كتب د.خالد العزي…الأزمة الاوكرانية وانسداد آفاقها الدبلوماسية
4 فبراير, 2022
أخبار أوكرانيا, الأخبار, مقالات
الأزمة الاوكرانية وانسداد افاقها الدبلوماسية
لقد وصلت الأزمة الأوكرانية الروسية الى افاق مسدودة، بعد فشل المفاوضات بين روسيا والناتو لعدم الوصول الى اتفاق يؤدي الى سحب فتيل الأزمة حفاظا على المصالح العامة والحياة الانسانية في الصراع الجيوسياسي الذي يدور بين روسيا وامريكا لان المقولة القديمة تقوم على أساس معادلة تعرفها روسيا جيدا بان من يحكم اوكرانيا يسيطر على قلب أوروبا الشرقية ،كون أوكرانيا هي العمود الفقري لروسيا وتحتاج لها الان اكثر من اي وقت سابق .
رسمت روسيا خطوط امبراطوريتها من كاراباخ في القوقاز وآسيا في جورجيا مرورا بالاستعراضات العسكرية الاخيرة في كازاخستان وحماية النظام في بيلاروسيا وصولا الى التوتر الحالي في شرق اوكرانيا حيث باتت روسيا تهدد بشن حملة عسكرية تسقط أوكرانيا بحال إدخالها في حلف الناتو مما يشكل خطرا على الأمن القومي الروسي .
بوتين الرجل الذي يضع استراتيجية ثابتة وطويلة الأمد من اجل استعادة إمبراطوريته القديمة وفرض الجديدة لان هذه الازمة جدية بحال ربحتها موسكو ستعطي للرئيس بوتين دفعة شعبية جديدة في خوض معركته الانتخابات الرئاسية القادمة في العام 2023 بقوة من اجل تثبيته وجوده الشعبي لولايتين تحت شعار كبير بان روسيا توجه العالم من اجل بناء الامبراطورية الروسية الحديثة.
لقد ظن الرئيس بوتين بان التهديدات والمناورات العسكرية تخيف الغرب وبالتالي تتحقق مطالبه والنزول عند رغباته والانكفاء للوراء مما يدفعه للاطباق على أوكرانيا بلحظة حرجة تعاني منها أوروبا من ضعف في الترابط بين دول الاتحاد نفسها وارتباك في الادارة الأمريكية الحالية في التعامل مع روسيا نظرا للاهتمام بمعالجة موضوع الصين. لقد حاول قيصر الكرملين بلحظة حرجة ان يفرض امرا واقعا باحتلال أوكرانيا والتعايش مع عقوبات فرضت عليه سابقا حيث استطاع الكرملين الصمود والاستمرار بنفس النهج التصعيدي مستخدما ورقة الغاز والقوة العسكرية وزعزعة الأمن الأوروبي .
لكن مطالب بوتين لن تتحقق وقد فشل في فرض أمر واقع على الغرب نتيجة تصلب الموقف الاوروبي الذي حاول بوتين استبعاده عن المشهد والإبقاء على التفاوض بينه وبين امريكا لكن الاتحاد الاوروبي يعتبر ان ازمة اوكرانيا هي أزمة امن قومي أوروبي وروسيا لا تستحق اعطاءها اية هدايا مجانية .المشهد اختلف في التعامل مع الملف الأوكراني بسبب الاحتضان الغربي لاوكرانيا مما اجبر روسيا على الانتقال من موقع الهجوم الى موقع الدفاع .
روسيا باتت مربكة مازومة لعدم تحقيق اي تفاهم دبلوماسي بسبب عدم اكثرات الغرب للمطالب “الثالثة” المقدمة للنقاش ذات السقف العالي .موسكو تعلم بان مطالبها غير قابلة للتحقق لان الروس يعانون من ازمة ثقة مع الغرب فهم يريدون الحصول على كل الأشياء دون دفع الأثمان ، مما دفع الكرملين لاعادة حسابه بالتعامل مع الأزمة الأوكرانية بعد نجاح الغرب بتشكيل جبهة عالمية لمواجهة روسيا وفرض عقوبات قاسية عليها تضعها في المكان المنبوذ دوليا .
لقد بات موقف الرئيس فلاديمير بوتين يتسم في الفترة الاخيرة الطف واهداء اكثر من اي وقت بالرغم من انه لايزال يحاول الضغط على الغرب و بات يعلم جيدا بان اي حرب سيخوضها ضد اوكرانيا لن تكون نزهة طبيعية بل ستكون مكلفة جدا بالاقتصاد والارواح وستكون اوكرانيا ميدان تجارب لسلاح غربي جديد قد يفشل السلاح الروسي بعد نجاحاته الاستعراضية في سورية، والحصار الاقتصادي والخسائر المالية لا محال منها لكن بوتين لا يريد تكرار العزلة الايرانية وروسيا لا يمكن تحملها لهذا الحصار الدولي .
من هنا لابد من القول بان بوتين لم يعد باستطاعته التراجع عن فعل اي شي في الصراع الاوكراني وبالتالي قد يكتفي بوتين بشن حملة عسكرية سريعة للسيطرة على مناطق جديدة في شرق جنوب اوكرانيا كي يربط القرم والدونباس بطرق برية لتأمين مياه الشفة من منابع خيرسون التي تفتقدها جزيرة القرم .
هذه المساحة صغيرة وتشكل 300 الف كم يربط الجنوب الشرق بالدوبناس عن طريق مرفأ ماريوبول البحري الأوكراني لتوسيع مساحة روسيا الضيقة في البحر الاسود، وهذه العملية ستؤدي الى اظهر جمهوريتين جديدتين في شرق اوكرانيا والتي تعرف “بنوفا روسيا ” او روسيا الجديدة، كما الحال مع جورجيا بإنتاج جمهوريتين “أوسيتيا وأبخازيا غير المعترف بهما دوليا .
فهذا التوتر الصغير يعمل على الاسراع في ادخال أوكرانيا في الناتو بالرغم من روسيا تعرف بان قانون الناتو لا يسمح بإدخال اي دولة الى صفوفه بحال وجود مشاكل خارجية وداخلية لكن كبح عنجهية روسيا هي احتضان أوكرانيا ، فأمام هذا المخرج الوحيد هل ستقبل روسيا المغامرة بعملية عسكرية محدودة في شرق وجنوب اوكرانيا او ابتلاع الاخفاق الدبلوماسي الروسي .
خالد العزي