سامح
الكاتب

لا للمخدّرات الفنّية ونجومها

كتب سامح سمير / كما هو مُعتاد في مصر والعالم العربي بشكل عام، شهر رمضان ثم عيد الفطر وعيد الأضحى يُعتبرموسم وسباق هام  لعرض الأعمال الفنية من مسلسلات وبرامج وأغاني. ثم ركوب موجة الأكثر مشاهدة طوال العام  وهي اللغة التي  فرضتها ورسخّتها مواقع  التواصل الاجتماعي  بصرف النظر عن المحتوى.

يتسابق الجميع في كيل المديح وإستضافة نجوم الأعمال التي حققت أعلى نسبة مشاهدة ليحققون هم أيضا أعلى نسبة مشاهدة. نحن هنا لن نمدح ولن نركب الموجة، ليس من منطلق خالف تعرف مثلا أو ما شابه، وليس من منطلق المثالية أوالتظاهر أو المزايدة بها. بل من منطلق المفهوم الحقيقي للنجاح والفشل، الصحة والمرض، الحقيقة والوهم ، القوة والضعف، التعاسة والسعادة.

سنضرب مثال لمحاولة التبسيط :

حينما يذهب أي شخص منّا إلى الطبيب لوجود مشكلة ما أو ألم في عضو ما من أعضاء الجسد، ما المطلوب من الطبيب؟ المطلوب هو تشخيص الحالة بالضبط وعمل العلاج اللازم لإرجاع العضو الى صورته وحالته الطبيعية والسوّية  والفطرية السليمة والتي يَعرفها ودَرسها الطبيب مسبقا. والمريض يعرف هذا جيدا  ويعرف أنه اذا لم يحصل هذا سيظل العضو مريضا والألم قائم والخطر في زيادة وليس في نقصان والضعف وعدم السعادة قادمين أيضا لا محالة، هذا بالنسبة للدواء. بالنسبة للغذاء، لماذا نتناوله من طعام وشراب؟ لكي نحافظ على الحالة الطبيعية والسوية والفطرية للجسد من خلال إمداده بالطاقة اللازمة وتعويض ما يلزم. إذن الغذاء من أجل الحفاظ على الحالة السوية والطبيعية للجسد والدواء من أجل إرجاع الجسد إلى هذه الحالة.  ولأن هذا أمر مادي ملموس محسوس ونتيجته وقتية سريعة إلى حد ما ، فمعظمنا إن لم يكن جميعنا يدرك هذا جيدا مهما كان مستواه الثقافي أو الاجتماعي بسيط ومتواضع. هناك عضوان أخَران مهمّان جدا من أعضاء وكيان الانسان بل أهم من الجسد، هما النفس التي  تحوي المشاعر والأحاسيس والوعي والمواهب والملكات وكل النواحي المعنوية وفيها  الشخصية وهي الإنسان نفسه والعقل  الذي يحوي الفكر والمعلومات المُحرَكة والمّوجهة لنا والتي نتخذ جميع قرارات حياتنا بناء عليها. يجب أيضا أن يكون الغذاء والدواء الذي يُقدم لهما يحافظ  لهما على الصورة والحالة الطبيعية والسوية والفطرية والصحّية لهما بل ويُرجعهما إليها بشكل مستمر. ولكن لأن هذه أمور ليست مادية ملموسة وآلامها و نتائجها ليست وقتية سريعة، للأسف الكثير مناّ لا يَشعر بمدى  خطورة  ما يحدث لنفسه وعقله عندما يستقبل عمل يُسمى فنّي وهو بعيد كل البعد عن الفن السوي والصحي .لأنه لا يحافظ على صحة وسلامة النفس والفكر(العقل). والتأثير المُدمّر يكون على المدى البعيد من فشل وتأخر وتخلف الشعوب وجعلها عرضة  للتلاعب  من الداخل  والخارج ناهيك عن الفشل على المستوى الشخصي والأسري وانحطاط  الأخلاقيات واختلال القيم والمقاييس وعدم الإتزان النفسي وعدم القدرة على  إتخاذ القرارات الصحيحة  في كل جوانب الحياة من زواج وطلاق ودراسة وعمل وبالتالي الضعف وعدم السعادة والحياة التعيسة البائسة ثم الموت الذليل المهين وفي النهاية الحساب والعقاب من الله سبحانه وتعالى لأن من يقوم بهذه الأعمال هو ظالم لمن يقبلها ومن يقبلها هو ظالم لنفسه. هل منتجين ونجوم هذه الأعمال من أغاني ومسلسلات وأفلام  ومسرحيات هل هم  يدركون هذا؟  انهم مثل الطبيب الفاسد أو الفاشل الذي يتاجر بمرض مرضاه ولا يعالجهم بل يخدرهم أو يعطيهم دواء يزيد من  آلامهم ومعاناتهم ليظل دائما في استغلال  دائم  لهم. ومثل البائع الذي يقدم سلع على أنها للتغذية وهي فاسدة مغشوشة لاتُسمن ولا تغني من جوع بل تضر ولا تحقق الهدف من الغذاء نفسه. ومثل تاجر وصانع المخدرات الذي كلما زادت أرباحه ومبيعاته وزبائنه، كثرت ضحاياه وجرائمه كماّ وكيفا. إنه يزيد ويربح ما  ينقصه ويخسره المجتمع. بل هو يركب الاخرين مثل الدواب ليصل بهم لأهدافه من الشهرة والمال. وياريتهم سيوصلونه بأجر أو حتى بلا أجر بل هم من يدفعون له أجرة توصيلهم  له من سلامة وصحة نفوسهم وعقولهم و فكرهم ووقتهم و مالهم أيضا. الأولى بمن يقدم مثل هذه الأعمال المسماّه بالفنية من تمثيل أو غناء ويحقق مشاهدات مرتفعه أن يبكي بدلا من أن يضحك  ويحزن بدلا من أن يفرح ويخجل بدل من أن يظهر في الشوراع والبرامج بكل وقاحة ويُستقبل إستقبال الفاتحين من أناس ذوي نفوس مُنهارة مهزومة تبحث عن بطولة وهميّة ونجاح  ورمز وهمي وإضافة نوع من الشرعّية و البريق لما هم عليه من إنحرافات. فمشاهدات أكثر تعني ضحايا أكثر وفشل مستقبلي مجتمعي قادم لا محالة أكثر وحساب عند الله سيكون أكثر وعقاب أكثر.ولا يقول سفيه مرتزق عبد للمال ( الناس عايزة كده) لأن مدمنين المخدرات أيضا يريدونها وتحقق مبيعات مرتفعه بينهم ويحتاجونها ليس للغذاء أو الدواء بل للهروب وللإنفصال عن الواقع وعدم الشعور بما يجب عليهم فعله وماهم مقبلين عليه.ولا يقول سفيه اخر، الناس لا تريد أعمال ( دمها ثقيل) من قال أن الفن ذو الجودة وذو القيمة من تمثيل وغناء  بالضرورة أن يكون كئيب أو ممل. توجد أعمال عربية وعالمية لا حصر لها مضحكة ومسلية ومثيرة لكن هادفه ومُعبّرة مبنية على أساس قصة ورواية وإتجاّه وفكر تبني الإنسان لا تهدمه. وأغاني ذات الحان مَرحه ذات ابداع وموهبة وجهد ملموس وكلمات مؤثرة لها معنى وقيمة.فنّ يُسليّ ولا يُلهي عن الواقع والمستقبل ، يُغذي ويعالج ولا يُخدّر يبني ذوق الإنسان ويرتقي به لا يدمره ويجعله  يرغب في كل ماهو قيم وذو جودة، يرتفع ويرتقي به لا ينزل به إلى الأسفل، ويجعله إنسان حقيقي قادر على بناء مستقبل ناجح وقوي له ولأسرته ولبلده. أقول  لتجار وصناع المخدرات الفنّية من تمثيل وغناء مشكلتكم هي إرادة السوء حيث أنكم أردتم السوء واخترتم الطريق السهل السريع المنحرف والخبيث أيضا فالربح من تخدير الناس أربح وأسهل وأسرع من الربح من علاجهم وتغذيتهم.حيث ركوب المُخدَرين والمُدمرة أذواقهم  أسهل بكثير من العمل مع الواعيين الفاهمين العارفين الحريصين على صحتهم وسلامتهم النفسية والفكرية وقوتهم ونجاحهم وسعادتهم المستقبلية. وأقول لمشاهدين ومستمعين ومستهلكين هذه المخدرات الفنية من تمثيل وغناء مشكلتكم في سوء الإرادة حيث ان إرادتكم سيئة، ليس عندكم الوعي و الجرُاة والشجاعة والإرادة أن تقولوا لا .. لا.. لا  للمخدرات  الفنيّة التي هي أخطر من المخدرات المادية، نحن نستحق أعمال ذات قيمة وجودة لا نريد أن نصبح مرضى نفسيين وأفكارنا كلها مشوّشة ومشوّهة.  لن نسمح لأحد  ضعيف القيمة والجودة مرتزق، مُحدث نعمة، باحث عن المشاهدات من أجل الشهرة والثراء السريع والسيارات والطائرات بإستغلالنا و ركوبنا نحن وأبناؤنا للوصول الى أهدافه الدنيئة على  حسابنا.وأقول للطرفين معا تذكروا أن المخدرات هي أصلا ليست من الإحتياجات الطبيعية للجسد مثل الغذاء والدواء ومع  ذلك المدمن يقبل عليها إقبال شديد أكثر من إقباله ورغبته في الطعام نفسه الذي هو أصلا إحتياج طبيعي وأساسي للجسد، لأن جسده تعوّد وأدمن على الخطأ  والغير ضروري فأصبح ينفر من الصواب وماهو ضروري. فلا يغرنّكم كثرة الإقبال والمشاهدات للمخدّرات  الفنيّة فما هي إلا ظاهرة مَرضّية ومؤشر شرّ ليس خير.وعمليّا كلا الطرفين مُدمن ويحتاج العلاج والعودة للإتجاه السَوي الصحي، الأوّل أدمن الشهرة والمال والبطولة والنجاح الوهمي والآخر أدمن التخدير والغياب عن الواقع والوهم.فالغذاء والدواء هما وجهان لعملة واحدة، الغذاء هو دواء والدواء هوغذاء، مهمتها الحفاظ على صحة وسلامة جميع أعضاء ومكونات الكيان الإنساني الثلاثة، النفس وهي الأساس والعقل (الفكر) والجسد طبعا، لكن ليس الجسد فقط. والآن بعد أن قلنا لهذا وذلك، هل يمكن أن يقول لنا أحد الى أين نحن نسير في ظلمة هذا الدرب العسير؟؟؟

سامح
الكاتب

أوكرانيا اليوم

إقرأ المزيد:

كتب د.خالد ممدوح العزي…الحرب في أوكرانيا  تجارب للسلاح بين الغرب وروسيا

 

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …