%D9%85%D8%B4%D9%84%D9%8A%D9%86 أوكرانيا

قراءة في رواية “بنات نعش”

 قراءة في رواية “بنات نعش” للروائية (لينا هويان الحسن ) 

مشلين أوكرانيابقلم: مشلين بطرس

كاتبة سورية

إذا كانت الرواية تاريخ من لاتاريخ لهم فالأسطورة حقيقة من لا حقيقة لهم، فعندما تحكي الأسطورة عن حقيقة ما، كيف جاءت إلى الوجود بفضل مآثر اجترحتها الكائنات العليا، ولا فرق في أن تكون تلك الحقيقة كلية أو جزئية أو نوعاً من الكائنات أو حتى مسلكاً يسكله الإنسان حينها (تكون الأسطورة بعداً من أبعاد الوعي الإنساني) وهذا ما يشير إليه علي حرب.

تضع الروائية لينا هويان الحسن بين أيدينا روايتها “بنات نعش” التي شغلت فيها البادية الفضاء المكاني للأحداث، لتشكل نصاً عن البدو الذين هم السديم الغامض بالنسبة للحضريين، لتبدأ برنامجها السردي بضمير المتكلم المتماهي بصوت المغزل، ممايوحي للمتلقي بأنه أمام نص السيرة، ومن خلال الراوي المهيمين المستبد والذي يتدخل كثيراً ليقطع السرد، يجد المتلقي نفسه تائهاً في حكمه على النص.

فالنص يوحي بالحكاية تارة، ويوحي بالسيرة الذاتية تارة أخرى، ومرة بالملحمة أو الأسطورة،وبين السيرة ورواية السيرة فرق كبير لأن السيرة بوجهيها “الذاتية وسيرة الآخر” عمل توثيقي يعتمد المرجعية الواقعية “الواقع” وفيها تتراوح الذكريات والمذكرات على مابينها من فروق، أما رواية السيرة فهي عمل إبداعي تخيلي لايمكن مقارنته بالوقائع، لذلك إذا أردنا أن ننسب رواية “بنات نعش” إلى جنس أدبي، فسوف يكون حكاية الأسطورة إذا صحّ التعبير.

ومن عتبة النص الأولى ألا وهي العنوان نجد أن وكما يقول بول ريكور “إن من دون نظرة الأسطورة التراجعية تُحرم الثقافة من ذاكرتها، ومن دون نظرتها التطلعية تحرم من أحلامها، وقد تؤدي الأسطورة في أفضل أحوالها وظيفة تفاعل ابداعي بين دعاوى التراث واليوتيبيا” وهنا لابد من الإشارة إلى أن الأسطورة حقيقة كانت موجودة وماتزال، تكثر من حولها الشائعات والأقاويل حدّ الحب حدّ الـتأليه، حدّ الكره والإنحدار إلى أسفل السافلين، أما الخرافة محض كذبة لا وجود لها بتاتاً.

تنقسم أسطورة بنات نعش إلى فصول ترتكز على استشهادات لشاعر فرنسي ومذكرات ضابط ألماني ومقتطفات من كتاب ملوك العرب لأمين الريحاني …. إلى أقسام لتلك الفصول المعنونة التي تضفي على الفصل طابعاً استشرافياً، فهذه المقبوسات والعناوين تنبؤنا بأحداث كل فصل على حدا، لتكون شخصية الأسطورة ” الأبهر سعدون” معادلاً فنياً لشخصية فنتازية أسطورية تميزت بالخروج عن الخارق على قوانين المألوف، وقد كان حافزها الأول هو الإكتشاف والبحث عن المجهول، فالأبهر يمتطي ذلوله ويهاجم وحوش الغاب ويصطاد منها الذئاب والسباع ليبيع جلودها في مدينتي دمشق وبيروت.

حتى الكلب في الأسطورة كان كلباً أسطورياً إذ نجده ينبح مرة واحدة في حياته ويموت، أما صاحبه الأبهر كان ذاك الرجل الخارق الذي لايطاله الموت ولا حتى برصاص قاتل، إنه “خشّاش الدم” كما كان يناديه “مانع المدلج” وهو إحدى الشخصيات في الأسطورة، ليخرج الأبهر سعدون من السجن حاملاً إرثاً من الضغينة، وهذا يذكرنا بفليم عرض على شاشات السينما العربية كان اسمه “المستذئب”، وفيه كان التماهي مع أسطورتنا هنا، الذي يحول ضحايا الأمس إلى وحوش الغد،لتبقى تلك الشعرة “شعرة معاوية” الحاجز الفاصل بين الإنسان ووحشيته.

ليؤكد “زعل ومبارك” وهما رفيقا الأبهر، إنه اختفى داخل زوبعة، عندما كانوا مع قافلة يقطعون صحراء النفوذ، والأبهر على ذلوله حينما نظر إلى الزوبعة وبدا وكأنه ينتظرها، وقد رفع يمناه وكأنه يومئ لها.

وهذا مايحلينا إلى قصة النبي إيليا الذي اختفى بزوبعة من نار وموكب من الملائكة، وذلك بحسب ماورد في التوراة.

ليعرض لنا الزمن في الأسطورة نسقاً تسلسلياً تصاعدياً من بداية زمن الحكاية، حيث تتابع فيه الأحداث تتابعاً زمنياً “كرونولوجياً”بعيداً عن تقنيتي الاسترجاع والاستباق التي تكسر رتابة السرد.

ليأتي المكان في الأسطورة ويفاجئنا بتقاطع البادية كفضاء مكاني للسرد مع أمكنة أخرى يخترقها الأبهر راجلاً مثلماً، مثل مدينة دمشق، وباب شرقي، باب الجابية وسوق سنان باشا، وهي أمكنة واقعية متعينة تتقاطع أيضاً مع أمكنة متخيلة لامتعينة مثل رجوم اللبن، ومغارة عروسة جني، ولابد من الإشارة هنا أيضاً إلى التواريخ التوثيقية وبعض المذكرات وحرب الصحراء التي أوردتها الروائية في أسطورتها، كلها ذكرت لتضفي على السرد الواقعيةوالمصداقية، ولأن الإنسان ليس إلا حكاية، خطة، مسار، لهذا تُسرد الروايات وتحكى.

فهل يستطيع الإنسان الحق أن يحقق أسطورته في خضم مايعيشه من خرافات تفتت العقل الجمعي للعالم برمته؟

 

 

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …