر قضية امن عالمي . بالتالي العالم كله سوف يقف بوجه ايران ويتفق على عدم السماح لها بان تهدد المصالح الاقتصادية العالمية .
فكان على الباحث ان يتوقف امام المغامرة العراقية في الكويت ،لم يتحدث عن كتاب محمد حسنين هيكل “حرب الخليج الأولى” الصادر عام 1992عن دار الاهرام للنشر والترجمة بمصر .
الذي يشرح فيه الإعلامي هيكل سر وقوف العالم كله بوجه مغامرة الراحل صدام حسين ،والسر يكمن في عدم جمع نفطين بعضهما لبعض .
الباحث يتوقف اما مواقف الاتحاد السوفياتي السابق ،في صفحة168 لكنه يغيب دور روسيا الداعم والحامي لإيران في مجلس الأمن والمساعد لها في الاعمال العسكرية والتقنية واللوجستية والذي قام ببناء مفاعل بوشهر النووي الذي لا يزال مكانا للجدل على المستوى العالمي ، سؤال يبقى غامضا فهل تسمح لها روسيا بتعطيل الملاحة العالمية…
يحاول الباحث اظهار قدرات ايران العسكرية واعتمادها على التقنية العسكرية الكورية الشمالية في صفحة 139، والتي يعرضها الكاتب في إطار الإستراتيجية الإيرانية “البشرية والاقتصادية والمعنوية والعسكرية من 129-148 ، فالسلاح التي تعرضه إيران في استعراضاتها العسكرية والتي تصرح عن صناعته بأسماء خاصة بها يبقى أصلا موضع جدل وشك …
إيران قوة محورية وتملك قدرات بشرية وطبيعية وتاريخ لا يمكن إنكاره ولكن التضخيم بهذه القدرات لا يخدم إيران نفسها . ولذلك نرى أهمية الجغرافيا السياسية لإيران وارتباطها مع دول الخليج العربي ،فالجغرافيا السياسية القائمة على الترابط الجغرافي والاقتصادي والتاريخي والديني مع هذه المنطقة لا يعني أطلاق العنان لإيران في المنطقة والتي تفرض على أمريكا والعالم الاهتمام بأمن المنطقة صفحة 172-180 والذي يشكل ضمان للأمن العالمي والحفاظ على تسير الاقتصاد العالمي المرتبط بالعالم .
بالرغم من ان ايران تملك سلاحا روسيا مميزا يغيب عن الباحث عرضه. يبقى السلاح المتطور غائبا عن الترسان العسكرية الايرانية ،ففي العام 2010 وقع الطلاق بين موسكو وطهران وحرق الاعلام الروسية في الشوارع الايرانية نتيجة عدم تسليم موسكو لها دفعة صواريخ 1س 300 التي دفع ثمنها سلفا ،اضافة الى ضعف كبير في تجديد سلاح الطيران الايراني والبحرية التي لاتزال منذ عهد الشاه.
يحاول الكاتب التوقف عند الصراع بين أمريكا وإيران بعد الثور الإسلامية في صفحة 72 ،لكنه يبتعد عن ذكر إيران الذي حاربت دولة العراق عام 1980 وتسلمت سلاح من امريكا نفسها عبر صفقة “ايران غيث” وسلاح متطور من ليبيا القذافي وسوريا الاسد لكنها خسرت الحرب ضد بغداد ولم تستطع اقفال خليج هرمز بالرغم من محاولتها في معارك حرب الناقلات التي يقف الباحث أمامها في صفحة 85 تحت عنوان ” المقصود من إغلاق المضيق ” وكذلك النتائج الاقتصادية لحرب الناقلات في صفحة 161-163 . فكانت النتيجة الموافقة على انهاء الحرب وتجرع كاس الهزيمة الذي خرج منها العراق منتصرا.
فإيران التي تهدد بإقفال خليج هرمز منذ معارك العراق ايران لم تخض حربا وتسجل انتصارا فيه لعرض قدراتها العسكرية التي تجبرنا على الاقتناع بان ايران يمكنها المواجهة واقفال المضيق عسكريا كقوة عالمية تحدي قوة امريكا.
ايران تهد بإقفال الخليج وتعطيل اقتصاد العالم ومنع اخراج النفط من الخليج العربي هذا يخضع لاتفاقات دولية تحددها اتفاق المعابر.
لكن التهديد يأتي بالدرجة الاولى سياسيا لأنها تهدد امريكا بضرب مصالحها في الخليج العربي وضرب دول الخليج العربي فأنها تخوض صراعا على النفوذ في المنطقة من خلال اعتراض العالم كله على برنامجها النووي الذي يطالبها العالم يوميا بالتخلي عنه. المفاوضات على برنامجها العسكري من خلال الدول الخمس بالإضافة لروسيا. فالكاتب يرى بان التوتر الفعلي يتصاعد من منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز على خلفية مطالبات الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف برنامج إيران النووي مما يدفع إلى السؤال بنظر الكاتب عن الأمن في تلك المنطقة ؟
الصراع الايراني مع امريكا هو صراع على الاعتراف بالنفوذ الجيو-سياسي لإيران على منطقة الخليج العربي وتحديدا على زعامة العالم العربي التي تغيبت عنها الزعامة طوال الفترة التي تمت بها كتابة الدراسة .
ايران التي تخوض حربا على مضيق هرمز فأنها تخوض حربا في اليمن من اجل السيطرة على مضيق باب المندب من خلال دعمها للحراك الجنوبي في عدن والحوثيين،و في الكويت والبحرين وفي لبنان ودعمها لقطاع غزة عن طريق حلفائها في حركة حماس والجهاد الاسلامي وتحالفها المميت مع النظام في سورية للبقاء على منافذ الساحل السوري،وسيطرتها على جزر الإمارات العربية الثلاث.
إذا النفوذ الإيراني يكمن في التحكم على المنافذ البحرية العربية لطرح استراتيجية جديدة قائمة على قوة ايران العسكرية من خلال سيطرتها من المنافذ البحرية وهنا يمكن العودة الى الاستراتيجية الالمانية القديمة القائمة على وجود قوة عسكرية ثابتة وقوة مائية متحركة ،فالقوة المائية اقوى عسكرياً نتيجة قدرتها على التحرك والذي يمكنه السيطرة على البحر يكون الاقدر على التحرك والاقوى عسكريا .من هنا نلاحظ القدرات العسكرية الأميركة المتحركة وقدرتها على الابحار لكونها مسيطرة على البحار والذي يستعرض الكاتب في عمله فقرة تحت عنوان :”المنافذ المائية للدول العربية” في صفحة 22-24، مستخدما دراسة للباحث ” خليل إسماعيل الحديثي “نحو موقف عربي موحد من مضيق هرمز “،على ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ،،مجلة المستقبل العربي السنة التاسعة العدد 89 بيروت ص 63 ” والتي تعبر عن نفسها دون شرح .
لكن ما يلفت انتباه القارئ سريعا إثناء قراءة البحث :
1-قدم المراجع العربية والانكليزية العلمية التي تعتبر نقاط الانطلاق في الدراسة.
2-غياب المراجع الفارسية المترجمة التي تطرح رأي كتابها بأزمة المضيق السياسية السابقة والآنية .
3- من غير القصد يحاول الباحث ان يتبنى وجهة نظر واحدة ،وجهة النظر الايرانية .
4- لقد قدم الباحث تصورا هاما لمستقبل مضيق هرمز والذي يعتبر أهم نقطة في عملية البحث حسب إحصائيات موجودة في البحث يقدمها في صفحة 69،73،74. تقول بإن مخزون النفط سوف يرتفع مع حلول عام 2020 والذي يحتل النفط 60 % والغاز 45% من دول العالم والتي تصدرهما الدول العربية .
لكن غياب الخلاصات والاستنتاجات من عمل الباحث يعرض عمله للضعف ،فعدم تعرض في الباحث لعرضها وإدراجها في الدراسة تفقد قدرتها ، ان ما وصل إليه الباحث في كل فصل ضروري ، كي يقدم استنتاج علمي للباحثين الجدد والمختصين،وهذه العملية تعتبر من سمات العمل الأكاديمي العلمي .
ان اهمية اي دراسة علمية اكاديمية اليوم تكمن بقوة وتجدد مراجعها العلمية االعربية والاجنبية وتقديم مراجع فارسية حافظا على حق الراي التي تعتبر الركائز الاساسية للعمل المقدم، ان قوة اي دراسة علمية تكمن في مراجعها الحديثة المستخدمة في العمل التي تتناول وجهات النظر المتعددة وتعمل على استخلاص النتائج بغ النظر عن وجهة وراي صاحب الدراسة .
فالروابط جدا مهمة فكيف إذا كانت الدراسة “جيو سياسية “فإنها تتطلب روابط كثيرة تعالج أراء الطرفين وخاصة ان الباحث اطلق على دراسته تسمية حرفية ” مضيق هرمز والصراع الأمريكي – الإيراني “،تبقى الدراسة في إطارها العام مهمة جدا ومادة جديدة للقارئ لعربي والمكتبة العربية ومساهمة مهمة من قبل الكاتب علي ناصر قدمها بطريقة جديدة .
الدراسة أضحت قديمة بالنسبة للسياسة لأنها غيبت الإحداث الأخير للحراك العربي وتغير زعامات في المنطقة العربية والتي كانت إيران تطمح لفرض نفسها عليهم، فقدانها كذلك لمواقع جيو-سياسية كانت تعتبر مكانا قويا لنفوذ إيران في منطقة الشرق الأوسط ،انتهاء محور الممانعة وخروج حركة حماس منه والتي تشكل صفعة لإيران لان الممانعة بدون حليف فلسطيني لامعنى لها .
غاب عن البحث ظهور زعامة سنية متشددة قوية جديدة في مصر وسيطرت حركة الإخوان المسلمين على السلطة في مصر والدول العربية التي شابها الحراك الثوري.فقدان سورية التي تحتضر يوميا والتي تعتبر ركنانا أساسيا من أركان الممانعة وحليفا،دخول تركيا على الخط في استمرار أخطاء أمريكا في المنطقة والعالم ونظر لاعتبارها جزاء من حركة الإخوان المسلمين العالمين ،تبقى إيران ضعيفة في بحر من العالم السني الذي يحيط بها من كل الاتجاهات فإنها تبقى حاجة أمريكية وهي بحاجة لأمريكا .
دراسة الباحث علي ناصر تقسم إلى محورين أساسيين وعدة أقسام في كل محور فالباحث يقوم على التبنيد والتفريع في الدراسة العلمية التي يساعد القارئ على الفهم السريع للموضوع واستيعاب الأفكار الواردة في الدراسة وتبسيط الأفكار المطروحة بطريقة علمية سهلة وسلسة ومريحية للقارئ في عملية إيصال الأفكار المطروحة والمعروضة من الكاتب نفسه وهذا ما نسميه الأسلوب الخاص للدراسة العلمية الأكاديمية .فالباحث ينطلق من الأهمية النظرية التاريخية لموقع “مضيق هرمز ” والتوقف أمام الحقابات التاريخ وأمام الأهمية الإستراتيجية الكبيرة للتاريخ والجغرافيا والاقتصاد والسياسة التي يحددها المضيق مع العالم والذي يعرضها الكاتب في صفحة 56،66 .
الصدام بين إيران وأمريكا في مضيق هرمز في صفحة 158- 159 والوصول إلى حرب ناقلات وتعثر التجارة العالمية المضيق مسائلة غير وارد نهائيا لان إيران حاجة ضرورية لأمريكا صفحة 161، فإذا استعرضنا الموقف الأمريكي عندما دخل مباشرة إلى منطقة الخليج العربي واسيا الوسطى بعد إحداث أيلول 2001 وسيطرة المحافظين الجدد. كانت إيران قد اسقط عنها تعريف العدو الإيديولوجي للولايات المتحدة ووضعها على لائحة العداء السياسي ووضع التطرف السني على قائمة العداء الإيديولوجي للولايات المتحدة وبالتالي ساهمت إيران بتسليم الولايات المتحدة عدوها الديني في أفغانستان وعدوها القومي في العراق، وبظل حرب أمريكا على الإرهاب العالمي، و الصراع الإعلامي على مشروع إيران النووي لم تقوم السياسة الأمريكية بممارسة أي ضغط سياسي يعوم دور إيران في المنطقة. أما مع ولاية براك اوباما والذي لا يريد تكرار أخطاء أمريكا في العراق وأفغانستان بل اكتفى بممارسة سياسة الحرب الاقتصادية التي أفلحت ضد إيران مما اجبر الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاة في كلمته أمام مجلس الشورى الإيراني بتاريخ 12 يناير 2013 على الاعتراف بفعالية الحصار الاقتصاد والتفتيش عن مخارج للازمة الاقتصادية، ان اوباما في إستراتيجيته لا مكان للصراع مع إيران عسكريا والخلاف مع نتانياهو خير دليل على ذلك. فالإستراتيجية الإيرانية أضحت اليوم تفاوضية وليست ندية في التعاطي مع دول عالمية لان المعركة اليوم أضحت على حدود طهران بسبب خسائر إيران للعديد من الأوراق الجيو-سياسية التي اعتمدتها طهران في حربها الإعلامية ضد الولايات المتحدة ،فاليوم إيران تخوض حرب ناعمة تستنزف اقتصادها وقدراتها ألسياسية والأمنية في دول المنطقة والتي أصبحت مكشوفة مما اضطرها لممارستها بنفسها بدلا من وسطاء اعتمدتهما بالسابق كما كانت تفعل أمريكا سابقا ولذلك دخولها إلى الخليج مباشرة اجبرها من الاعتماد على نفسها .
كاتب صحافي ومحلل سياسي مختص بالشؤون الإقليمية والدولية