هادي جلو مرعي / يعبر مشتغلون في حقول الفن والكتابة عن قلق عميق نتيجة سيطرة الإسلاميين على الحكم في بلدانهم ،خاصة بعد نجاح ثورات الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر واليمن وإسقاط الأنظمة الشمولية ، وهي الثورات التي فجرها شبان طامحون وغاضبون من غياب الفرص المتساوية، وكان الغالب منهم يعيش حالة إحباط في عالم متفجر بعلوم الحاسوب والحراك الإقتصادي المتسارع والتقدم الذي تشهده بلدان متحضرة ينظرون إليها لكنهم محرومون من الوصول الى ماوصلت إليه ،أو حتى محاكاتها على الأقل ،وكانوا يعتقدون إن أنظمة الحكم هي السبب في كل ماعانوا منه،وإن إسقاطها هو السبيل الى التحرر والتحول، لكنهم كانوا يفتقدون الى التنظيم وحسن التدبير ،ولم يشعروا إن الأخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس وحركات العمل السلفية في اليمن وليبيا يمكن أن تخطف كل منجز الثورة وتحوله لصالحها في غضون ساعات وبمجرد الإشارة لأنصارها بالنزول الى الشارع وعند شعورها الكامل بأن النظام الدكتاتوري بدأ بالإنهيار،ثم بإصدار بيان أو بيانين عن ضرورة الإنقضاض على بقاياه ورموزه وتخليص البلاد والعباد من شروره،ولايمضي يوم الثورة الأخير إلا وقد سقط النظام،ثم يجد الشبان الثائرون أنهم تحت حكم لابد لهم من الإستسلام له راغمين فهو يمتلك التنظيم والتمويل وماهم إلا مجموعات غاضبة على ( أب منشغل بالزواج من عدة نساء وببناء الفلل والقصور وتمتيع زوجته الصغرى وأولاده منها بينما أهمل شأنهم بالكامل ). لكن هل من الحكمة الكاملة إعلان الإصابة بمرض ( الرهاب ) من حكم الإسلاميين ؟خاصة وإن المثقفين من كتاب ومسرحيين وشعراء وفناني سينما أشاروا في تصريحات وتلميحات إن الإسلاميين سيغيرون من نمط الحياة السائد ،وأنهم سيضيقون على العمل الإبداعي ،وربما سيلاحقون أصحاب الرأي الحر،وفي الغالب كانوا يضربون المثل بإيران بإعتبارها أنموذجا لنظام ديني متشدد أرغم النساء على إرتداء الحجاب وغيّر من نمط العمل السينمائي وظروف الحياة الطبيعية والمتصل منها بالإبداع تحديدا،لكن إيران ضربت مثلا بالإنضباط أكثر من التشدد وصارت تحصد الجوائز الفنية في المسابقات السينمائية الكبرى ،وتصدر المسلسلات التي تروي سيرة الأنبياء والصالحين عبر تاريخ البشرية،بينما نجحت تركيا في غزو العقول والقلوب بعد فوز الإسلاميين وحكمهم للبلاد وهاهي السينما التركية والدراما تنتزع الريادة من مصر وسوريا وتسيطر على الشاشات العربية. الفرق أن الإيرانيين والترك ليسوا عربا ،ولايفكرون كما يفكر السياسيون العرب ،وكذلك الإسلاميون الذين يهتمون بالمظهر على حساب الجوهر، ولايعلمون العبد المسلم كيف يهذب نفسه وذاته ويبتعد عن الممارسات الخاطئة دون أن يهدده أحد ما ،أو أنه يبتعد مخافة الرقيب الحاكم بإسم الله ،لا لأنه يخاف الله !. المجتمعات الإنسانية أقوى بكثير من السياسات الخاطئة فإذا إتبع الأخوان المسلمون وبقية الحركات الصاعدة في المنظومة العربية أخطاءا من العيار الثقيل ولم ينجحوا في حسم ملف الإقتصاد والأمن ووضع الخطط طويلة الأمد لنهضة بلدانهم فإنهم سيكونون كما كانت الأنظمة الساقطة عرضة لثورة ثانية وثالثة،وعلينا أن نضع في الحسبان إن الأجيال الحالية والقادمة من المواطنين العرب لايمكن السيطرة عليها كما كان الحال في السابق لأنها لم تعد محكومة بسطوة الأنظمة فقد عبرت الى فضاءات بعيدة ،وصارت تنزل من أعلى الى الميادين وتحاصر أنظمة الحكم وتغيرها. ثم إن طبائع الناس لاترتهن الى سياسات بعينها تلزمها بالإبتعاد عن مظاهر الترف والحياة الدنيوية التي هي طبع غالب على الحاكم والمحكوم،وهاهي الحياة في إيران وبمرور الوقت تشهد تحولا حيث ينزل النظام الإسلامي عند حكم العامة ويوظف الفكر والعقيدة ليكونا موائمين لروح العصر والتغيير،وفقط مثال بسيط عن المرأة ،فتلك التي كانت تتلفع بعباءتها حين يتحدث رجل دين،أو حين تذهب لزيارة الأماكن المقدسة ،أو حين تتبضع أو تدخل الجامعة،هي غير التي خرجت الإن من رحم تلك التي مضت فالمرأة الإيرانية الحالية إستطاعت ان تفرض شروطا مغايرة عن تلك التي فرضت عليها مع إنطلاق الثورة الإسلامية،وإذا كانت الجماهير أقوى من الطغاة كما كان ينادي الفرنسيون فإن الشعوب أقوى من السياسات إذا كانت قومية أو إسلامية أو لبرالية متشددة . فلاتخافوا من حكم الإسلاميين ،وإمنحوهم الفرصة كما منحتموها لحثالات البشر فحكموكم لعقود.
المقالات التي تنشر بالموقع تعبر عن رأي اصحابها و ليس بالضرورة عن راي الموقع