كتب عامر العروقي: كيف أيد قطب الثورة المصرية وعين نفسه مفتي محكمة دنشواي
21 مارس, 2017
ملفات خاصة, مقالات
الخواجة قتل المرأة وحرق الجرن، الخواجة قتل المرأة وحرق الجرن» قُتلت المرأة وحرق حرق عام 1906 في بلدة دنشواي بالريف المصري، على يد ضابط إنجليزي كان يمارس هوايته في الصيد على أرواح القرويين ورزقهم، صاح أهل البلدة بقتلها وانقض أطفالها برجالها على الضابط، مما استدعى قوة إنجليزية بمساعدة أعمد البلدة لإنقاذ الضابط، جاء الرد قاسيًا من قبل السلطات الاستعمارية الإنجليزية فحاكمت أهل القرية بتهمة القتل العمد، قدم حينها 92 قرويًا للمحاكمة بجريمة القتل المتعمد وتم إثبات التهمة على 36 منهم وتفاوتت الأحكام فيما بينهم وكانت معظم الأحكام بالجلد والبعض حكم عليه بالأشغال الشاقة وتم إعدام 4 قرويين، كان حينها مدعي النيابة المصري يدعى (إبراهيم الهلباوى) باشا، والذي نجح في تبرئة جنود الاستعمار الإنجليزي من قتل «أم صابر» وحرق أجران القمح في بلدة دنشواي، بل ونجح أيضًا في إثبات أن الإنجليز هم الضحايا، وأن أهالي دنشواي هم المذنبون.
قصة بذات الملامح مع اختلاف الشخوص والنتيجة إعدام مصطفى والبقري
السيد قطب طمع في الوصول إلى سدة الحكم حيث كان يحلم بأن يتولى إدارة ورازة المعارف فضلًا عن أنه شاعر وأديب وأحد أبناء المدرسة الرومانسية، والذي ألقته الدنيا مريضًا بالسل ومنعته قوانينها من الزواج، زج بنفسه في خضم المعرفة والثقافة وكتشف لنا (الأديب نجيب محفوظ)، وكتب أيضا روايته (أشواك)، قبل أن ينقلب على نفسه وكأنه يعاقب الدنيا بمرضه قطب العالم الاسلامي فيما بعد، أعلن ولاءه للثورة المصرية ونظام الدولة الجديد بتأييد قتل عمال كفر الدوار، كتب وبرر حادثة مصنع النسيج، في 12-13 أغسطس 1952 جرت أحداث مصنع الغزل والنسيج بكفر الدوار، والتي عرفت بأحداث كفر الدوار التي راح ضحيتها شهيدان، قضي بإعدامهما، هما محمد مصطفى خميس «أمين مخازن»، ومحمد حسن البقري «غفير»، ناهيك عن الحكم على 11 آخرين بعقوبات تراوحت بين الـ15 سنة أشغالًا شاقة والسنة الواحدة، كان مصطفى خميس يعمل بإدارة مخازن الأقمشة بشركة كفر الدوار للغزل والنسيج منذ عام 1947 وقد بدأت الأحداث مساء يوم الثلاثاء بمظاهرات قام بها العمال تأييدًا للثورة وقائدها محمد نجيب واستمرت إلى صباح يوم الأربعاء واشتعلت تلك المظاهرات في شوارع مدينة كفر الدوار وداخل الشركة في الوقت نفسه، كان العمال يهتفون بسقوط محمد حسين الجمال مدير عام الشركة الذي ينتمي إلى النظام الملكي المخلوع، بجانب زيادة أجورهم وإجراء انتخابات نقابية حرة، فاندسوا من خارج الشركة بين صفوف العمال وأشعلوا النيران في مكتب أمن الشركة وبعض مكاتب الإدارة في الوقت الذي قام العمال أنفسهم بالحفاظ على المصانع وإطفاء النيران، بينما كانت هناك اشتباكات بين الأهالي والعساكر خارج الشركة، مما ترتب عليه مقتل بعض العساكر، وأثناء المظاهرة الثورية أطلق النار من على شرفة مسكن الشركة فأصيب مصطفى في جبهته وتصادف سقوطه على أحد الجنود والذي كسرت بندقيته، فتم القبض على مصطفى، وقد أسفرت تلك المظاهرات والاضطرابات عن مصرع الجندي وإصابة 50 من رجال الشرطة والعمال، وقد أصبح «خميس والبقري» في قبضة رجالات الثورة المصرية.
سارع قطب وكتب بيديه في جريدة الأخبار مقالًا بعنوان (حركات لا تخيفنا) في عدد 15 أغسطس (آب) 1952 ما يلي عن إضرابات لعمال كفر الدوار: «إن عهدا عفنًا بأكمله يلفظ أنفاسه الأخيرة في قبضة طاهرة ولكنّها قويّة مكينة فلا بأس أن يرفس برجليه، ولكنه عهد انتهى، عهد قد مات، ولكن المهم هو أن نشرع في الإجهاز عليه، وأن تكون المدية حامية فلا يطول الصراع، ولا تطول السكرات، لقد أطلع الشيطان قرنيه في كفر الدوّار، فلنضرب بقوّة، ولنضرب بسرعة، وليس على الشعب سوى أن يرقبنا ونحن نحفر القبر ونهيل التراب على الرجعيّة و الغوغائيّة بعد أن نجعلها تشهد مصرعها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة» أيضا دعا إلى تطبيق حد الحرابة على هؤلاء العمال المتظاهرين، وحد الحرابة هو حد في الشريعة الإسلامية، يعود أصله إلى آية في سورة المائدة تقول: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ». وقد رأى قطب أن تلك الآية يمكن أن تطبق على عمال كفر الدوار الفقراء، الذين رأى فيهم أعداءً للثورة، في اليوم الذي تلا في نشر المقال، 16 أغسطس (آب) تقدم الصاغ صلاح الدفراوي من القيادة العامة لتلاوة حكم الإعدام على «خميس» والذي صدق عليه محمد نجيب بينما عرض الحكم ثلاثة من مجلس قيادة الثورة هم عبد الناصر ويوسف صديق وخالد محيي الدين. وبعدها حكم على البقري بنفس الحكم، لينفذ الحكم في 7 سبتمبر (أيلول) من العام نفسه.
الكاتبة المصرية صافيناز كاظم تروي في مقالها إنَّ محمد خميس العامل الفقير يُساق في لحظاته الأخيرة لتنفيذ حكم الإعدام بحقه، وهو يصرخ بأعلى صوت يمتلكه: «يا أمي أنا مش ممكن أعمل حاجة وحشة، فاكرة المحفظة اللي لقيتها وكان فيها عشرة جنيه؟ مش قعدت أدور لحد ما لقيت صاحبها؟ يا جدعان أنا عيالي لسه صغيرين .. عاوز أقابل القائد العام محمد نجيب والنبي .. الله؛ هو الحكم بيتنفذ كده على طول؟ يا رب على الظالم، أنا رايح أقابلك دلوقتي واشتكي لك يارب .. يا ناس محدش يعمل فيا معروف ويخليني أقابل القائد العام محمد نجيب؟ طب هو اللي بيموت مظلوم بيبقى شهيد؟»
وبعد اعوام جاء يوم 29 أغسطس (آب) 1966، وقف قطب موقفا مماثلا، حيث قررت سلطة الثورة، أن تعدمه وتتخلص منه هو الآخر، وبالفعل تم إعدام قطب بناءً على الحكم رقم 5482، ووقف يقول هو الآخر: «اللهم اجعل دمي لعنة في عنق عبد الناصر».