%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D8%A9 أوكرانيا

قراءة في قصائد عشق الوطن(للشاعرة عايده حيدر)

أياد النصيري /  من الطّبيعي أن يوجّه المبدع اهتمامه الوجداني و الفكري للجانب الذي يجيده و الذي يرضيه ، و من الطّبيعي أيضا أن %d8%b9%d8%a7%d9%8a%d8%af%d8%a9يتعامل القارئ مع الإبداع الذي يتواجد بين يديه من حيث المعنى و المبنى و الجرس الموسيقي فيستسيغ بعضها أو كلّها …و أنا عندما أتجوّل في قصائد الشاعرة (عايده حيدر)  انبهر لروعة الكلمات و عمق المعاني و جمال النّظم و أراها شمعات متوهّجة هي تنطق بكلّ مفردات الفنّ الجميل من حبّ و صدق و إحساس و بكلّ تقنيات النظم في أرقى المستويات نقرؤها و نعيشها و نحسّها و نجدها اتّساع البحر وانسياب النّهر و شذى العطر

عرفتها إنسانة ودودة ،دافئة مبتسمة ،شاملة تعيش اليوم والأمس ..زمنها و الزّمن الجميل … تعيد الروح للضّاد بفضل ما تنطق به و ما تكتبه من مفردات اللّغة الجميلة ..و شاعرة مبدعة تطلّ من خيوط شمس لبنان و تغزل الحروف بنبض من حرير ،و نهرا متدفق العطاء نرشف منه الزّلال …و فكرا و وجدانا يضيء الدّرب للباحثين عن الكلمة الرائعة و الإحساس الصّادق   ولها  ديوان  شعري  في دار  الطباعة  سيولد قريبا  فهي  تكتب  بكل  الموضوعات  الوجدانية والغزلية حيث في أشعارها .نجدها أحيانا مشرقة وضّاءة و أحيانا مهمومة بقضايا الوطن و الأمّة و المجتمع زيادة على همومها الشّخصية التي تكتمها في دواخلها و تفجّرها على بياض صفحاتها …و رغم كلّ هذا فهي تحمل الورد بين ثنايا السّطور ليعبق الجوّ بأريج الحبّ و التفاؤل ، و تكتب بأسلوب زاخر بالصّور المتنوّعة سمتها صدق شعوري و إحساس فيّاض يشعرك بحبّ الحياة واستمرارها …

و الشاعرة ((عايدة)تتراوح في هذه النصوص التي انتقيتها واخترتها من القصائد بين  القصير و الطويل ، بين الأنا و الآخر ، بين الفردي والجمعي و تتقدّم في أبياتها عبر الانكسار و الانتصار محاولة أن تهب الحياة للذّات و للإنسان دأبها مخاطبة المشاعر بنبرة فخر واعتزاز مشحونة بطاقة ابداعية عظيمة ولغة ثريّة ساحر

تتهاطل زغاريدها لتباشير الولادة فتدندن بتواتر الأحداث و تأسرك بروعة الإحساس وتأخذك الى عالم من السّحر والخيال و هنا أستذكر غزارة الأفعال الإخبارية التي تستعملها في بعض النصوص0000

—(((-الحبُّ في زمني كاذبٌ

الرجولةُ زائفةٌ

الصداقةُ مصالحٌ

الغربةُ جسدٌ

الدقيقةُ عامٌ

النبضُ كأسٌ

اللهفاتُ عاقرةٌ

القلبُ دمعٌ

ولأجل هذا الشبر من أرضي أصرخُ

والصرخةُ أملٌ)))

كذلك  ايضا  نجد  في  هذا  النص  كثافة الجمل  الاخبارية  و هذا    مما يعزز  لغتها  بانتقائها لتلك  المفردات وأدخالها  في  جمل  جميلة  كي  تصبح   متناسقة   في  نصها00

((صنعتُ من شُتاتي

صنعتُ من شُتاتي قصيدة ً.. من أمطارِ الشتاءِ الحزين

من َالرياحِ ابتهالاتُ صلاةٍ لوطنٍ  صادقٍ أمين

من السحبِ قلوبٌ ساكنت الملايين

قصيدتي في مدارها جوريةٌ لامست تُرابَ الوطنِ

في قبضةِ القهرِ  بفرحٍ ومرحٍ مشتْ صوبَ الشمسِ  متغلغلةً في الشرايين

  أجنحتُها .. فراشاتٌ تُبشرُ بولادةِ ربيعٍ عربيٍّ جديد))

  غير أن السمة الغالبة على قصائد   (الشاعرة البنانية عايده  حيدر)، أن كثيرا من الأخيلة والصور التي تناولتها الشاعرة كانت في حد ذاتها صورا حسية ، أو قل إنها في الأغلب الأعم تميل إلى الحسية ، وإن كانت تحاول أن تضفي عليها ظلال البناء الفنى الذي  تستمد وجوده من عناصر الصور الشعرية نفسها ، لا من عناصر الواقع الملموس ، ونرى هذا النوع من الصور في قولها000

((أهواكَ وأخشى عليك

هذا الرحيق أنعش أنفاسي

بهمسة دافئةالجليد اعتصر دفئي

طيفكَ أغوى مسمعي وفتح أبوابي

الموصدة

أوردتي لا تخشى المبيت في ديارك

في متاهات السكون طيفك يراودني

وطني أنت أرض، شعب،حضارة،ٌ وأمة

مهما غدر بك الزمان))

إن نصوص الشاعرة (عايده  حيدر) تمتلك حريتها المطلقة ولا تسمح لأي ثقل معرفي أن يفرض حضوره على نظامها اللغوي .. أو تشكيلاتها البنائية والجمالية .. نراها في غاية البساطة والشفافية .. وهنا يكمن سرّ قوتها صلابتها وانفتاحها على التأويل مما يجعل متلقيها غير ملزم بفرض منهج نقديٍ عليها .. أواللجوء إلى قوانين التنظير الأكاديمي الذي يلقى في قاعات الدرس ..إنها نصوص لا تقف عند حد ٍ ملزم ٍ للفهم .. بل تنفتح على أكثر من جهة وفقا ً لرهافة ذائقة متلقيها وحسه الجمالي .. وهذا مقطع من نص جديد0

((أيتُها الشمسُ

أيتُها الشمسُ ؟ لماذا أنزلتِ خِماركِ المُلتهبِ نحوي

ماذا دهاكِ؟ ومن قالَ لكِ أنني أنتظِرُكِ بفارغِ الصبرِ

وأنا سُنبُلةٌ  صغيرةٌ مغروسةٌ في تُرابِ وطني

أنتظرُ  لُعابَ الماءِ يأتيني من ثورةِ الفرجِ وارضُ  بلدي  تتخبطُ متألمةً من جِراحها

رحابُها يسكُنهُ الألمُ وعرينُها مستباحٌ للغُرباء

سكينتُها هوجاءُ الملامحِ

الجنُّ يعبثُ بعفتها

وقلمي يلاحقُ تذكرةَ سفرهِ ليستقلَ قطارَ القوافي

حبرُهُ الحزينُ ينزفُ داخلَ جسدي))

الشاعرة تتحدث  بعاطفة صادقة،   هي  تحكي قصة واقع عاشتها بواقع الامة والمجتمع حالها كحال الملايين من ابناء المجتمع ولم تخترعها .

القصيدة بالمجمل قوية، لم أجد فيها مواطن ضعف أبدا، فكل حرف فيها كان من القوة بمكانه، وتركت أثراً عميقاً في نفسي . حقل الحزن كان طاغياً

(( إجتاحت سماء عروبة ممزقة من

المحيط إلي الخليج

واصبحنا غرباء في بيتنا

نحلم بالأمل ونحن نبكي

حتى الشمس حُجبت عنا مع معاناتنا

المؤلمة

الأوجاع نخبئها خلف ابتساماتنا الكاذبة

أقدامنا حافية

شهيتنا مفقودة

بطوننا فارغه

أصبح  الصمت مقبرة لحروفنا

وفي صدرنا آلام حزينة

في كل لحظة تجبرنا على  البكاء….

معاناة  شعب وأمة))

العمل على تجلي الخطاب الشعري ضمن بؤره المتعددة جعلت الشاعرة  (عايده  حيدر)تلجأ في صياغاتها للرؤية الى تتبع الخطاب المرجعي الذي يتيح للبناء ان يتحقق باعتبار ان مفرداتها وتراكيبها اللغوية تثير حدثاً لاسيما تلك التي تحاول من خلالها ان تربط الحدث ببعضه موحدة ومنظومة متلاحمة ومتنامية داخلياً وخارجياً معاً، وهذا بالضبط ما تريده الشاعرة في توليفاتها النصية هنا، فالبحث حدث  تبحث عن البحر( أيها البحرُ أوصلْ رسائلَ استغاثتي وخريطةُ الوصولِ إلى الشاطئِ

((خطاكَ على مفارقِ جسدي

 وأمجادُ هيجانكَ في عاصفتي

أيها البحرُ الغيومُ تلاشت دموعُها في حناياكَ))

 ولكن النتيجة تبرز معالم الحكمة التي تريد ان تؤثثها معالمها من خلال احداث الصدمة الشعرية والتي تتمظهر وتبرز من خلال الحتمية التي اكدتها الشاعرة من خلال مفرداتها (جسدي–عاصفتي–جيشي- امجادي–وطني-))—  والتي تبدو لي وكأنها كلها حتمية ناتجة من الاحتمالية التي فرضتها نصوصها  من البداية  وكأن الشاعرة تتعمد جرنا الى هذه العوالم الافتراضية لتقول لنا بأن الملموس المرئي عالم غير مقبول بتاتاً، وان لديها في مخيلتها عوالمها الخاصة التي لو لم تكن هذه الموجودة لكانت تلك الملاذ… وهذا ما يمكن يستدل به من خلال ذكرها    في نص جميل  من احدى نصوصها000

((حياتي مجموعة قصائدٍ على مسودةِ الدهرِ

شعري غادرَ رصيفَ الأحلامِ والأماكنِ معَ وعودِ سلامٍ لم يكتملْ

الحربُ وجعٌ

اللهيبُ يعبرُ أجسادنا

الدمارُ هدمَ الأحلامَ

الأجسادُ أجزاءٌ على الحائطِ

الدمُ تغيرَ لونهُ من أحمرٍ قانٍ إلى أسودٍ جارٍ على الأرصفة

وذئابُ الحروبِ مسعورةٌ ))

 من بعد ذلك  تعطي  (عايده حيدر) انطباعاً حول مدى تأثر الذات الشاعرة بمحيطها البراني، مما تمخض عن تفاعلها وانفعالها هذا الحدث النصي المتوالي عبر سلسلة تداعيات  (   دمعتي ذئب–  سكن ناصية  كتفي–)-  فنزوح الشاعرة الى البرانيات غير الملموسة والمعتمدة على الذهنية المستفزة امر يستدعي التأمل، لاسيما انها تحبذ استخدام التضاد في انفعالاتها الشعرية وتفاعلها الحدثي المميز داخلياً والبارز تشكيلاً من الخارج، فحين نجمع ( دمعتي+ذئب.). ضمن سياقات تمنطق الرؤية وفق نسق  ( وجهي–فمي  ذهني–ذاكرتي-بلدي)  فاننا بلاشك امام حدث يتفاقم داخلياً ويؤثر على الحراكات النفسية لذا بالتالي نلامس تأثيراتها البلاغية التي تتوجه نحو التوحش والشدة  ( لدمعةالذئب  ناصية الكتف-)-  فداخلك هنا ليست مجرد تعبير يمكن عبوره ضمن فهم بسيط وسلسل، انما علينا التأمل.(.فدمعة الذئب)ليس صورة هشة يمكن تجاوزها بمجرد تخييل الصورة .. لانه هنا نابع من الداخل، مما يعني جدلية الذات والذات الاخرى، وبالتالي يعني المؤثرات الجوانية/ الداخلية المستفزة للذات الشاعرة التي تلجأ الى التوحش في استخدام معجمها، وبالتالي السؤال الذي يثير نفسه ما هو حجم المعاناة الداخلية وما مدى تأثيرها النفسي والانفعالي على المكنونات الذاتية بكل تمفصلاتها..؟ وبالتالي الاتجاهات التي يمكن تتخذها هذه النفس في صياغاتها الاتية.. ؟.. باعتبارها مهما يكن فهي داخل جسد تمتلك روحاً، قد تؤثر على مساراتها لتلتجأ الى سياقات اكثر هدوءً واتزاناً.

((أمضاءُ دمعتي ذئبٌ سكنَ  ناصيةَ كتفي،

 غيرَ مسارَ وجهي

رمى عذريتي في عمقِ البحرِ

نفثَ دخانهُ في فمي

ورمى حقائبُ سفري على أرصفةِ المنفى

جوازُ سفري تاهَ بين خيوطِ العناكبِ

ساعتي أتعبها الرنينُ

كلُ شيءٍ يتجولُ في ذهني

بادرتُ بتقليبِ صفحاتِ ذاكرتي

وحشتي تنتظرني على باب معبدٍ مهجورٍ،

 ونعيمي في أرض بلدي)

 حين تكتب (عايده) في وطنها ينهمر غيث دموعها فوق أوراقها دما ودمعا وبين ضحكاتها المتقطّعة من ذكريات مرّت  انها تحب ناسها ووطنها  حيث يعيش  الوطن  معها  كثيرا  انه  عالمها  الكبير لاحدود له ، تبكي فيها مرّة وتضحك أخرى حتى ظنّ من يلامسها عن قرب انها مجنونة بحب الوطن

كل كيانها المهموم وأحياناً أخرى تجد في داخل نفسها امراة تحمل حكمة الأنوثة والأمومة والحب، وآلام ثرّة من إرهاصات إنسانيّة لا تتحمّل ثقلها فتبكي لتخفف ذلك الألم، تظنّ أنّ البكاء سينفض من ظهرها المتهالك هذا الحمل الثّقيل .. أقرّ أنّها ترسم في كتاباتها لوحة فنية أشكّ أحياناً أنّها تكتب بفرشاة وألوان وليس بكلمات  هي طفلة في نص وامرأة ناضجة بنص آخر.

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …