العنجهية الروسية وسهول اوكرانيا
لم ينتج لقاء بلينكن لافروف في جنيف بتاريخ ،21 يناير 2022، أي تسوية وخاصة روسيا تطالب بها تحت شعار الحفاظ على أمنها القومي التي تعتبر نفسها مهددة في حال تم قبول عضوية أوكرانيا وجورجيا الى حلف الناتو والتي رفضت كليا النقاش بأي حلول لحل هذه الأزمة التي اندلعت علنيا في بداية الصيف الماضي عندما كانت روسيا إجراء مناورات في البحر الأسود ونشر سلاحها المختلف تحت حجة استعراضات نارية في الميدان البحري، لكن الصوت الأوكراني والدبلوماسية الاوكرانية استطاعت استقطاب أعداد كبيرة من دول أوروبا ، مما دفع البريطاني والامريكي بالدخول الى البحر الاسود وإرسال رسالة قوية لروسيا .
اعلنت روسيا انها اوقفت نشاطها المنهج ضد أوكرانيا ولكنها باتت تحضر لعملية عسكرية واسعة ضد أوكرانيا تحدث تغيير جذري في المعادلة السياسية لكن تقرير “سي آي إن ” الذي نشر في مقالة في صحيفة الواشنطن بوست قد كشف نوايا بويتين وسيناريو الحرب الذي كان يعده لغزو أوكرانيا من خلال اربعة محاور وصولا الى خاركوف واحتلال كييف وتغيير النظام الأوكراني.
اذن الهدف الروسي هو مساومة الغرب على الانسحاب من أوكرانيا ضمن شروط بوتين عدم التحدث عن القرم ونسيان منطقة الدونباس.
بوتين يعلم جيدا بان الادارة الامريكية الحالية ضعيفة ولن تقوم بأي رد عليه بحال بحال قام بأي خطوات عسكرية نحو أوكرانيا وبالتالي يعلم أنه لا يخاف العقوبات بالرغم من أنها موجعة جدا لدولته لكنه تعايش معها.
لكن بعد الكشف عن السيناريو الخبيث للغزو دخلت روسيا في مواجهة دبلوماسية وإعلامية وسياسية مع الغرب والامريكي بالرغم من روسيا تعلم كل العلم بان عضوية أوكرانيا لن تقبل حاليا في الناتو لأن اتفاق الناتو ينص على مادة واضحة تشير بأن الناتو لن يقبل أي عضو يعيش حالة من الخلاف الداخلي والخارج كي لا يحمل الناتو همومه وهذا كافي لرفض الناتو للعضوية وتحمل مشاكل كييف.
لكن بوتين سلم الدبلوماسية الامريكية في موسكو ثلاثة نقاط في مسودتين تحملان شروط تعجيزية للغرب وامريكا وهي تعرف لن يتحققوا، فالأول يطالب العودة الى فترة 1997 وطرد كل الدول التي ادخلت الى الناتو بعد هذا التاريخ، الشرط الثاني عدم داخل أوكرانيا وجورجيا الى الناتو.
سحب كل السلاح الذي نشر في أوروبا الشرقية وعدم السماح بنشر سلاح جديد، ويريد الموافقة مكتوبة ويحمل الناتو المسؤولية بخلخلة الأوضاع الامنية لأن أمن دولته فوق كل اعتبار. الأمريكان قد يوافقون على نصف الشرط الثالثة بعد نشر سلاح جديد في المنطقة وهذا تم ضبطها بحسب اتفاقية سترت 3 التي تحد من نشر السلاح في الدول المختلفة وقد تمت المصادقة عليها من قبل الطرفين بعد رفضها من قبل إدارة ترامب السابقة.
روسيا بالمقابل لم تقدم أي تنازل يخص أوكرانيا من خلال السير بالانسحاب من القرم والعمل على تطبيق اتفاق الرباعية في مينسك بخصوص شرق أوكرانيا والعمل السريع مع أوكرانيا على فتح الاستثمارات الروسية في الدولة بالإضافة الى العمل لانتخابات مبكرة بذلك تكون كسبت أوكرانيا من جديد لكن روسيا تسير بنفس الأسلوب العنجهي والفوقي تحت شعار حماية امنها وهنا لابد من التذكير بان روسيا وافقت على تحديد الخريطة الجيوسياسية لأوكرانيا عندما وقعوا على انهاء الاتحاد السوفياتي في العام 1991 وارسلت الوثيقة الى الأمم المتحدة مدمغة بتوقيع الرؤساء الثلاثة “روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا ولم تطالب روسيا باستعادة القرم او روسيا الشرقية .
في اتفاقية بودابست في العام 1994 تم التوافق على تسليم السلاح الأوكراني النووي لروسيا وتدمير السلاح الاستراتيجي في الدولة من خلال دفع اموال امريكية وبريطانية وتعدت الدول الثلاثة بحماية أمن أوكرانيا وارسلت الوثيقة للأمم المتحدة ولم تطالب روسيا باستعادة القرم، لكن بعد 20 عام تذكرت روسيا بغزو القرم.
فإنها تتذرع بأن الغرب لم يراعي القوانين الدولية الموقعة عليها روسيا لكن روسيا احترمت القوانين الدولية، غورباتشوف يقول في احدى مقابلاته التلفزيونية لم يتم التوقيع على وثائق لتوحيد ألمانيا وأن الوضع الروسي الذي بات يتفكك لم ينتظر الأوراق.
اذن تكمن نية بوتين في مفاوضة مع واشنطن من خلال الجلوس على الطاولة للقطبيين بعيدا عن أوروبا ومصالح الاقتصادية والتي ترتبط مع روسيا ايضا وخاصة بأن بوتين يعرف بان بايدن يريد اعادة بروكسل الى قبضته بعد أن ابتعد عنها ترامب ولكن لم يحقق لبوتين هذا الحلم لكون بروكسل قد صوتت بالإجماع على معاقبة روسيا بحال تم اجتياح أوكرانيا لذلك حدث دبلوماسية اوروبية سريعة بعدم الرضوخ لروسيا والابتعاد عن اوكرانيا او السماح لأمريكا بالتلاعب بالمواقف الاوروبية التي كانت روسيا تسعى لشق الصف الأوروبي وإبطال أي قرار موحد وخاصة بظل وجود كتلة اوروبية والتي تسمى أوروبا الجديدة معادية لروسيا وتغيير إدارة الحكومة في ألمانيا ، مما دفع فرنسا التي تترأس الاتحاد الأوروبي بالطلب الى الطلب الاعضاء الى صياغة استراتيجية موحدة للمواجهة القادمة مع روسيا .
لقد عقدت روسيا في 12 لقاء سيرغي ريابكوف – ويندي شيرمن ، وفي 13 في بروكسل بين روسيا والناتو ، 14 في جنيف بين منظمة الأمن الاوروبي وروسيا في ثلاثة اجتماعات لم تمضي الى اي نتيجة كان هناك إصرار أوروبي على الوقوف بجانب كييف والتهديد المباشر لروسي بفرض عقوبات وتزويد كييف بسلاح نوعي ودفاعي وكانت زيارات الأوروبي الى موسكو اضحت تمر في كييف كرسالة موجهة لروسيا والتي كانت آخرها زيارة وزيرة الخارجية الالمانية أنالينا بربوك الى موسكو والتحدث عن قضية خط الغاز نورد ستريم الذي توقف ويعتبر شريان الحياة الجديد لروسيا ومن خلاله تريد معاقبة الدول الشرقية .
حدد بوتين معلم امبراطوريته القادمة من خلال الحديد والنار وربما سيناريو كازاخستان الاستعراضي حاول بوتين القول بأنه يملك قوة لا يستهان بها، ويجب الانتباه اليها، كون الخطوط التي وضعها بوتين من كازاخستان لدول منظمة الأمن الجماعي، الى كاراباخ وجزيرة كالينينغراد وبيلاروسيا وأبخازيا واسيتا في جورجيا والقرم والدويلة الميتة في مولدوفا.
أمام هذا السيناريو الكبير باتت معركة أوكرانيا لابد منها ولكن لن يحقق الطموح الذي رسمه القيصر، المهمة باتت مرتبطة بموقع بوتين وعظمته في خوض المعركة التي ستكون على الشكل التالي قضم منطقة الدونباس ومحاولة الاستيلاء على مرفأ ميروبيل واقتطاع اراضي في الجنوب الشرقي لتوسيع رقعة وجوده على البحر الاسود لان الهامش الروسي ضيق وربط القرم بطريق برية عن المناطق الجنوبية الشرقية والحصول على مياه من منابع خرسون لتغذية القرم.
لقد بات هذا السيناريو هو الفيصل والأقل تكلفة ويمكن السكوت عنه غربيا من خلال المحافظة على أوكرانيا وربما إدخالها سريعا في الناتو كرد فعل على تصرفات وعنجهيات بوتين وحال القضية نهائيا.
لكن سيناريو الحرب في هذه المنطقة ذات المساحة الكبيرة التي بلغ 300 ألف كيلومتر فهي صعبة جدا وخاصة ان الاوكرانيون جهزوا انفسهم للحرب من خلال كتائب عسكرية لخوض حرب العصابات نتيجة حصولها على صواريخ ستينغر و جافلين الأمريكية ضد الدروع وبطاريات رادارات بوجه الطائرات وصواريخ أرض جو من أمريكا ودول البلطيق ومسيرات من فرنسا وتركيا ، بالاضافة الى الخندق الشهير بطول 150 كيلو متر وعرض اربع امتار وعمق عشرة أمتار وهذا سيؤدي الى تحمل روسيا لخسائر كبيرة أثناء المواجهات لأن جيشها يعتمد على الآليات المتحركة والمركبات وبالتالي سيكون عائق كبير مما دفعها للذهاب الى اجراء مناورة عسكرية في مناطق الشمال لأوكرانيا على الحدود مع بيلاروسيا للالتفاف على الخندق .إذا المعارك لن تكون سهلة كما يتوقعها البعض وكما حصل في العام 2014 لأنه بالأحرى لم يكن هناك جيش أوكرانيا مجهز للمعارك .
أما السيناريو الثاني المتوقع لتلافي الخسائر التقنية والمادية والبشرية، لأن روسيا قد تستخدم الخطة الغربية في صربيا عام 199 عندما تم تدمير كل البنى التحتية للجيش الصربي وضرب المدن وطرق المواصلات عندها استسلمت صربيا لكن هذا لن يحدث لأن الغرب والناتو سيتدخلان لان الانتصار الروسي في أوكرانيا سيكون هزيمة الناتو وانتصار لروسيا وفتح شهيتها بكل الاتجاهات.
لكن في المقابل المشهد ليس سوداويا ، في الحرب صولات وجولات لقد خسرت روسيا الحرب الدبلوماسية فهل تنجح في ربح الحرب العسكرية .فالروس لم ينتصروا في سوريا ولم يخوضوا معارك في سوريا انما استخدم سلاح الطيران للتدمير والغرب كان موافق ، فالمواجهة العسكرية يجب أن نتذكر بأن معارك فنلندا أدت في العام 1937 الى هزيمة نكراء لروسيا السوفياتية ، في العام 1989 خرج الجيش السوفياتي الأحمر مذلول ومهزوم من مجموعة المقاتلين الدشمان وخاصة في معارك “جلال آباد” ، أما معارك الشيشان حدث ولا حرج عن هزائم أخلاقية وعسكرية ولوجستية من قبل مجموعة صغيرة لا يتجاوز عددها عد لواء رسمي .
أن المشهد ليس ضبابيا ويمكن التحدث في موضوع آخر عن الروح المعنوية للشعب الأوكراني في مواجهة الغزو الروسي بكل شراسة.
في المقابل فتح لروسيا جبهة جديدة في فنلندا والسويد بالطلب الرسمي للانضمام الى الناتو الذين باتوا يتخوفون من جنونية العظمة الروسية واستخدام سيناريو الاحتلال والسبحة لن تنتهي وسيتكرر المشهد في جمهورية اخرى مما سيعكس سلبيا على روسيا والتي باتت تحاصر نفسها بنفسها من خلال العنجهية والتكبر وغياب التفكير الدبلوماسي الصحيح.
لقد فتحت روسيا على نفسها نار جهنم باعلانها غزو اوكرانيا لان السيناريوهات الكثيرة التي ستقدم ضدها. لان موسكو تجر فعليا الى مواجهة مع الغرب دون الحساب لها وبالتالي ستكون مكلفة والغرب لن يحارب في كييف وإنما كييف ستكون في المواجهة ولكن الخسارة لن تكون على كييف وحدها بل سيكون اجتياح كييف ليست قصة نزهة تريد تنفيذها روسيا بل سيكو عواقبها وخيمة ليس لأن قدرة روسيا عالية لكن الجميع لم يتكلم عن كييف صحافة الخبرة والأرض والروح المعنوية للشعب الأوكراني الذي سيقف بوجه روسيا حتى الرمق الأخير.
خالد ممدوح العزي