د.خالد ممدوح العزي / مازال الغموض يسيطر على الوضع الحالي في مالي ،ويترك الباب مفتوحا على كل الاحتمالات وبخاصة على بعد اعتقال رئيس الحكومة “شيخ موبيدو ديارا” ، وتوقيفه في باماكو بأمر من الكابتن” امادو هايا سانوغو” القائد السابق للانقلابين
يعتبر رئيس الحكومة المالي الذي تتنحى بالقوة عن الحكم ، بعد أن كان عرابا قويا لمطلب التدخل العسكري في هذا البلد الجار، مدعوما في مواقفه بالحليف الفرنسي الذي يسعى جاهدا لفرض الخيار العسكري خيارا وحيدا لحل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ شهر اذار مارس العام الماضي حين وقع انقلابا عسكريا اطاح بالسلطة الرسمية للبلاد .. لكن كما يبدو أن عالم الفيزياء الفلكية والباحث في وكالة “نازا” الأمريكية الذي اقتحمت حديثا معترك السياسة لكنها سقط في آخر حلقات الصراع مع الطغمة العسكرية التي ترأسها قائد الانقلاب على الرئيس “امادو تومانو توري”.
الموقع الجغرافي لمكونات الصراع :
تعتبر شمالي مالي منطقة قاحلة تضاهي مساحتها مساحة فرنسا ويسكنها قبائل الطوارق البدو الذين كافحوا على مدى عقود طويلة لنيل استقلالهم الكامل عن مالي، فالانقلاب العسكري الذي حصل سابقا اتاح لهم بان يروا الفرصة امامهم مناسبة ويجب اقتناصها فورا ، مما مكنهم من انتزاع المناطق الشمالية سريعا من قوات الجيش المالي الضعيف والذي ما انهزم سريعا امام ضربات الحركة الوطنية”الازاودية “الطامعة بتشكيل دولتها الخاصة ، ولكن دخول الحركات الاسلامية على خط الصراع فراضين قانون الشريعة الاسلامية بطرقة قاسية على السكان المحليين مما اثارات هذه الممارسات موجة قلق في عواصم العالم .
وكانت انقسامات شديدة برزت إلى العلن بين الطغمة العسكرية والرئيس المؤقت تراوري ورئيس الوزراء المعتقل ديارا بشأن كيفية التعامل مع الأزمة، حيث يرفض التدخل العسكر وأي تدخل أجنبي في البلد لطرد الجماعات المتمردة في الشمال، وفي ظل هذه التطورات المستجدة على الساحة المالية يتضح أن التخوّف الذي تبديه الجزائر بشأن إرسال قوات دولية إلى مالي لتحرير الشمال في محله مادام الصراع محتدما بين الحكام الانتقاليين للبلد.
الرغبة الفرنسية في التدخل :
تسعى فرنسا الى ترويج افكار في المجتمع الدولي بشان الخطر في مالي من سيطرت التطرف الاسلامي وتحاول اقناع الجزائر بذلك .فالأفكار التي تحاول فرنسا ترويجها كفيلة بفتح أبواب جهنم على المنطقة بأكملها، حيث يحذر الخبراء من أفغنة الساحل الافريقي في ظل تكالب القوى الكبرى الطامعة في نهب مقدرات الشعب المالي وثروات الدول المجاورة في مرحلة لاحقة ، لذلك فإن العديد من الدول حرصت على ضرورة تغليب الحل السياسي بين فرقاء الأزمة المالية وسحب البساط من الحكومة الفرنسية الراغبة في فرض الحلول العسكرية بأي ثمن وقد أصبح طموحها واضح للعلن بعد أن تصدت واشنطن لهذا الطرح مبدية تخوفها من التدخل العسكري لغياب رؤية واضحة حول العملية.
طبعا استطاعت فرنسا اقناع مجلس الامن الدولي في 12 تشرين الاول “اكتوبر “بتبني قرارا امميا بالتدخل في مالي لطرد الاسلاميين منها، وبعدها ناقش قادة دول غرب مالي في قمة طارئا في ابوجا “النيجرية “الوسائل العسكرية واللوجستية التي يطلبها التدخل العسكري في مالي ،وتم وضع خطط استراتيجية وعسكرية وتأليف قوة عسكرية قوامها 3300 جندي مدعومة من دول وسط افريقية “ايكواس” المجلس الاقتصادي لهذه الدول الذي يضم 15 دولة ، اضافة الى الدعم الاستخباراتي الامريكي للحملة، وان هذه القرارات سوف تعمل على اعادة الاستقرار في البلد.
تغير في الاستراتيجية الاقليمية :
لكن الآمال تبدلت فجأة لدى هذه الدول التي هي متحمسة جدا للدخول في عملية عسكرية واسعة في مالي بسبب صعوب المهمة الكامنة من خلال التالي:
1- مساحة الصحراء الشاسعة لشمالي مالي ،وضعف الجيوش العسكرية الافريقية وعدم جهوزيتها لخوض اية معركة في الخارج .
2- الدول الافريقية الذاهبة لنجدة الشعب المالي بالأغلب تعاني هي نفسها من حالة تمرد ومشكل امنية داخلية “مثال جامعة بكو حارم في نيجيريا “.
3- الترسانة العسكرية الكبيرة التي يملكها المسلحين الاسلاميين والتي استولوا عليها من نظام القذافي في ليبيا ؟
4- المدة الزمنية التي يستغرقها تدريب الجيش المالي من جديد.
5- الخوف الافريقي من الدخول في مستنقع نزاعات طويل الامد لا يحمد عقباه؟
الجزائر الرافضة :
تعتبر الجزائر الاكبر مساحة من بين هذه الدول وتملك حدودا شاسعة مع مالي ولها قوة عسكرية واستخباراتية كبيرة وخبرة واسعة في محاربة الاسلاميين والجماعات المسلحة منذ العام 1989.
-1ترى الجزائر بان أي حل في مالي يجب ان يكون سياسيا وبالتنسيق مع هيئة الامم المتحدة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة “برودي” لتفادي أي عمل عسكري.
2-الجزائر ترى بان أي حل عسكري في مالي سوف تكون ابعاده خطيرة على المنطقة بكاملة وهي لن تدخل بهذه المغامرة مستفيدة من تجربتها الطويلة في حربها مع الاسلاميين في الجزائر والذين اضحوا ممثلين لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي .
3- ترى الجزائر بان اسلوب التفاوض مع الاسلاميين الرافضين للعنف والتدد من خلال التفاوض السلمي يمنع بإيجاد ممر امن للمتشددين في المنطقة الجنوبية الافريقية.
الموقف الفرنسي –الجزائي من مالي :
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه بقوة كيف كانت مفاعيل الزيارة التي قام بها الرئيس هولاند الى الجزائر في 19-20 كانون الاول “ديسمبر “من العام الماضي ،طبعا لم تكون سهلة هذه المهمة ولم يقنع الجزائر بوجهة نظره بعد ان كانت مالي على اجندته الرئيسية لبحثها في الجزائر وبعد ان بسطة القوة الاسلامية المتطرفة سيطرتها على شمالي مالي ،فالموقف الفرنسي الضاغط من اجل الاستعانة بقوات عسكرية دولية لطرد الاسلاميين. الا ان الجزائر التي تعد قوة اقليمية في المنطقة وتملك اكبر جيش فيها والتي تحد مالي من الجنوب تعارض نهائيا فكرة التدخل العسكري في مالي ،وتدافع بقوة عن وحدة الاراضي المالية وترى الازمة لا تحل الا عن طريق المفاوضات السياسية عن طريق الحوار بين الفرقاء المتنازعة .
فالقوة عن طريق التدخل العسكري التي تسعى فرنسا اليها لفرضها مع بعض دول افريقية العجزة عن الحسم في دولها ،وليس في مالي… يبقى التدخل مغامرة تزيد “الطين بلة”، وتأزم الامر وتدخل العالم كله في نفق الظلمات المجهولة ،لكن الكلمة الفاصل في هذا الموضع يبقى للسياسة الامريكية المراقبة عن كثب لكل التحركات من خلال بعثتها الدبلوماسية واستخباراتها وقوتها العسكرية “افريكوم “وطائراتها بدون طيار …لانها هي التي ستقول كلمة النهائية بان وضع مالي الى اين سيتجه .
كاتب ومختص بالأعلام السياسي والدعاية .