من يتأمل أقوال كيسنجر وهو أحد صُناع السياسة الأمريكية يدرك قواعد اللعبة السياسية الدولية حيث يقول :
(من يتحكم في مصادر الغذاء يتحكم في الشعوب، ومن يتحكم بمصادر الطاقة يمكنه التحكم في القارات كلها، ومن يتحكم في الأموال يتحكم في العالم بأسره) .
فأمريكا هي من يتحكم بقوت الشعوب، وبخاصة في البلاد العربيه و الإسلامية، حيث تعتمد دول المنطقة في قوتها على الواردات، وتعتبر مصر التي تشكل العمود الفقري لإي قوة واعدة في المنطقة أكبر مستورد للقمح في العالم. فضلا عن تحكم أمريكا بشعوب المنطقة عبر صياغة أنظمتها وبناء اقتصادها بشكل لا يمكن التحرر معه إلا بتغيير النمط الاستهلاكي وتقديم تضحيات غير مضمونة العواقب.
أما تحكم أمريكا بمصادر الطاقة فقد مكنها من التحكم بقارات العالم وبخاصة القارة الأوروبية التي تعتمد اعتمادا كليا على الولايات المتحدة في تأمينه، فهي خاضعة للولايات المتحدة لأنها تتحكم بأسعاره وكمياته وطرق إمداده. وأما الأموال فيكفي أن يكون الدولار الأمريكي هو العملة العالمية كي تُخضع أمريكا دول العالم لإرادتها واعتبار المساس بالأمن القومي الأمريكي مساسا بالأمن العالمي كله.
وانهيار الدولار الأمريكي يعني تبخر أرصدة دول العالم وإفلاسها. والحالة هذه،فإن القول بوجود صراع دولي هو تحليق في الخيال. لأن القوى الدولية وبخاصة بريطانيا وفرنسا قد استسلمت للولايات المتحدة منذ زمن بعيد ولا يوجد بينها وبين أمريكا صراع في المنطقة بل هناك تنسيق بينهم لتكبيل العرب بأنظمة وطريقة عيش لا تهدد الغرب وحضارته وقيمه ونفوذه ومصالحه. ولهذا لا يصح إيهام المسلمين وإشغالهم عن حقيقة الصراع
بأنه تكتل غربي بقيادة الولايات المتحدة ضد الإسلام والمسلمين والعرب لمنعهم من الانعتاق والتبعية والنهوض. لقد أصبح الصراع الدولي حقبة تاريخية استعمل فيها الغرب المسلمين كوقود لتصفية نفوذ بعضهم البعض، وبعد تفرد الولايات المتحدة بالموقف الدولي وتحكمها بشريان الحياة للدول الصناعية وأسواقها قادتهم للسير معها لتأمين مصالحهم على أن تبقى الكلمة الأولى والنصيب الأكبر لأمريكا.
مشكلة الفهم لدى من يتمسك بفكرة الصراع الدولي إن تبدل الموقف الدولي بعد تلاشي الدور الأوروبي الفاعل في السياسة الدولية وانهيار الاتحاد السوفياتي جعل فكرة الصراع الدولي فرضية تقود إلى تفسير الأحداث الجارية منطقيا لا واقعيا،
وهذا مابرز في المنطقة العربية بين دول متناقضة الأهداف بفعل تبعيتها السياسية لدول عظمى مما خلق صراعا بين دول تسمى نفسها محور الإعتدال و اخرى متهمة بالإرهاب.
،. أما تفسير هذه التناقضات بان بريطانيا تسير مع الولايات المتحدة في العلن وتشوش عليها في الخفاء طيلة نصف قرن دون أن تدرك أمريكا ذلك أو تضع له حدا فهو تخريف وخيال. فمن حيث الواقع، فإن هناك تنافس تجاري ومحاولات لاختراق المنطقة من قبل القوى التقليدية الكبرى والعودة إلى الشرق الأوسط ولكن من بوابة التشارك مع الولايات المتحدة وليس الصراع، وعن طريق التنفيذ وليس المزاحمة وصنع القرار، لأن ميدان المزاحمة على النفوذ والموقف الدولي ميدانه قوة الدولة الكبرى وقدرتها على فرض إرادتها وليس عن طريق عملاء خرج أسيادهم من دائرة الفعل إلى تأمين مصالح الفاعل في القضايا الدولية. إن المشاهد بالحس أن أمريكا قد حسمت الصراع الدولي وتجاوزته، وكل ما يجري يندرج في إطارالاستعمار العابر للزمن وهو استعمار مستقبل الأمم والشعوب. عبر أنظمة الملكية الفكرية والاحتكار واقتصاد السوق والخصخصة وقيم الحرية وحقوق الإنسان والعلمانية وعبر حروب الجيل الرابع وكبح تطلع أي أمة للتحرر والمنافسة القيمية والحضارية التي تلغي امتيازات الرأسمالية في احتكار المستقبل.