على مدار الفترة السابقة، اعتبرت إسرائيل نفسها، بأنها لا تشعر بأيّة تهديدات حقيقية من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية، المتواجد على مساحات واسعة من الشرق الأوسط، وذلك بناءً على عدم رصد أجهزتها الأمنية لأيّة خيوط، تفيد بأن هناك أخطار واضحة، توحي بأن التنظيم سيتجه بقتاله نحوها، بسبب انشغالاته بمسألة ترسيخ الدولة وتوسيعها، من خلال مواصلة القتال (دفاعاً وهجوماً) على عدّة جبهات محليّة ودوليّة.
برغم ذلك، فإن إسرائيل لم تقُم بإسقاط التنظيم من أجندتها، باعتباره عدوّاً حقيقياً لها، بسبب توجّهاته الإسلامية كأساس، وبسبب تفكيره باتجاه ضرب النظم العربيّة في المنطقة، وصولاً إلى تعظيم الدولة بمقربة من حدودها، ولذلك فقد عملت على مُضاعفة احتياطاتها الاحترازية، لِما يُمكن أن يتسبب في مواجهات محتملة، بل وبدت في أحيانٍ مُتقاربة، كمن تستعد للحرب ضده.
فخلال حالة الأمان التي شعرت بها، كان الجيش الإسرائيلي يقوم بتكثيف تمريناته العسكرية الحيّة، داخل بيئات مُشابهة ومختلفة تحسّباً لمواجهته، وحرصت الأجهزة الأمنية بعمومها، على بذل جهودها الاستخباراتية باتجاه سياساته وتحركاته، وخاصةً باتجاه فرعه المتواجد بالقرب من الحدود الشمالية في منطقة الجولان السورية، أو باتجاه فرعه المتواجد بالقرب من الحدود الجنوبية في سيناء.
خلال الآونة الأخيرة، استقبلت إسرائيل ولأوّل مرّة، تهديداً مُفاجئاً من قِبل التنظيم، وبرغم عدم مبالاتها به باعتباره مضيعة للوقت، إلاّ أنه مثّل بالنسبة لها، تطوّراً غير ساراً ومُثيراً للقلق أيضاً، جعلها لا تنام إلاّ بعينين مفتوحتين، سيما وأن التهديد بدا جادّاً، وغير مُعتاداً، إذ نطق باللغة العبرية، وحمل في إطاره وعداً بقرب المواجهة معها، وباستمرار تلك المواجهة إلى حين زوالها من البلاد، ومُعتبراً أن الهبّة الفلسطينية الدائرة، ما هي إلاّ البداية.
في أوقات لاحقة، صدرت مجموعة متفرقة ومتجانسة من التهديدات، وكان أبرزها ما صدر عن أمير التنظيم نفسه “أبوبكر البغدادي” من أن إسرائيل لن تفلت من دون عقاب، وبأن طلائع المجاهدين ستقوم بحصارها خلال يومٍ ما، ودعا صراحة لتنفيذ هجمات ضدها.
تهديدات “البغدادي” جعلت إسرائيل، في حيرة من أمرها، بين مكوثها على اللامبالاة بها، وبين الاكتراث بفحواها، ففي حين اعتبرتها بأنها مجرّد تهديدات لفظية، وأنها لن تنقبض بشأنها، سيما وأنها ترى بأن التنظيم لا يزال بعيداً عن كونه قوّة، تُمكنه من مواجهتها، ومن ناحيةٍ ثانية، كانت لديها تفضيلات، باتجاه الوقوف بجديّة أكبر ضد التهديدات الآتية من طرف تنظيم حزب الله اللبناني، أو من حركة حماس، بدلاً عن تهديدات لم تُسفر عن شيء، وأنها تجيء فقط لجذب المقاتلين إلى صفوفه، ومن أجل تخفيف وطأة الحرب ضد دولته.
فقد كانت هناك أحياناً أخرى، حصلت فيها تلك التهديدات على مرتبة متقدّمة لديها، وذلك بناءً على تطورات مهمّة، نقلتها تقارير أجهزتها الأمنية، بما فيها التصريحات التابعة لرئيس جهاز الموساد الإسرائيلي الجديد “يوسي كوهين”، الذي اعتبر بأن التهديدات قد تُصبح حقيقية في يومٍ ما، خاصة وأنها أصبحت مواجهتها استخباراتياً ليس سهلاً، بل وسيكون أمرها في غاية الصعوبة، حيث ستجد – حسب تصريحاته- أجهزة الدولة الأمنيّة، عقبات كبيرة قبل الحصول على معلومات عن نشاطات التنظيم، بسبب اعتماده على السريّة التامّة، والتي تُمكنه من تنفيذ أعمال عسكرية، دون وجود تحذيرات استخباراتية مسبقة.
بلا شك، فإن التصريحات الفائتة، لم تكن قد صدرت هكذا، بل تقديراً على نشاطات التنظيم المُفاجئة، والتي طافت أنحاءً من العالم، وكان ما وقع للعاصمة الفرنسية، دليلاً واضحاً، حيث تلقّت (باريس)إحدى ضرباته، خلال نوفمبر الماضي، بحجة مشاركة الفرنسيين في الحرب ضده، إضافةً إلى العلم التام، بحرصه على إثبات أن له من القدرة في اختيار الأماكن الجيّدة لتنفيذ هجماته، أو الجبهات التي يمكن أن ينطلق منها، بنفس القدرة التي يتمكن خلالها من تجنيد مقاتلين.
على أي حال، فإن إسرائيل تشعر الآن بالقلق أكثر من أي وقتٍ مضى، والذي لا يُمكنها إخفاؤه بسهولة، وتزايد بدرجة ملحوظة، بعد الحادثة الأخيرة التي تم تنفيذها بإطلاق النار على إسرائيليين في العاصمة السياسية (تل أبيب)، وأسفرت عن وقوع قتلى ومصابين، فعلاوة على أنها اضطرّت غالبية الاسرائيليين إلى الإعلان عن فقدانها الشعور بالأمن، فإن الجهات الأمنيّة بدت أكثر انزعاجاً، وخاصةً بعد أن أصبحت الحادثة، لغزاً غامضاً، يصعب عليها حسمه، فيما إذا كان مُرسلاً من التنظيم أو من أي جهةٍ مُعاديةٍ أخرى.