لسنا بخير ..والمصالحه خطوه على الطريق… بقلم ..فارس مصبح… المشهد الفلسطيني الداخلي مزدحم بالاحداث وجهود المصالحه تتصدر الموقف وسقف التوقعات والامال يزداد يوما بعد يوم تفائلا بما هو افضل..لكن الملفت للانتباه ان حالة الاجماع الرسمي والشعبي ومن كل الاطراف المعنيه بالمصالحه لم يشهد لها مثيل في السنوات الاخيره من عمر الصراع.. فالجميع يرى بالمصالحه ضروره واولويه ملحه ويتمنى لها التوفيق . وهذا مؤشر لايمكن تجاهله ويجدر البناء عليه واستثماره لاسيما بعد ان احيطت المصالحه بحاضنه اقليميه مثلتها مصر الشقيقه التي اظهرت حرصها واصرارها على طي صفحة الانقسام، وما هذا الحضور الدائم في رعاية جلسات الحوار وتذليل كل العقبات التي تواجه المتحاورين في تفاصيل الملفات المطروحه للنقاش الا اكبر دليل على ان الامور تسير باتجاهات ايجابيه تحملنا على التفاؤل بان الانقسام بكل شروره وتداعياته الكارثيه اصبح خلف ظهورنا.. حتى الذين ترددوا وراهنوا على الشيطان واعوانه سيجدون انفسهم مكرهين على المضي قدما باتجاه طي صفحة الماضي امام هذا الاصرار على تجاوز كل التحديات والعقبات … لكن ما اود الاشاره ولفت الانتباه له اننا امام واقع معقد ومتشابك بكل تفاصيله لا يمكن فك الغازه الا بتحديد اولوياتنا عبر تشخيص اصل العله والداء.. وان نقر اولا واخيرا اننا امام اشكالات وتحديات اكبر من تلك التفاصيل الخلافيه فيما يتعلق بملفات عديده على اهميتها وضرورتها،فلا قضية ازمة الموظفين ولا الملف الامني ولا تحديد الصلاحيات ولا تمكين الحكومه او العوده عن كل الاجراءات الاستثنائيه التي اصابت حياة المواطنين بمقتل ولا حتى ازمة الكهرباء والماء والدواء من شانها ان تفجر الاوضاع او تعصى على المتحاورين لاسيما ان هذه المصالحه التاريخيه جاءت عطفا على ما تم التوصل اليه سابقا في كل الاتفاقات السابقه التي لم يكتب لها ان ترى النور لاسباب وتوازنات اقليميه ودوليه لم تعد حاضره.. وهي ايضا على اهميتها وضرورتها واولويتها من شان اي حكومه خدميه تعتمد على الخبراء والمتخصيين في كل المجالات ان تجد حلولا مؤقته لبعضها ودائمه لبعضها الاخر اذا صدقت النوايا وحيد السياسيون الذين اعتادوا على الانتصار لانفسهم واحزابهم وتنظيماتهم وتطلعاتهم الشخصيه من الخوض في غمارها والتدخل في تفاصيلها… المشكله تكمن في ازمة النظام السياسي برمته، وما طرأ على المشروع الوطني بكليته من تغيرات داخليه واقليميه ودوليه لم تسنح لاحد اخضاعها لاية مراجعات نقديه او تقيميه وذلك لاعتبارات عديده.. يتكون النظام السياسي الفلسطيني من منظمة التحرير الفلسطينية التي أسست عام 1964م، والسلطة الفلسطينية التي خرجت نتيجة لاتفاق (أوسلو) عام 1993م، والحركة الوطنية التي بدأ بزوغ فجرها في عشرينيات القرن الماضي، ومؤسسات المجتمع المدني. ما سبق هي مكونات النظام السياسي الفلسطيني الذي يعاني من أزمة ومعضلة بنيوية حقيقية، قد تكون أحد أهم مسببات الانقسام السياسي، والتفسخ المجتمعي، وعلى المدى الأبعد قد تكون أحد مسببات إطالة أمد الاحتلال الصهيوني. كما ان هناك مشكلة مجتمعية تتعلق بالمجتمع الفلسطيني نفسه، فالمجتمع الفلسطيني من أكثر المجتمعات ثقافةً وتعلمًا، فالثقافة السياسية هي أحد المركبات الجينية للفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، ولكن لم ينتقل ذلك من النظرية إلى التطبيق، بمعنى أن المشكلة الرئيسة تتمثل في إحداث تغيير داخل المجتمع، وعلى وجه الخصوص داخل المنظومة الحزبية في فلسطين، فإعادة تقويم التعبئة الحزبية أو التربية الحركية أحد أشكال العلاج، والانتقال من الثنائية الحزبية التي تمثلها فتح وحماس إلى التعددية السياسية الوازنة، ومن حكم الفرد إلى حكم المؤسسة، وتعزيز سبل التعايش والمشاركة على حساب الهيمنة، كل ما سبق هي فرص حقيقية للعلاج، ولكن الأهم من ذلك أن يبدأ المثقفون والمستقلون بتأسيس شبكة مؤسسات مجتمع مدني لا ترمي إلى خدمة الأشخاص أو الأحزاب، وإنما خدمة النظام السياسي الفلسطيني والمشروع الوطني التحرري، ولتكون عنصر ضغط لمحاربة حالة الفساد والهيمنة، وتعزيز روح الوطنية، ما يؤسس لشراكة حقيقية، ولعمل مشترك يساهم في العودة والتحرير. كما ان إن العنوان الأبرز للأزمة هو أن النظام السياسي الفلسطيني يقع تحت الاحتلال، وهذا ما يعمل على خلق إشكاليات حقيقية أمامه، تؤدي إلى تحديد مكوناته، وحركته التي تظل مقترنة بواقع قوانين الاحتلال، وسيطرته الفعلية على جزء كبير من الموارد المالية للنظام، والكثير من التقييدات الأخرى السياسية . . الاحتلال يؤثر مباشرة وبطريق غير مباشر أيضاً في كل نشاطات السلطة الفلسطينية . هذا هو الجانب الموضوعي الأبرز في الأزمة . أما الجوانب الذاتية في بنية النظام السياسي فتتلخص في جوانب عديدة أبرزها: غياب حدود الصلاحيات بين رئيس السلطة من جهة، وبين صلاحيات رئيس الوزراء ورئيس المنظمه. بمعنى انه لا وجود للفصل بين السلطات الثلاث . السلطة التشريعية منتهية ولايتها منذ سنوات وهي معطلة بالكامل . السلطة التنفيذية، تتدخل في الأخرى القضائية، الأمر الذي يساعد على خلط الحابل بالنابل، ويؤدي إلى ضياع الفواصل في الأداء السياسي للسلطة التنفيذية، المبنية أساساً على تفرد رئيس السلطة بالقرارت السياسية . ثم إن هناك جوانب عديدة مثل، إن البرنامج السياسي للسلطة المتلخص في إقامة دولة فلسطينية على كامل حدود العام ،1967 دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف، لا يرتبط في أساسه على العامل الفلسطيني، بمعنى الوصول إلى ميزان قوى مع الكيان يفرض عليه الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وإقامة هذه الدولة العتيدة، وإنما ونتيجة لتوقيع اتفاقيات أوسلو المشؤومة، تم ربط تحقيق هذا المشروع بالموافقة “الإسرائيلية” وهذا لم يحدث، ولا يحدث، ولن يحدث . الأمر الذي يستدعي بناء استراتيجية فلسطينية جديدة متوائمة مع المخاطر الصهيونية . استراتيجية تعتمد على النهج الأساس في إجبار الدولة الصهيونية على الاعتراف بحقوق شعبنا الفلسطيني وحقوق أمتنا العربية أيضاً، استراتيجيه كفاحيه لا تستثني ولا تسقط ايا من خياراتها السلميه والعسكريه مع ضرورة ترتيب اولوياتها بعيدا عن استفراد كل طرف بخياراته سواء كانت تفاوضيه او مقاومه.. الجانب الاخر في الأزمة هو وصول مفاوضات العشرين عاماً مع العدو الصهيوني إلى طريق مسدود، فالطرح “الإسرائيلي” واضح وصريح، مفاوضات في ظل الاستيطان المتغول الدائم، وفي ظل اشتراطات “إسرائيلية” الاعتراف بيهودية الدولة، ولاءات “إسرائيلية” رافضة لكل الحقوق الوطنية الفلسطينية . والادهى من هذا ان الحديث من الجانب الفلسطيني عن اية مفاوضات يستند الى حل الدولتين، أي الموافقة على قيام دولة فلسطينية على كامل حدود العام ،1967 هو مجرد استهلاك اعلامي بينما عمل الطرف الاخر على تغييب هذا الخيار عبر مجموعه من الاجراءات والتعديات اصبح بعدها من المستحيل الحديث عن دوله فلسطينيه كانت المفاوضات العبثيه غطاءا جيدا لها… وعليه… فان المدخل الصائب لتجاوز أزمة النظام السياسي الفلسطيني يتمثل في أولوية إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بما يضمن مشاركة كافة القوى، واستعادة دورها ككيان سياسي ممثل للشعب الفلسطيني ومعبر عن هويته الجماعية. وهذا يستدعي إعادة النظر في علاقة المنظمة بالسلطة الفلسطينية، بحيث تنحصر مهام السلطة في مجال تقديم الخدمات للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. الامر الاخر ..اعتقد ان طرح فكرة الانتخابات وتجديد الشرعيات واجبه وضروريه، ولكن علينا قبل كل شي دراسة الواقع وتحليله والاستفاده من تجاربنا السابقه ففي مطلع 2006م أجريت انتخابات تشريعية فازت فيها حركة حماس، وربما هذا الفوز كشف الأزمة البنيوية للنظام السياسي الفلسطيني، فلم تستطع مؤسساته التكيف مع الواقع الجديد، ولم تفلح حركة حماس في إحداث تغيير جوهري في بنيته، ورب قائل يقول: إنه من المفترض في حالات كهذه أن تكون مؤسسات المجتمع المدني هي الناظم والمؤثر في إحداث التغيير داخل المجتمع الفلسطيني، ولكن _يا للأسف_ أغلب مؤسسات المجتمع المدني هي مؤسسات ظل لخدمة أحزاب وفصائل وجهات مانحة، وبذلك فقدت دورها المحوري في تعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد، وفرض التغيير على كل مكونات النظام السياسي بقوة تأثيرها في المجتمع الفلسطيني. ان الخروج من أزمة النظام السياسي الحالي، عملية قد تستغرق زمناً طويلاً وتشترط إعادة توليد الإجماع أو فرضه حول هوية النظام، تتمحور حول صيغة نظام وطني ديمقراطي (استيعاب الاتجاه الإسلامي عبر حوار يفضي إلى توافق). وهذا ما يتتطلب حوارا موسعا يشرك كافة القوى والتنظيمات السياسبه قبل الحديث عن استحقاقات انتخابيه …واعتقد ان اعادة بناء م.ت.ف سيفتح المجال واسعا لتكون حاضنه لهكذا حوار. خلاصة القول … لسنا بوارد التقليل من اهمية حوار اطراف الخصومه ..ولكن الامر يتعلق باهمية وضروره التقدم سريعا ببناء جسو الثقه وترتيب الاولويات وانجاز بقية الاستحقاقات واطلاق مسيرة الحوار المجتمعي واشراك الكل الوطني من مثقفين ونخب وسياسين وحقوقيين واصحاب اختصاص ليطال الحوار كل جوانب المشروع الوطني وترتيب اولوياتنا بنا على ما تقدم .. فنحن لسنا بخير وما اصاب المشروع الوطني برمته يستحق منا هذه الوقفات والعالم من حولنا يتغير ولا نريد ان نكون ضحية ما يحاك من حولنا من مشاريع تصفويه استندت ولا زالت على الخلل في موازين القوى الذي دام لعقود..نحن امام مسؤوليات وطنيه مفصليه في حياة شعبنا الفلسطيني ..فان كنا لا نستطيع ان نتقدم خطوه الى الامام لنتوقف عند هذه المحطه ولنتزود بطاقات الابداع في التقييم والمعالجات البنيويه التي من شانها ان تعيد للمشروع الوطني حيويته وفعاليته ..