د.خالد ممدوح العزي / لايزال عامل التوتر والخلاف يسيطر على المخيمات الفلسطينية ،واللهيب ينذ بتفجر الاوضاع ،فالجريمة التي نفذت بحق ابناء مخيم المية ومية تدل على هشاشة الوضع الامني المسيطر على الاجواء الفلسطينية .
فالمشكلة الفردية التي وقعت بتاريخ 7 نيسان الحالي وأدت الى مقتل 10 اشخاص وجرح اخرين، كانت بين مجموعة جمال سليمان ، ومجموعة محمد رشيد والتي عللت بانها اشكال فردي بين عائلة سليمان وعائلة رشيد، وقد ادت هذه المعركة الى تصفية محمد رشيد واشقائه”الاثنين” ومرافقيه واحتلال مراكزه في المخيم من قبل مجموعة “انصار الله “بقيادة جمال سليمان والذي ذهب ضحيتها ايضا ابن اخيه وصهره “شادي سليمان ” الذي لم يعرف اصل كيف تم اغتياله .
هذه المجزرة دفعت بالأهلي للاعتراض والخروج في مظاهرة التشيع برفع الصوت والهتافات العالية ضد جمال سليمان وحزب الله . صرخة الغضب والاعتراض الشعبي على الفلتان الامني والتعامل غير الرسمي مع الحالات الخاصة والإشكاليات في المخيم بلغة السلاح دون العودة الى القضاء والجهات المختصة ،بغض النظر عن طبيعة هذه الحالات وطبيعتها الفلسطينية .
فالاعتراض الشعبي الفلسطيني الذي دفع باهل عين الحلوة للاعتصام وقطع الطريق في المخيم ، والتي تعبر عن عدم ارتياح فلسطيني لهذه التصرفات البشعة حيث رفعت لفتات تدين فيها القتل وتتهم جمال سليمان بالقاتل.
استفاق مخيم عين الحلوة على مجزرة حقيقية وبشعة ضد ابناءه وبايادي فلسطينية . لقد نفذ ت حركة “انصار الله”هذه العملية في المخيم بدم باردة ،وتعتبر هذا الحركة الذي يترأسها اللواء جمال سليمان ومقرها مخيم المية ومية ظاهرة غير طبيعية في حياة المخيمات .
شكل جمال سليمان بعد انشقاقه عن حركة فتح عام 1989 والذي كان يترأس فيها كتيبة شهداء مخيم عين الحلوة حركة “انصار الله”،وتعتبر هذه المجموعة الفلسطينية ذات التوجه الاسلامي المدعومة من قبل حزب الله وايران ماليا ولوجستيا وسياسيا،والقريب من حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي .
يعتبر الحاج جمال سليمان احد اقطاب المبادرة الامنية الذي وقع عليها شخصيا من اجل ضمان آمن المخيم بتاريخ 27 اذار \مارس الماضي ،وبهذه العملية يكون قد ساهم فعليا في خرقها قبل ولادتها مما يدفع بالاخرين بعدم احترامها وتنفيذ بنودها، و حسب مصدر متابع لتنفيذ المبادرة الفلسطينية يشير بان حركة انصار الله لم تكن موافقة على المبادرة بالرغم من توقيعها عليها.
جمال سليمان ابن مخيم المية ومية مما يؤمن له غطاء شعبي وسياسي من داخل المخيم وبما اقليمي .
مخيم المية ومية هو المخيم الثاني في منطقة صيدا ويبلغ عدد سكانه حوالي عشرة الاف نسمة ، يقع المخيم في قرية المية ومية ذات الاغلبية المسيحية والقابعة على التلال المشرفة على مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا مما يجعله متداخلا مع الجوار والمخيم ذات الثقل الشعبي والمتعدد الاطراف بما فيها الفصائل المتشددة ذات الميول السلفي .
تعتبر عملية القتل الجماعي في مخيم المية ومية الحادثة الثانية من نوعها من حيث الاغتيالات ، وبخاصة بعد اغتيال اللواء كمال مدحت الذي اغتيل على تخوم المخيم قرب حاجز الجيش اللبناني .
ولكن هذه العملية تختلف كليا ولها طابعها المختلف، لان محمد رشيد هو حالة بحد ذاتها، شكلها بنفسه في قلب المخيم منذ مدة قصيرة ، فاذا به اصبح رقما صعبا وسط تركيبة المخيمات الفلسطينية ذات الانتماء العقائدي والمناطقي والحزبي .
يحتل المخيم مكانا استراتيجيا في طبيعته الجغرافية منذ كانت الشرارة الاولى في حرب 1985 عندما اندلاعت معارك شرق صيدا بين القوى اللبنانية والفلسطينية والقوات اللبنانية .
ومن هذا المخيم عام1986-1987 خرج التمدد الفلسطيني لفك حصار المخيمات بالتوجه نحو شرق صيدا واقليم التفاح اثناء المعارك بين القوى الفلسطينية وحركة امل .
يعتبر المخيم نقطة ارتكاز في السيطرة على مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا.
فالاتفاق غير العلني بين حزب الله وحركة فتح ساهم تدرجيا بان تكون جماعة انصار الله هي القوة الاساسية في المخيم بتغطية فلسطينية ولبنانية والسمح لها في الحركة والتمدد في المخيم والجوار لكونها باتت تشكل قوة مسيطرة على المخيم .
محمد رشيد عدوان سوري الجنسية حالة خاصة في المخيم ومن خارجه تكونت في المخيم وفرض نفسه عليه ، وخاصة كونه من خارج المخيم ، متزوج من امرأة فلسطينية من المخيم من “عائلة نوفل “،وربما هذا ضعف محمد رشيد الاساسي انه غريب ،مما ادى من الفصائل الى السكوت عن التصفية .
محمد رشيد شاب عمره 37 عاما اذ كون مجموعته الخاصة بنفسه ومارس العديد من الاعمال التجارية والأمنية ، مما دفعه ليكون في الواجهة .
مجموعته لم تنتمي الى احد من الاطراف المتحاربة والمتنازعة في المخيم ، ولم ترفع علم اي فصيل ،بل استطاع ان ينسج علاقة جيدة مع د.جليلة دحلان عند زيارتها الى مخيم عين الحلوة والمية ومية ويربط علاقة مع مؤسسة الفتى الاماراتية التي تتراسها ،مما استفاد من تقدم الخدمات للأهالي الذي استطاع الاستفادة منها وتوضيفها لحسابه الشخصي و لمصلحته بسرعة حيث انشاء كتيبة شداء العودة وهي ليست لها صفة شرعية وغير مشرعة من السلطة الفلسطينية او حركة فتح ،وبالرغم من ان محمد رشيد قد يحسب في الفترة الاخيرة على تيار محمد دحلان ،لكن فعليا لا توجد اي علاقة مع الكوادر الاخرى .وبحسب مصادر من داخل حركة فتح والمخيم ، ان محمد رشيد لم تكن علاقته جيدة مع العقيد “اللينو” محمود عيسى بل سيئة جدا، وسيطرة عليها الخلافات و المشاكل ،وتمكن العقلاء من التدخل لحلها وإبقائها في اطارها الرسمي كي لا تتطور وتحتكم للسلاح ،وبالرغم من كون فصائل منظمة التحرير اجتمعت على الفور وتوصلت الى بيان سريع يستنكر فيه حل الخلافات من خلال الاحتكام للسلاح لحل الخلافات بين القوى ،وتدعو الى ضبط النفس ومحاصرة ارتدادات هذه الاحداث المؤلمة ومنع استغلالها لضرب الهدوء الذي اتسم به مخيم المية ومية .وأيضا التأكيد على ضرورة التمسك بالمبادرة الفلسطينية التي اطلقتها الفصائل الفلسطينية منذ ايام من قبل كافة القوى الوطنية والإسلامية لحماية الوجود الفلسطيني في المخيمات اللبنانية كمحطة لتعزيز الامن والاستقرار في المخيمات باعتبارها جزء اساسي من امن واستقرار لبنان. والبيان الذي توقف امام تقديم التعازي لكل الضحايا والجرحى ،يبقى مرهون بتنفيذ الاتفاق الامني والالتزام به من قبل الاخرين الذي وقع في اول الطريق .
لكن تبقى قضية الاغتيال في المخيم هي محطة استنكار وغضب شعبي ورسمي . في الجريمة قد وضعت العلاقات المتأزمة في داخل المخيمات في اطارها الواسع والذي يعمق الخلافات الفلسطنية –الفلسطينية اكثر فأكثر ، وبظل غياب المرجعية السياسية القوية والقادرة على لجم كل المشاكل والخلافات …نجد نفسنا امام تسال كبير هل هذه الحادثة عرضية مهمتها التنظيف والاستقرار ام نحن اضحينا ام عتبة الصراعات التي تنذر بقيام ردة فعل انتقامية من شخصيات مختلفة تحاول تصفية حسابات شخصية وحزبية معللة ذلك بدوافع غير منطقية ،وإعطاءها الصفة الخاصة التي تحاول ان تبررعملها .
يبقى السؤال الاساس الذي يطرحه على الجميع لماذا غابة الدولة عن التحقيق في المجزرة ولماذا لم يتحرك القضاء اللبناني سريعا والوقوف امام هذه المجزرة والجريمة البشعة ،فهل هي عملية مدبرة ومتفق عليها .
لكن الاهم من ذلك ان خرق المبادرة التي تم تسويقها من قبل جماعة انصار الله سمح بخرقها من قبل اطراف اخرى و تمثلت بعملية اغتيال شيخ حركة الاحباش في المخيم “عسلان سليمان، مما فتح المجال لاغتيال ابن اخ اسامة الشهابي امير فتح الاسلام “علي خليل “بتاريخ 20 ابريل الحالي.
لكن حالة التوتر الجديدة في المخيم فتحت الباب على امام حرب اغتيالات متبادلة بين القوى المتصارعة مما يهدد امن المخيم ويعض سكانه لخطر حقيقي.
امام هذه الحالة الخطيرة التي سجلت في مخيم المية ومية ، تبقى مسؤولية فتح وفصائل منظمة التحرير امام تحدي فعلي بسبب الازمة القادمة ومطالبة بتحمل المسؤولية الفعلية بما يجري في المخيمات الفلسطينية وعدم السكوت عنها …واحالاتها الى القضاء المختص وتقليم اظافر القاتل … إلا اذا كانت الاشارة قادمة من هرم السلطة في تصفية الحسابات مما يشجع هذه الجماعات لاحقا على ممارسة هذه الاعمال الشنيعة .