في عيد النصر:الكثير من أبطال الحرب الوطنية الكبرى مسلمون
8 مايو, 2012
الأخبار, مقالات
راديك أميروف / كان المسلم الانغوشي أوماتغيري برهانوييف آخر مدافع عن قلعة بريست على حدود الاتحاد السوفيتي الغربية في صيف عام 1941. وخرج برهانوييف من خندقه بعدما فقد جميع رفاقه الذين تصدوا للغزاة الألمان واستنفد ما كان بحوزته من الذخيرة، وصاح في وجه الغزاة “أنا جندي روسي”.
وانبرى الكثير من مسلمي الاتحاد السوفيتي للذود عن حياض الوطن الذي اعتدت عليه ألمانيا في 22 حزيران/ يونيو 1941 ، خلال الحرب الوطنية الكبرى التي استمرت 1418 يوما حتى 9 أيار/مايو 1945 حين سقطت العاصمة الألمانية برلين في أيدي القوات السوفيتية.
ووصل فريق من المجندين الجدد إلى قلعة بريست قبل أسبوع من بدء الحرب، قادمين من شمال القوقاز. ولم يكن الجنود الشيشان والانغوش يجيدون اللغة الروسية لدى انضمامهم إلى الجيش السوفيتي ولكنهم دافعوا دفاع المستميت عن بلادهم التي تحتضن شعوبا عديدة لا تحصى.
ومن الواضح أنهم استرشدوا بالتعاليم الإسلامية التي تدعو المؤمنين إلى الدفاع عن وطنهم.
وضمت الفرقة التي أوقفت الغزاة عند مشارف العاصمة موسكو في خريف 1941 وعرفت باسم قائدها بانفيلوف، مسلمين كثيرين من أصول أوزبكية وكازاخية وطاجيكية.
وأعلن قادة مسلمي الاتحاد السوفيتي الحرب المقدسة – الجهاد – على الفاشية الألمانية. ودعا المفتي عبد الرحمن رسوليف المسلمين إلى الدفاع عن وطنهم، مشيرا إلى أن النبي محمد قال إن حب الوطن جزء من الإيمان بالله وفقا لما قاله خلال اجتماع الشخصيات الإسلامية القيادية في مدينة أوفا.
ويقول بعض المؤرخين إن الغزاة بذلوا جهدا كبيرا لاستمالة المسلمين، وعلى الأخص من وقعوا في أسر القوات الألمانية. وعلى سبيل المثال وزعوا المنشورات الزاعمة أن هتلر اعتنق الإسلام وغيّر اسمه إلى “حيدر”، وعينوا مفتياً لشبه جزيرة القرم في عام 1942.
بيد أن هذه الخطة وغيرها من مئات خطط الفاشيست الأخرى باءت بالفشل ولم تحظ بتأييد المسلمين السوفيت.
وتغافل الزعيم السوفيتي ستالين عن مآثر المسلمين من الشيشان والانغوش والقرشاي وتتار القرم وأبناء الشعوب السوفيتية الأخرى عندما أمر بتهجيرهم وترحيلهم إلى سيبيريا وكازاخستان في عام 1944، متذرعا بوجود “خونة” كثيرين ضمن هذه الشعوب. ولم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم إلا بعد وفاة ستالين.
وعمل الكثير من المسلمين في المصانع والمعامل والمزارع من أجل دعم المقاتلين الذين قاتلوا الغزاة، وتبرعوا بالمال لشراء الأسلحة المطلوبة للجيش. ووجه المفتي رسوليف رسالة إلى ستالين باسم مسلمي الاتحاد السوفيتي أكد فيها أن المسلمين يساندون الجيش الأحمر. وسلّم المفتي الزعيم السوفيتي أموالا جمعها مسلمو داغستان لتزويد الجيش بقافلة كاملة من الدبابات حملت اسم الإمام شامل.
وذهب الكثير من المسلمين إلى جبهة القتال، منطلقين من جامع موسكو وهو المسجد الوحيد الذي لم تغلقه السلطات في الشطر الأوروبي من البلاد في الحقبة السوفيتية التي سبقت الحرب الوطنية الكبرى.
وطالب الغزاة الشاعر التتاري موسى جليل الذي وقع في أسرهم بأن يحث المسلمين من أسرى الحرب السوفيت على أن يقاتلوا الجيش الأحمر. ولكن الفوج الأول الذي شكله الألمان من المسلمين السوفيت وأرسلوه إلى جبهة القتال ضد الجيش السوفيتي، تمرد على المرافقين الألمان لدى وصوله إلى الأرض البيلاروسية، واستولى أفراده على أسلحة الحراس الألمان وانضموا إلى فصائل المقاومة التي قاتلت قوات الاحتلال.
واغتيل جليل ورفاقه في أحد المعتقلات الألمانية. وأكرمه الوطن بمنحه وسام البطولة ولقب بطل الاتحاد السوفيتي. ونُشر ما ألفه في معتقله من قصائد في الاتحاد السوفيتي، وأقبل السوفيت على قراءتها.
وقدم مئات آلاف المسلمين ومنهم جد كاتب هذه السطور عبد الله أميروف، حياتهم فداء من أجل حماية لينينغراد ثاني أهم مدينة سوفيتية. وأصيب جدي الآخر عين الدين الذي ذهب إلى جبهة القتال وهو في السادسة عشر من عمره، بجراح خطيرة قرب مدينة كونيغسبرغ (كالينينغراد حاليا) في نيسان/أبريل 1945.
ويجدر بالذكر أن تتار القرم والأذربيجانيين وممثلي الشعوب المسلمة الأخرى أنقذوا حياة الكثير من اليهود الذين أقدم النازيون على إبادتهم لا لسبب سوى أنهم من أصول يهودية. ووفر المسلمون الحماية لهم وكأنهم أقرباؤهم.
وقالت ابنة إحدى العائلات التتارية في بيلاروسيا لكاتب هذه السطور إنهم أنقذوا اليهود لأنهم عرفوا أن الله ينبذ العنف.
ووفرت عائلتها الملجأ لأسرة يهودية في مدينة مينسك التي احتلها الجيش الألماني، وعرضت نفسها بذلك للخطر.
ولا يتوقف الجدل حول هوية الجنود الذين نصبوا علم الجيش السوفيتي على السطح العلوي لمبنى البرلمان الألماني إيذانا بدحر المعتدي والانتصار عليه. وتقول الرواية الرسمية إن الروسي يغوروف والجورجي كانتاريا نصبا علم النصر في برلين في نيسان 1945. وهناك وفرة من الروايات الأخرى التي تقول إن مسلمين أمثال عزيز زاهدوف وعبد الحكيم إسماعيلوف، فعلوا ذلك.
في كل الأحوال فإن هذا الجدل لا يعدو كونه نقاشا بعيدا عن التشنج، فالأكثر أهمية للمتجادلين هو أن بلادهم تغلبت على المعتدي ودحرته في عقر داره.
ويحتفل جميع مواطني روسيا بعيد النصر في 9 أيار/مايو، مرحبين بالمقاتلين القدامى من المسيحيين والمسلمين وأتباع الطائفة اليهودية. ويضم الجيش الروسي المعاصر أحفاد هؤلاء الأبطال ومنهم معتنقو الدين الإسلامي الذين انتسبوا إلى الجيش ليخدموا العلم ويحموا وطنهم روسيا.
أنباء موسكو