%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF %D8%A8%D8%B1%D9%8A2 أوكرانيا

قراءة في الوجه الآخر لسقوط “داعش”

محمود بري/ كاتب وصحافي لبناني

“عاش الملك… مات الملك”.

محمود بري2 أوكرانياهكذا، ومن دون مقدمات طويلة، تكاد تكتمل سيرة “الدولة” على الأرض السورية كما رآها إبن خلدون: تقوم الدولة، تكبر وتقوى، تبلغ أشدّها، ثم لا تلبث أن تميل إلى الهرم فالشيخوخة على طريق الإندثار، مفسحة الطريق لقيام دولة أخرى على أنقاضها.

“الدولة” المشار إليها هنا هي حسب تسميتها الكاملة “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المعروفة اختصاراً بـ “داعش”.

أما انهيارها فلا يزال خبر اليوم الأول الذي يخرج من ميادين القتال في سورية مضرّجاً بدماء أمرائها ومقاتليها الذين بات دأبهم التقهقر من مواقعهم أمام الهجمات المنسّقة التي يشنّها عليهم مقاتلو المعارضة الآخرين المنضوين بشكل أساسي في “الجبهة الإسلامية” التي باتت تضم مختلف ألوان المعارضة المسلحة مثل “لواء التوحيد” و “جيش الإسلام” و “الجيش الحرّ” إلى العديد من المجموعات الصغيرة التي يحمل معظمها الطابع الإسلامي المتشدد.

والمغزى الأول والأبرز من هذا الانقسام العمودي للمعارضة المسلحة هو عودة الرياض إلى الإمساك بزمام هذه المعارضة المسلحة في سورية، ليس فقط من خلال تعويم “زهران علوش” رجل الإستخبارات السعودية الأبرز في الميادين السورية وجعله قائد الهيأة العسكرية لما أسمته “الجبهة الإسلامية”، بل أيضاً عبر سحب البساط من تحت أقدام جماعات “القاعدة” البنلادنية في سورية والتي أبرز مقوّماتها تنظيم “داعش”، والحلول محلهم على للإنفراد بتمثيل المعارضة المسلحة.

والحقيقة أن جماعات “داعش” لم تترك إلا الأثر السيء حيث سيطرت، ولم تدع عيناً إلا وأبكتها. فقد حكّم هؤلاء أعتى قواعد التشدد في تسيير أمور الناس الخاضعين لسلطانهم،حتى ضاق الجميع بهم ذرعاً، وتعاملوا مع الجماعات المسلحة الأخرى ولا سيما الإسلامية منها، باستعلاء منفّر، بحيث استطاعوا أن يكسبوا كراهية الجميع لهم، من مواطنين ومن معارضين مسلحين. لذا فإن تباشير سقوط دولتهم اليوم يبدو في نظر الآخرين غير مأسوف عليه وقد أسعد الجميع… لكنه وقبل ذلك، حقق بشكل أساسي ما تريده السياسة السعودية على أبواب مؤتمر “جنيف 2″، بأن يكون في يد “المعارضة” التي تقودها، ورقة جديدة وقوية في مفاوضاتها مع ممثلي الدولة السورية، هي ورقة السيطرة على الأرض والإنفراد بتمثيل المعارضة المسلحة في مواجهة النظام السوري.

العين على “جنيف 2”

الواقع أنه منذ انطلاق الحديث عن عقد مؤتمر “جنيف 2″، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لم توفر ديبلوماسية الرياض فرصة إلا واستغلتها، باذلةً كل ما يسعها من جهود (فوق الطاولة وتحتها وخصوصاً في الميدان على الأراضي السورية) للعمل على تحضير البساط المليء بالعوائق على طريق المؤتمر، بحيث تضمن عدم انعقاده في القريب العاجل، ومن باب أولى، تأجيله إلى أن تتمكن من تحصيل أوراق جديدة تقوّي موقعها التفاوضي.

وسعياً وراء هذا الهدف قامت القوى المؤتمرة بتوجيهات “زهران علوش” ومن خلفه الرياض، بالعديد من المحاولات الهادفة إلى تغيير ميزان القوى على الأرض لصالحها، حيث كانت الذروة في حملة الغوطة الشرقية التي، ولسوء حظ الرياض، انتهت إلى التحطم على اسوار دمشق.

وهنا عاد الموجّه الأميركي إلى دفاتره العراقية، فاستعاد منها فصل “الصحوات” لإيجاد قوى تقف أمام خصومه، فأوعز لمن يجب بالسيطرة على أوسع ما يمكن من الأرض في سورية بحيث تكون في قبضة أتباعه وعلى حساب مقاتلي “القاعدة”… طالما أنه من المتعسّر جعله على حساب الدولة السورية التي استعادت قواها العسكرية المبادرة. وهذه كانت طبخة ما بات يُعرف بـ “الجبهة الإسلامية” التي  ظهرت حديثاً والتي تتكون من القوى المقاتلة المؤتمرة بأوامر الرياض والمعادية لمقاتلي “القاعدة” ورأس حربتهم “داعش”.

هكذا انطلقت الحرب الأميركية-السعودية على “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، من خلال مجموعات مقاتلة إسلامية بدورها ومتشددة أيضاً، ولا بأس إن كانت تكفيرية. فكله مسموح لها  طالما أنها تواجه “القاعدة” من جهة، وتؤمن إمساك الطرف السعودي بورقة “الأرض” في المفاوضات المقبلة ضمن إطار “جنيف 2″، آملة ألاّ يأزف موعد انعقاد المؤتمر إلا وتكون القوى التابعة لها قد سيطرت ميدانياً وسياسياً على كامل مناطق المعارضة في سورية.

حساب الحقل غير حساب البيدر

 لعبت السعودية وما تزال دوراً محورياً في خلق المجموعات الجهادية المرتبطة بها مباشرة في سوريا كما في العراق. وكان ينبغي لذلك أن يكون أمراً إيجابياً وخصوصاً في نظر الغرب، باعتبار أنه يؤدي إلى تقليم أظافر “القاعدة” والحلول محلها بواسطة قوى تأتمر بما يطلبه منها الغرب او السعودية. إلا أن هذا الحسابات المضبوطة على الورق، تصير مختلفة على الأرض. فإزاحة “القاعدة” المتطرفة لا يجري بواسطة قوى مختلفة فكرياّ وعقائدياً عنها، بل يتم بواسطة مجموعات مسلحة تتميّز هي الأخرى بأنها متطرّفة وتكفيرية ورافضة للآخر، وتعتمد أساليب قتال “القاعدة” نفسها على أساس طائفي ومذهبي، بحيث لا تختلف عن “القاعدة” إلا بأن الأخيرة مستقلة عن السعودية.

إن إطلاق الرياض هكذا مجموعات جهادية تقاتل في سوريا والعراق، هو أمر بالغ الخطورة على منطقة الشرق الأوسط برمتها، ولا سيما في ظل دعم إيران لمجموعات شيعية مسلّحة في المقابل. فهذا لن يؤدي إلى بناء السلام بل سيعني مواصلة الحروب بالوكالة في المنطقة، وعلى حساب أهلها واقتصادها ومستقبلها.

أما النافذة المشرقة ببعض الأمل في هذا المشهد الشرق –أوسطي المظلم فتتمثّل بالتقارب الإيراني الأميركي تحت أنظار روسيا المشجعة… وهو تقاربٌ يشي بمستقبل زاهر في ظل التفاهمات التي تمّ بناؤها عليه، من العراق حيث يقف الرئيس المالكي في وجه  الإرهاب في الأنبار وإلى جانبه الدعم الأميركي المباشر والذي هو غير بريء من مباركة إيرانية متحمسة ورضا روسي تام، إلى الحرب التي أعلنها “القيصر” الروسي بوتين على الإرهاب الذي هو عدو مشترك لموسكو وواشنطن. وإذا أخذنا بعين الاعتبار دور “حائك السجاد الإيراني الصبور” المتفاهم بعمق مع الروس والمنفتح على الأميركيين، فإن ملامح حلف عالمي ضد الإرهاب تبدو آخذة بالتشكّل، حيث على السعودية أن تبذل جهوداً غير مستطاعة، ليس للظفر بعضوية كاملة في هذا الحلف، بل لتبرئة نفسها من “خلق ومساندة” هذا الإرهاب بالذات.

وهذا يرسم خريطة طريق لمؤتمر “جنيف 2” يأتي في طليعة أولوياتها، ليس إسقاط الأسد تحديداً، بل… مكافحة الإرهاب في العراق وفي سورية… وفي روسيا بوتين من باب أولى.

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …