تحقيق عصام الحلبي / عندما تقف عند باب شاتيلا تفكر في حكاية صمود مخيم اخترقت جدران الزمان والمكان، كتب صفحات تاريخه بدماء أبنائه، أولئك المعاندون للظروف ولسيطرة الزمان والمكان ، وجبروت الظلم والقتل والمجازر.
على أبواب صبرا وشاتيلا هزمت جحافل الاحتلال الإسرائيلي حينما ارتكب مجزرة ليحقق نصرا على دماء الشيوخ ، والنساء، والأطفال،انتفض المخيم رغم الدماء معاندا كل الحصارات، مقدما الشهداء ليصنع الحياة من جديد.
احتضن المخيم شهدائه في مقبرة جماعية حينما تعذر عليه دفنهم في مقبرة الشهداء الرئيسية خارج المخيم ، احتضن المخيم أجساد أكثر من 730 شهيدا كما يروي أبناء المخيم الذين عاصروا حصار المخيم.
كلما ذكرت شاتيلا والحصار يقترن باسم الشهيد علي أبو طوق، الشباب القائد، المحبوب من كل أبناء المخيم وقواه وفصائله المتنوعة.
كان علي أبو طوق صمام أمان المخيم ، وعنوان صموده كما يقول احمد عودة احد أبناء مخيم شاتيلا والذين عاصروا الحصار وقاتلو إلى جانب أبناء المخيم بإمرة الشهيد علي ، ويتذكر احمد عودة مرحلة الحصار قائلا لقد استشهد القائد ابو طوق عام 1987، بعملية اغتيال بالقرب من موقع “النمساوية” بواسطة عبوة ناسفة وضعت في طريقه، وهو يقوم بتفقد وحدة الأشبال، واستشهد معه سمير ذياب وبهاء أبو لبدة، ودفنوا في المقبرة الجماعية للمخيم إلى جانب المئات من شهداء المخيم.
كان علي أبو طوق قائدا للجميع وليس لحركة فتح في المخيم بحسب ما يؤكده احمد عودة، قائدا لكل الفصائل، وكان صاحب قرار، ومحبوبا من قبل جميع أهالي المخيم ، كان علي في تعامله لا ينظر إلى انتماء الشخص ، لان كل جهده منصبا للدفاع عن المخيم، وتأمين احتياجات المحاصرين داخل المخيم.
ويشير عودة بانه يعيش في مخيم شاتيلا حوالي 20 ألف نسمة من الفلسطينيين واللاجئين الفلسطينيين من مخيمات سوريا ، بالإضافة إلى عدد من العائلات السورية واللبنانية . في هذا المخيم الصغير بمساحته وعدد سكانه القليلة عام 1982، ارتكبت اكبر مجزرة في العصر الحديث من قبل الاحتلال الإسرائيلي بقيادة الجزار شارون ، ومليشيا ” القوات اللبنانية ” آنذاك، حيث تم قتل الأطفال والشيوخ والنساء، و بلغت حصيلة تلك المجزرة أكثر من 3500 شهيد من أبناء المخيم “فلسطينيين ولبنانيين”.
ويحاول عودة تجميع ذاكرة الأحداث المؤلمة التي يرهقه استحضارها، وخاصة حينما يتحدث عن الحصار المخيم في العام 1985،حيث حوصر المخيم وعلى فترات مستمرة حتى العام 1988، وقد تخلل تلك الفترة انفراجات قليلة ، ولم يسقط المخيم إلا عندما أشعلت نار الاقتتال الداخلي الفلسطيني.
سقط قادة عسكريون شهداء في المخيم قادة كتائب، ووحدات عسكرية منهم:” زياد بكري وقاسم الحاج ، وحسين عبد الرحمن، واحمد سالم، ومحمد حسين وأبو عمر”.ويؤكد عودة ، بأنه بلغ عدد شهداء المخيم في فترة الحصار إلى أكثر من 1500 شهيد ومئات من الجرحى الذين سقطوا دفاعا عن قضيتنا وشعبنا وقرارنا الفلسطيني المستقل.
وعن المقبرة الجماعية التي يقوم بترميمها وتحسينها أصدقاء الشهيد علي أبو طوق ، هذه المقبرة التي دفن فيها 730 شهيدا وغالبيتهم من المقاتلين الذين دافعو عن المخيم فلسطينيين من أبناء المخيم و من مخيمات سوريا ومقاتلين في صفوف الثورة الفلسطينية من جنسيات عربية مختلفة ، ومدنيين عزل من أبناء المخيم ، هذه المقبرة صغيرة المساحة ، وهي بالأصل لم تكن مقبرة اضطررنا ان ندفن الشهداء في مقبرة جماعية، وعندما اغتيل الشهيد علي أبو طوق دفن إلى جانب إخوته ورفاقه في الدفاع عن المخيم ، ويضيف عودة انه لم يتم الاعتناء بالمقبرة كما يجب وخاصة لأننا غادرنا المخيم في العام 1988 وعدنا إليه في العام 2005 ،وبسبب الظروف السياسية والأمنية وقتها كان ممنوعا علينا كفتح أن يكون لنا تواجد علني في كثير من المخيمات ، وحينما عدنا قمنا ببعض التحسينات على طبيعة المقبرة ، وأصبحت مزارا لتكريم الشهداء وقراءة الفاتحة على أرواحهم من قبل الأهل والزوار ، وأصبحت المقبرة إحدى معالم صمود المخيم.
قال عودة مستطردا في بداية هذا العام زار المخيم اخوين من إخوة ورفاق الشهيد علي أبو طوق الذين قاتلو إلى جانبه في فترة ما قبل الاجتياح الإسرائيلي على لبنان وإثنائه في العام 1982، وبعد زيارتهما لمقبرة الشهداء الجماعية في المخيم ،وعندما رؤوها بشكلها هذا ، قررا أن يبذلا كل ما بوسعهما من اجل العمل على تحسينها، وحينها غادرا لبنان وفي بداية شهر أب عادا إلى لبنان وباشرا في العمل على تحسين المقبرة الجماعية للمخيم ، واليوم قد تم الانتهاء من هذا العمل، وما قام به الأخوين:” جمال أيوب وأبو جراد “،هو عمل وطني كبير ومهم جدا ويعبر عن مدى الوفاء والالتزام بنهج الشهداء وإكراما لدمائهم الزكية التي سالت من اجل فلسطين.
وتطرق أبو جراد أثناء لقاءنا إلى شخصية الشهيد علي أبو طوق قائلا: “كان علي ابو طوق هو ” الدينمو” لكتيبة الجرمق،والمحرك الأساسي، والقائد الفعلي، والمبادر دوما ، وكان يركز عمله على العلاقة مع الجماهير التي يعتبرها الحاضن الأساسي لأي عمل نضالي ، والسياج الحامي للثورة.
وأثناء وجودنا في المقبرة للحديث مع احد المساهمين بتحسين المقبرة والإشراف على إعمالها، فجأة دخلت امرأة عجوز إلى باحة المقبرة ووقفت أمام احد القبور الجماعية وبدأت بقراءة الفاتحة، تقدمنا منها وتحدثنا معها فقالت : أنا الحاجة زينب الأحمد ، والدة الشهيد جعفر الأحمد، استشهد ابني جعفر أثناء حصار المخيم في العام 1987، ومنذ ذلك الوقت غادرت لبنان إلى ألمانيا ، واليوم بعد ساعتين سأغادر لبنان وجئت أودع ابني الشهيد جعفر واقرأ له ولأخوته الشهداء الفاتحة ، وأبدت الحاجة زينب إعجابها بالتحسينات التي أجريت حديثا على المقبرة شاكرة كل من ساهم بهذا العمل لان شهدائنا يستحقون منا كل التقدير والوفاء ، وهذا اقل ما يمكن أن نقدمه لهم.
وأبو جراد صاحب فكرة ترميم المقبرة مع جمال أيوب وجدناه منهمكا بالعمل إلى جانب العمال الذين يقومون باللمسات الأخيرة للعمل ، هو احد كوادر كتيبة الجرمق الذين قاتلوا في لبنان والى جانب علي أبو طوق في الكتيبة قبل الاجتياح عام 1982يقول “إن فكرة تحسين مقبرة الشهداء الجماعية في شاتيلا تكونت منذ عدة شهور عندما أتيت وأخي جمال أيوب إلى لبنان لزيارة إخوة لنا في الكتيبة الطلابية “الجرمق”، ولقرائه الفاتحة على أرواح شهدائنا الأبرار ، وحينما زرنا مقبرة الشهداء الجماعية في شاتيلا حيث يرقد جثمان الشهيد القائد علي أبو طوق والعديد من أخوته ورفاق دربه لاحظنا الإهمال وعدم العناية بهذا المكان الطاهر والوضع فيها ليس على ما يرام، فكرنا حينها بماذا نستطيع أن نعمل ومن أين نبدأ من اجل تحسين المقبرة وإظهارها بالشكل الذي يليق بالأكرم منا شهدائنا الأبرار ، وبعد عدة أيام غادرنا لبنان وكل تفكيرنا كان يدور بماذا نستطيع أن نعمل وبدأنا التشاور والتواصل مع الإخوة والأصدقاء في الأردن واليونان وفلسطين، وقد لقينا تجاوبا من الجالية الفلسطينية في اليونان وقدمت تبرعا مشكورة عليه ، كما قام الأخوة في كتيبة الجرمق سابقا بالتبرع مقدما كل أخ مبلغا رمزيا من راتبه الشهري من اجل البدء بالعمل ، ويقول ابو جراد بأنه من لحظة وصولنا إلى لبنان تواصلنا مع سعادة سفير دولة فلسطين في لبنان الأخ اشرف دبور والذي أبدى كل استعداده من اجل انجاز هذا العمل، وقد وضع كافة الطاقم الإعلامي في السفارة لخدمة هذا العمل ولمساعدتنا وتقديم كل العون لنا ، فضلا عن المساعدة المادية التي تكفل بها وهي تكاليف المادة الإعلامية من شراء لوحات كبيرة وكتابة الأسماء عليها، وطباعة صور الشهداء على لوحات توضع داخل المقبرة وكذلك دفع أجور العمال منذ بداية البدء في العمل الذي أشرفنا على نهايته، كما قام احد الأخوة الفلسطينيين وهو من “ال العكاوي”من منتدى رجال الأعمال “الفلسطيني -اللبناني” بالتبرع بمبلغ مالي من اجل هذا العمل ،وهناك أيضا مساهمة مالية من الأخ “فواز الشلبي “لهذا العمل بالإضافة إلى مساهمة مالية من الأخت آمنة جبريل.
ويعتبر أبو جراد أن ما يقوم به اليوم هو جزء بسيط من الواجب نحو الشهداء الذين قدموا أرواحهم ودمائهم من اجل فلسطين ومن اجل الدفاع عن شعبنا.