شاهد أيضاً
قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما
أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …
3 سبتمبر, 2013 مقالات
جذر الأزمة السيناوية يتمثل في الحقيقة بمعاهدة كامب ديفيد التي نصت على وجود شرطي رمزي في شبه الجزيرة ما أدى إلى فراغ أمني كبير، وتآكل وتراجع في هيبة الدولة وسطوتها، بينما أدت ممارسات جهاز أمن الدولة السابق وأتباعه سياسة القبضة الحديدية لملء هذا الفراغ إلى نتائج عكسية واتساع الهوة بين السيناويين والسلطة وأجهزتها.
اتباع الخيار الأمني في سيناء مثل كذلك الوجه الآخر لغياب استراتيجية تنموية شاملة فيها، ورغم الإعلان عن خطط كثيرة لتطوير وتحسين الوضع الاقتصادي الاجتماعي، إلاّ أنّ هذا لم يكن سوى حبر على ورق وترك السيناويون لمصيرهم، حيث الجهل الفقر البطالة ولم يجدوا أمامهم سوى التهريب والتجارة غير الشرعية إن مع إسرائيل أو مع غزة، ومن هنا كانت المسافة قصيرة جداً نحو التمرد وحمل السلاح ضد الدولة وأجهزتها.
تفاعل الحضور الأمني القاسي مع الغياب الاقتصادي الاجتماعي المدوي، أدى إلى خلق بيئة دفينة مناسبة لتغلغل الأفكار التكفيرية المتطرفة، خاصة مع صعود تنظيم القاعدة والحركات المتفرعة عنه في العقدين الماضيين، والتي وجدت في سيناء حاضنة مثالية لنشر أفكارها ورؤاها تجاه النظام الحاكم، بينما ساعدها الموقع الجغرافي لشبه الجزيرة وتماسها مع فلسطين على مدى الصلات مع غزة وحركاتها الجهادية من جهة. ومن جهة أخرى تطوير خطاب التنظيم باتجاه الانخراط في المعركة ضد الدولة العبرية، واعتبار كل من يقف في وجه هذا الأمر عميل في أحسن الأحوال، وكافر في أسوأها وفي الحالتين يقتضي الواحب قتاله تماما كقتال المحتل الغاصب.
العامل الفلسطيني كان بمثابة الصاعق الذي فجّر كومة المتفجرات السياسية الأمنية الاقتصادية الاجتماعية السابقة، وربما كان أيضاً كعود الكبريت الذي أشعل كومة القش السيناوية عبر معطيين أساسيين تسونامى السلاح الذي أغرق شبه الجزيرة المصرية في طريقه إلى غزة، خاصة بعد سيطرة حماس عليها صيف 2007 بتشجيع بل وإغراء أطراف خارجية لها، من أجل استنساخ تجربة حزب الله في لبنان وتكوين جيش صغير بالمعنى الحقيقي للكلمة، بغرض استنزاف إسرائيل وإرهاقها والنهج الذي قطع مع النهج التقليدي للمقاومة الشعبية سبّب كارثة في لبنان كما في غزة، وعلى كل المستويات السياسية الأمنية الاقتصادية الاجتماعية، وحتى الاستراتيجية؛ أما المعطى الثاني فتمثل بنسج علاقات عمل وثيقة بين الحركات السلفية الجهادية في غزة ونظيرتها في سيناء، حتى وصل الأمر إلى ما يشبه التوأمة بين مجلس شورى المجاهدين في بيت المقدس – غزة – ونظيره بل وتوأمة أنصار بيت المقدس في سيناء.
تسونامي السلاح إلى غزة استغل الفراغ الأمني في سيناء واعتماد الأهالي على التهريب كمصدر رزق في غياب أي مصدر أو عمل آخر، وهو تضمن مختلف أنواع الأسلحة وبكميات كبيرة من الرصاصة إلى مضادات الطائرات، علماً أن حركات المقاومة في غزة تصرفت بحسن نية ومن منطلق عدالة القضية الفلسطينية وقداستها وفي تجاهل معتاد للآثار الجانبية السيئة ليس فقط على سيناء، وإنما على غزة نفسها المحاصرة والتي باتت منكوبة ومدمرة بشكل شبه تام بعد حربيين مع إسرائيل لم تكتفِ فيهما تل أبيب بتدمير مصب ومستودع تسونامي السلاح في غزة، وإنما نسيج الحياة في هذه الأخيرة في بعده الاقتصادي الاجتماعي التنموي، والذي أعادها عقود طويلة إلى الوراء، خاصة فيما يتعلق بالبنى التحتية والخدمات الاجتماعية.
تسونامي السلاح ومناخ العسكرة المرافق له – المتناقض جذرياً مع نهج المقاومة بأبعاده المتعددة والمتداخلة – كان أحد الأسباب المباشرة في تقوية الجماعات السلفية الجهادية في غزة، والتى لم تكتف بالمحددات الوطنية العامة لحركات المقاومة الأخرى لجهة حصر الصراع في فلسطين، وعدم التفكير في نقل المعركة خارجها فعمدت لنقل الصراع مع إسرائيل إلى سيناء تخطيطاً وتنفيذاً، كما أنها أقامت علاقات عمل وثيقة مع نظيرتها في هناك، ونقلت إليها خبراتها القتالية والتكتيكية الكبيرة – معظم هؤلاء أعضاء سابقين في تنظيمات المقاومة الفلسطينية، خاصة الإسلامية منها – حتى وصل إلى الأمر إلى ما يشبه التوأمة بينهما، وعندما تنبهت حماس إلى هذا الأمر كان الوقت قد فات وسبق السيف العزل، وباتت سيناء وليس غزة ساحة العمل الرئيسية للحركات السلفية الجهادية والتكفيرية المصرية والفلسطينية على حد سواء.
فيما يتعلق بحماس وحركات المقاومة الصغرى المتماثلة معها والدائرة في فلكها – لا بد من الإشارة إلى أنها لم تتعمد يوماً إيقاع الأذى بالأمن القومي المصري لا في سيناء ولا في غيرها، غير أن خياراتها السياسية والعسكرية الخاطئة ارتدت في النهاية سلباً على فلسطين قبل سيناء ومصر، وهي مثلاً كانت الراعية والمؤسسة لجيش الإسلام، الذي شارك في أسر جلعاد شاليت قبل أن يتمرد على الحركة الإسلامية المقاومة بحجة انخراطها في العملية الديموقراطية العلمانية والكافرة وتخليها عن المقاومة وحمايتها للتهدئة مع إسرائيل. ومن هنا كانت المسافة قصيرة ليس فقط نحو التماثل فكرياً مع القاعدة، وإنما مع تجلياتها في سيناء، علماً أن جيش الإسلام يمثل ركن مركزي في مجلس شورى المجاهدين في بيت المقدس الذي بات الإطار العريض للحركة السلفية المجاهدة في فلسطين.
أما كتائب القسام وقيادتها الجنوبية المتنفذة، فقد غضت الطرف عن نشاط الحركات السلفية بين غزة وسيناء كون هذا يأتي في سياق مقاومة إسرائيل أو الاستعداد لمواجهة أي اعتداء محتمل لها ضد غزة ويتناسى كثيرون في هذا الصدد أن حماس واجهت تداعيات سياستها الخاطئة، هذه قبل مصر وسيناء عندما أعلن أمير تنظيم التوحيد والجهاد عبد اللطيف موسى عن تأسيس إمارة إسلامية في مسجد النور برفح في تحدي صارخ لحماس وسلطتها، وهي تصرفت معه بطريقة مشابهة لما يفعله الجيش المصري في سيناء، وطبعاً ساعدتها جغرافيا غزة ومساحتها الضيقة في حسم المعركة لصالحها خلال ساعات ومن يومها أبقت الحركات الجهادية تحت الضغط ما أجبر هذه الأخيرة على نقل نشاطها أو جزء رئيسي منه باتجاه سيناء مستفيدة من الفراغ الأمني، كما من البيئة المتعاطفة والمساندة.
في الأخير وباختصار لا يمكن حسم المعركة في سيناء بتجاهل أبعادها ومسبباتها السياسية الأمنية الاقتصادية الاجتماعية، سواء في بعدها المصري أو الفلسطيني، وأيضاً لا يمكن كسب المعركة دون تعاون تنسيق مصري فلسطيني بعيداً عن التشكيك وتبادل الاتهامات، وفي الشق الفلسطيني طبعاً لا يمكن مساعدة لأنفسنا قبل تقديم العون الأخلاقي والسياسي الضروري لمصر دون إنهاء الانقسام ومعالجة أسبابه مع الانتباه إلى أن هذا لا يجب أن يتضمن فقط نهج العسكرة، وإنما نهج المفاوضات البائس الذي كان أحد العوامل المركزية في وصول الأمور إلى ما وصلت إليه في غزة، كما على المستوى العام وللأسف، وفي غياب المحددات والمتطلبات السابقة ستطول المعركة في سيناء ومعها الوضع البائس والمأساوي في غزة..
باحث وإعلامي فلسطيني
أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …