نائل أبو مروان / إن تعاظم مؤسسية الدولة الأمنية وفقدان هوية دولة المؤسسات العربية، جعلها مهيأة بشتى الطرق للدخول في مواجهات أمنية مفتوحة مع المعارضة، وحينما ترسم الأجهزة الأمنية صورة غير واقعية للمعارضة، فإنها تحصل على الضوء الأخضر من الحكم لتنفيذ ضربات معينة للمعارضة. وفي هذه الحالة، يتطرف الجهاز الأمني في استخدام الأساليب التعسفية، بعبارة أخرى فإن المؤسسات الأمنية تقوم بعملية قلب الحقائق، بحيث يبدو هي وكأنها المدافع الأول والأخير على أمن المجتمع في حين تظهر المعارضة في حالة وكأنها تعرض الأمن الوطني والقومي للخطر!!إذا مورس العنف، في أي مكان، وضد أي شخص، أو ضد أية مجموعة، وتحت أي سبب أو مبرر، فمن المرجح التوقع بحدوث عنف مضاد، يوازي فعل العنف أو يتعدى حدوده في أكثر الأحيان. لا تبدأ مشكلتنا كبشر، في أننا لا نعتقد بالعنف، أو لا نتوقع حدوثه، ولكن مشكلتنا تبدأ لحظة التعامل مع العنف؛ فهي لحظة من أهم لحظات الفرد المتضرر أو المجموعة المتضررة، لكونها لحظة عصيبة تستلزم اتخاذ قرار مستعجل وآني، لكنه قرار مهم وخطير لا يحدد مستقبل أطراف النزاع فقط، ولا مستقبل وطن أو أمة أو عرق فقط، بل ربما يحدد مستقبل أجيال وأجيال. العنف ظاهرة شائعة في عالمنا، وهو أمر مرفوض أخلاقيا وتشريعيا، ولكنه واقع موجود، لا يمكن إنكاره أو تجاهله، فهو يمارس في كل لحظة من قبل فرد قوي أو مجموعة قوية ضد فرد ضعيف أو مجموعة ضعيفة، وهو لا يستتبع بالضرورة حالة العداوة، واقله التعنيف الكلامي، وأكثره العنف الجسدي مقرونا بالإهانة، وأسبابه لا تكاد تنحصر في دائرة محددة، فهو موجود ومتوقع حدوثه من الآخرين، سواء الذين تربطنا بهم علاقات أسرية، أو وظيفية، أو حزبية، أو علاقات مواطنة، أو الذين لا تربطنا بهم أية علاقة، كل ما في الأمر إننا لا نستطيع أن نحدد لحظة وقوع العنف فقط. ومن الصعوبة بمكان أن يطلب الداعمون للعمل اللاعنفي من أطراف العنف أن يكفوا عن ممارسته؛ ويعفوا بعضهم عن بعض، أو يتصالحوا وينسوا بطريقة “ننسى الماضي ونبدأ من جديد” كأن لم يكن شيء؛ لان المتضررين من أعمال العنف يعيشون – في الأغلب- حالة الاستذكار الدائم للحظة ممارسة العنف ويتألمون باستمرار لأثاره، لانهم إما في حالة الشعور بالغبن واستمرار الاضطهاد، وإما في حالة انتظار فرصة الانتقام من الجاني، لرد اعتبارهم” معنوي”، أو لاسترجاع حقوقهم المغصوبة”مادي” أو هم في حالة طلب الأمرين معا.صور الاقتتال الداخلي المتكرر في الدول التي تضعف فيها سيادة القانون، كالصراعات بين عشيرة وعشيرة أخرى، أو بين أنصار دين ودين آخر، أو بين أتباع مذهب ومذهب آخر، تبدأ باستخدام العنف من طرف؛ ولكنها تستمر بقبول خيار مواجهة العنف بالعنف من طرفها الثاني، بقرار مستعجل، يريد مبدأ الرد بالمثل، أو “أخذ الثار”.فليس كل مضطهد لديه قابلية للعفو عمن اضطهده، وليس كل مظلوم يسامح ظالمه، أو يدعو له بالمغفرة، وأيضا ليس كل معتدى عليه، يقبل أن يجلس ويتحاور بروح شفافية مع المعتدي، ثم يلتمس له عذرا أو مبررا فيما صدر منه من تجاوز أو اهانة. ولكن يمكن أن تتحقق هذه الأمور تدريجيا إذا ما أخذنا بـ”إستراتيجية إعادة النصاب إلى وضعه الطبيعي”، وهي إستراتيجية تتضمن الإقرار بحق المعنف”بفتح النون” أو المعنفين من قبل المعنف “بكسر النون” أو المعنفين، وذلك بالاستعداد لإصلاح الأمور بأساليب متعددة منها: كشف الحقيقة، والتعهد بالكف عن عدم تكرار الفعل، والاعتذار، والاستعداد للمحاكمة، وقبول التعويض العادل وغيرها. لهاذا يجب على ألحكومات أن لا تقدم. البلطجه وزعرنه ولأستقواء .. في قمع ألشعب..