خالد ممدوح العزي/
لكي تتعرف على حضارة شعب وثقافته ،يجب عليك الاطلاع على ترجماته.الترجمة تلعب دورا هاما في اضاح هذه الثقافة التي تقوم بدور على التواصل الاكثروني اليوم بين الشعوب ، ومن اجل سهولة التفاهم والتعلم ،وخاصة بظل التطور التكنلوجي والمعلوماتي الذي يسيطر على العالم ،لكن الترجمة الفعالة هي التي تترك بصماتها على مسار العمل الابداعي ،ففي ظل عصر الترجمات يمارس الجيل الجديد عملية هذا الابداع .
انه يترجم من الروسية بالرغم من كل الشوائب التي تسود العلاقات الروسية –العربية اليوم. يبرز اسم جديد في عالم الترجمة والتعريب من روسيا ،بلد الادب والثقافة والفن والعلم ، بلاد العجائب .
بالرغم من دراسته في كلية الصحافة وعمله في التحرير الاخباري كصحافي ،لكنه عمل في اللغة واحبها ،عشق الثقافة ومارس الادب والسينما والتصوير واحب الفنون ،وابتعد عن السياسة ،كان يحفظ كلمات القواميس ،ويتجه نحو المقارنة بين الروسية والعربية ،في الادب واللغة والاعراب والقواعد ،انه المترجم منذر البوش الذي اتجه نحو الادب منذ يومنا الاول في روسيا ،عشق روسيا وجمالها وادبها كما عشق دمشق وجمالها تاريخها وادبها وياسمينها ،عرفته طالبا درسنا سويا في كلية الاعلام لكننا افترقنا في ممارسة المهنة والتخصص ،ليصبح مترجما صاعدا ،انه المترجم والاعلامي السوري منذر قاسم البوش الذي يحدتنا بدوره عن الترجمة الروسية واهميتها .
حاوره من موسكو :د.خالد ممدوح العزي
1. ماهي أهمية الترجمة والتواصل بين الشعوب ؟
هذا السؤال قد يبدو تقليديا نوعا ما، لجهة أن قلائل هم اليوم من لا يعرفون الإجابة عنه، زمننا هذا، وأقصد زمن الكمبيوتر والانترنيت، والفضائيات والهواتف النقالة جعل الكرة الأرضية برمتها قرية صغيرة تنتقل فيها الأخبار من أقصى الأرض إلى أقصها بأسرع من البرق. لكن هذه الثورة المعلوماتية ما كانت لتظهر منذ البداية لولا أعمال الترجمة التي كان لها الفضل في نقل الأبحاث الرياضية من المنشأ إلى زمننا هذا مرورا بمراحل تارخية عديدة. وما كان لأدوات التواصل الحالية أن تستمر أيضا لو أعمال الترجمة والتعرف على لغات الآخرين، وخاصة اللغة الإنكليزية التي‘ شئنا أم أبينا، باتت اليوم لغة التواصل الرئيسية المشتركة بين العديد من شعوب العالم، لذا، لو تمحصنا في معنى كلمة ترجمة في قاموس اللغة لتبينت لنا أنها جسر لا يمكن الاستغناء عنه في ربط الشعوب ببعضها البعض، فالترجمة لغويا تعني نقل الكلام من لغة إلى لغة أخرى، بكل ما يتطلبه هذا النقل من أمانة ودقة وإيضاح للمعنى.
2. ماهي قدرة الترجمة اليوم على إيصال الثقافة الروسية الى الشعوب العربية بظل تطور التكنولوجية ؟
هذا السؤال يحمل شقين – الأول له علاقة بقدرة الترجمة على نقل الثقافة، والآخر بقدر التنولوجيا. أما فيما يخص دور التكنولوجيا كنت قد بينت جزءا منه في إجابتي عن سؤالكم الأول، لكن أضيف هنا أن التكنولوجيا التي انتشرت أفرزت ادوات اتصال جديدة في السنوات العشرين الأخيرة سهلت جدا عملية الترجمة من ناحية، وعملية نقل المواد والإبداعات المترجمة إلى الجمهور المستهلك عموما من ناحية أخرى. حاليا بات بإمكان أي شخص يستطيع استخدام الكمبيوتر والانترنيت التعرف على معاني كلمات أجنبية، روسية كانت أو من لغة أخرى، عبر استخدام برامج الترجمة المنتشرة بكثرة في الانترنيت.. أركز هنا على أن المهتم يستطيع التعرف من خلال هذه البرامج على معاني “كلمات” وربما عبارات منفصلة، وليس مقاطع أو نصوصا متكاملة. أضف إلى ذلك ساعدت وسائل الاتصال المتقدمة في نقل الثقافة الروسية عبر الفضائيات الناطقة بالعربية مثل قناة روسيا اليوم والمواقع الإلكترونية الإخبارية الروسية التي تبث أخبارها بالعربية مثل موقع “أنباء موسكو” التابع لوكالة الأنباء الروسية “نوفوستي” وموقع إذاعة “صوت روسيا” ومواقع أخرى عديدة، وإجابة على الشق الأول من سؤالك أقول إن هذه المواقع والقنوات تتطلب جيشا من المترجمين المؤهلين القادرين على نقل المعلومة بدقة وسرعة.
3. الترجمة الروسية كان لها دور هام في السابق في التقارب بين الشعوب وخاصة العربية ،كيف هو حالها اليوم؟ وخاصة بظل ازمات الربيع العربي ؟
4. أعتقد أن السباق مازال مستمرا، وربما باتت مستعرا أكثر من ذي قبل، لكن أولويات الترجمة اختلفت اليوم عما كانت عليه في الحقبة السوفيتية، وذلك تبعا لوسائل الاتصال من جهة ونظرا لطبيعة الحياة والاهتمامات و الدور الذي تلعبه روسيا حاليا على المستويين الدولي والعربي.
أعمال الترجمة في الحقبة السوفيتية كانت تركز في المقام الأول برأيي على نشر مشروع كبير محدد، وهو الشيوعية كأسلوب حياة بديل للرأسمالية، كان التركيز حينها على ترجمة الأعمال الأدبية والفكرية والسينمائية كحوامل لهذا المشروع، وقد استطاع القارئ العربي بفضل الزخم الكبير لأعمال الترجمة في تلك الفترة وما قبلها التعرف على أعمال أدباء روس وسوفييت عمالقة بدء من الشاعر الكبير “ألكسندر بوشكين ومرورا بليف تولتسوي وأنطوف تشيخوف وفيودر دوستويفسكي وغيرهم”، وانتهاء بأعمال كتاب الحقبة السوفيتية أمثال ميخائيل بولغاكوف وجنكيز أيتماتوف.
هذه الترجمات الأدبية المتميزة تمت بأقلام مترجمين متميزيين أمثال المترجم السوري الدكتور سامي الدروبي، الذي ترجم أعمال دوستويفسكي إلى العربية عبر اللغة الفرنسية، والأديب اللبناني ميخائيل نعيمة، والمترجم الفلسطيني سليم بقعين، والروائي العراقي غائب طعمة فرمان، الذي ترجم أكثر من مئة كتاب عن الروسية، والأديب المصري الدكتور أبو بكر يوسف، والشاعر العراقي حسب الله جعفر، والشاعران السوريان إبراهيم الجرادي والدكتور أيمن أبو شعر.
أغلب إبداعات هؤلاء المترجمين كانت تطبع وتنشر عبر دور نشر ذاع صيتها لدى القارئ العربي مثل دار رادوغا ودار التقدم للنشر.أما اليوم فأرى أن تسارع الأحداث واختلاف نمط الحياة وظهور وسائل اتصال سريعة فرض نمطا استهلاكيا سطحيا للترجمة عموما، إذ قلما نجد في المكتبة العربية اليوم كتبا روسية أدبية مترجمة حديثا، في حين يكثر انتشار المقالات والأخبار المترجمة والمواد الدعائية عن روسية في صفحات الانترنيت. الزمن اختلف واختلفت المتطلبات والاهتمامات، لم يعد زمننا زمن شعر أو نثر ربما، بل زمن ترويج للسياحة والاقتصاد والمواقف السياسية، وهذا ما تعكسه الترجمات الحالية من اللغة الروسية.
5. هل انت مع الترجمة الحرفية للاعمال او ترجمة الافكار، وما الفرق بينهما؟
هذا السؤال دائما ما يوجه للمترجمين، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على قلة إلمام بحثيثات الترجمة. وأنا هنا أقول إن المترجم الماهر ينبغي عليه ان يجمع بين الترجمة الحرفية وترجمة الأفكار في آن، وهذا الأمر له علاقة بالدرجة الأولى بامتلاك المترجم لأدواته، وأقصد هنا مدى تمكنه من لغته الأم واللغة التي يترجم عنها. لكن مع ذلك أجيب عن سؤالك على النحو التالي: اختيار أسلوب الترجمة يفرضه النص في المقام الأول، هنا الفرق في الترجمة بين النصوص العلمية والأدبية.
والمترجم عليه في كل الأحوال ان يكون دقيقا، لكن الحرفية لا تعني دائما الدقة في نقل المعلومة، لذا يلجأ الكثير من المترجمين بعد ترجمة النصوص حرفيا إلى إعادة تحريرها وصياغتها بما يتناسب وتركيبة النصوص العربية، بعضهم من يضيف إلى تلك النصوص كلمات جديدة لتقريب فكرة النص.، لكن الكثير من المترجمين العرب الكبار الذين ذكرتهم سابقا كانوا يركزون، خاصة في الترجمات الأدبية على نقل الأفكار ويعيدون تأليف النصوص محافظين في الوقت نفس على “روح” النص والعمل الأدبي بشكل عام، وهذا برأيي هو الأهم في عملية الترجمة.
6. منذر البوش انت مترجم صاعد اخبرنا عن عملك في الترجمة ؟
أنا مع الأسف أسبح حاليا مضطرا مع موجة الترجمة القائمة حاليا، وذلك بحكم عملي الصحفي، الذي يأخذني في هذا اتجاه ترجمة المواد الصحفية السريعة، بدأت علمي في مجال الترجمة بعد تخرجي من جامعة سان بطرسبورغ الروسية عام 1995. أغلب أعمال الترجمة التي قمت بها كانت ترجمات صحفية، كما ترجمت عددا من الأفلام السينمائية للتلفزيون السوري ومجموعة من الأفلام الوثائقية ضمن سلسلة “الإجماع” التي تتحدث عن جملة من القوسم المشركة بين الشعوب الإسلامية العربية وغير العربية، وهي من تأليف وسيناريو المستشرق الروسي البروفيسور يفيم ريزفان. وأنا حاليا أتعاون مع المستشرق نفسه على إنجاز مشروع مسرحي و سينمائي كبير آمل ان يرى النور في المستقبل القريب.
7. كيف ترى تقبل المواطن العربي للأدب والثقافة الروسية بظل الاختلاف الحاصل اليوم في السياسة وفي الأوساط العربية والروسية الثقافية؟
لا اعتقد أن موقف القارئ العربي من السياسة الروسية الحالية في المنطقة سينعكس بشكل كبيرعلى موقفه من الأدب والثقافة الروسية بالعموم. الثقافة الروسية حجزت على مدى عقود طويلة، قبل وأثناء الحقبة السوفيتية بشكل خاص، مكانا لها في قلوب القراء المتابعين، وللأدب الروسي طابع ونكهة مميزتان لا يمكنك الاستغناء عنهما. لكن قد أوافقك الرأي في أن الموقف السياسي غالبا ما يشكل تصورات مسبقة تؤثر على تقبل أمور عدة ومنها الأدب. بالنسبة للأدب الروسي المعاصر وأقصد في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي فأعتقد انه مجهول بالنسبة للقارئ العربي لأسباب عدة، منها قلة الترجمات الأدبية إلى العربية، وقلة الأقلام الروسية المميزة ربما في هذه الفترة.
في الفترة ما بعد السوفيتية طغت ربما الحياة الاستهلاكية على المجتمع الروسي وهذا ما افقد الحياة الأدبية الكثير من رومنسيتها. هذه الحقبة لم تنتج عمليا رويات وملاحم أدبية كما عهدنا في الفترات السابقة وإنما قصصا قصيرة غلب عليها طابع الفانتازيا والسير الذاتية، إضافة إلى انصراف بعض الكتاب إلى تأليف سلسلة من الكتب التي تتحدث عن العلاقات الزوجية وحياة النجوم والأبراج وتأثيراتها على في الحياة، إضافة إلى ظهور الكتب السياسية المتنوعة والعملية. مجمل القول إن الحياة الأدبية تشابكت مع الحياة الصحفية والفنية وربما السياسية لتشكل خليطا غزير الانتاج قليل التفرد والتميز.
8. كيف تقيم الاعلام الروسي الموجه للشعوب العربية ؟
خلال السنوات الخمس الماضية شهد هذا القطاع تطورا ملحوظا مع ظهور فضائيات ومواقع إلكترونية إخبارية روسية ناطقة بالعربية، لكن هذه القنوات الإعلامية هي قنوات ممولة من الحكومة الروسية وقد جاءت ربما ردا على الاجتياح الإعلام الغربي للعالم العربي. الروس أدركوا ان الصورة التقليدية التي كونها المواطن العربي عن روسيا كوريثة للاتحاد السوفيتي ينبغي أن تتغير، كما أدركوا أن تسويق سياساتهم في المنطقة العربية يحتاج إلى قنوات إعلامية ضخمة. لكن مع الأسف لم تستطع هذه القنوات إلى الآن تأدية وظيفتها الأصلية وذلك بحكم ارتهانها للموقف السياسي للإدارة الروسية الذي ينظر إليه العرب عموما على انه موقف متذبذب. كما ينظر الكثير من العرب إلى أن هذه القنوات تفتقر إلى الحرية الإعلامية بحكم هذا الارتهانـ وهو ما ينفر المتلقي العربي منها، خاصة في هذه الفترة الحرجة من حياة العرب التواقين إلى الحرية والمعلومة الموضوعية على الأقل. من جهة ثانية تعاني هذه القنوات ربما من قلة الخبرات الإعلامية المتميزة التي تستطيع التواصل مع المتلقي العربي.
9. هل ترى بان الهوة تتسع بين الثقافة العربية والروسية ؟
لا على العكس، جسور التواصل بين الثقافيتين الروسية والعربية أصبحت أكثر بحكم تطور وسائل الاتصال وظهور الفضائيات وكثرة المراسلين العرب في موسكو والروس في العالم العربي.
10. كيف تقيم الدعاية المتبعة بالاعلام الروسي ضد “الاسلام فوبيا”بالوقت الذ تعيش فيها جالية اسلامية؟
هذا الموضوع له حساسية خاصة في روسيا، خاصة وأن روسيا تضم بين مواطنيها حوالي 20 إلى 24 مليون مسلم، وترتبط كذلك بعلاقات وثيقة مع دول إسلامية من الفضاء السوفيتي السابق . الإعلام الروسي يتعامل بحذر شديد مع هذه المسألة وخاصة أن روسيا عانت خاصة في الفترة ما بعد السوفيتية من تداعيات محاولات انفصال الشيشان عنها وما سببه ذلك من خلافات سياسية تحولت لاحقا إلى نزاع دموي تجسد في حروب الشيشان وسلسلة التفجيرات الكبيرة التي حدث في بيسلان وموسكو وداغستان وغيرها، لكن مع الأسف هناك تركيز في وسائل الإعلام الروسي على ملاحقة الأجهزة الأمنية للجمعات الإسلامية المتطرفة، وهذا أعتقد أنه يساهم في تكريس الإسلام فوبيا لدى الروس رغم ان السلطات السياسية الروسية تحاول قدر الإمكان أن تمايز بين الإسلام المتطرف و الإسلام بأفكاره التقليدية السمحاء، إلا الصورة التي رسمها الإعلام الغربي للإسلام حاضرة اليوم بقوة في روسيا، ومن الصعب ربما في ظل الانفتاح الإعلامي والتواصل الاجتماعي للروس مع العالم ان يستطيع الإعلام الروسي قلب الأمور رأسا على عقب