حسن خبيز / تكاد لا تخلو مجتمعاتنا من بعض الصور التي تشكل صدمة للعالم الغربي و ابسط المبادئ البشرية المعتمدة في العالم ككل. ولعل من ابرز هذه الصور التي انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعية صورة الطفلة ذات الثمانية اعوام التي كانت تحمل سلاحا حربيا ثقيلا لتفاجئنا باطلاق النار منه بعد توجيهات المربي الفاضل “والدها” . قد لا تشكل هذه الصورة التي نشرت صدمة كبيرة فمجتماعاتنا وخصوصا اذا اخذنا بالاعتبار الوقت الذي نشرت فيه، فهذه الصورة اتت في خضم ازمة سياسية في طرابلس ادت الى اشتعال الشارع وانجراره نحو حرب المحاور بين التبانة وجبل محسن.
قد يكون من المؤكد ان هذه الطفلة ليست مسؤولة عن افعالها كونها لم تصل الى العمر الذي يتيح لها التمييز بين ما هو صواب او ما هو خطأ ، انما المربي الفاضل على اقل تقدير وصل الى هذا العمر الذي يمكنه من التمييز.
تتعدد الحالات التي نجدها في لبنان او في اي من المناطق التي تشهد نزاعات مثل السودان او افريقيا بشكل عام.
في هذه الصورة قد لا نجد اي تعليق يذكر عنها حيث انها تتألف من صبي لا يكاد يتجاوزالخامسة من عمره يرتدي بذلة عسكرية و يحمل سلاحا حربيا، طبعا هذا السلاح على عكس طفلة طرابلس هو لعبة. يكاد يجتمع الاهل على شرعية هذه الالعاب للاطفال فيتفق الاهل جميعا على ان الاطفال الذكور تحديدا يحبون اللعب بالاسلحة كألعاب الشرطي واللص او غيرها من الالعاب. لذلك قد نجدها طبيعية الى حد ما، ولكن اللافت في هذه الصورة ليست ماهيتها بل التعليق المصحوب بها فالتعليق المصحوب بهذه الصورة ” بسام الفدائي الصغير” و قد نشرت على موقع التواصل الاجتماعي حيث لاقت رواجا بين الاصحاب والاصدقاء.
يكاد اول ما يترائى من الصورة ان تدلنا على الوطنية التي يتمتع فيها اطفال اليوم حيث يعلمونهم اهلهم معنى التضحية الوطنية فيلبسونهم الزي العسكري في يوم الجيش او بعضا من هذه التصرفات التي يعتبرونها جزءا لا يتجزأ من التنشئة الوطنية الصحيحة .
الا ان والدة هذا الطفل نعتته بالفدائي الصغير، و من المؤكد ان الطفل لا يعلم ماهية هذه الكلمة وما تعني لاصحاب القضية الفلسطينية.
اذا ما اخذنا بالمقارنة مع اي صورة قادمة من المجتمع الغربي و تحديدا صور الاطفال سنجد مفارقة شاسعة في ماهية التفكير. فبالنسبة للغرب تعتبر هذه الصور ارهابا فكريا نظرا لكون الطفل في الصورة لا شأن له بالسياسة الحاصلة في فلسطين او غيرها. فالمنطق الطبيعي للاطفال ان يتصوروا اثناء اللعب و ليس في حالات التأهب للمعركة .
ان اردنا تحليل هذه الصورة وربطها بالصور التي تفوق الوصف على الطرقات سوف نجد هذه الابتسامة البريئة التي ترتسم على وجه هذا الطفل هي ابتسامة الوداع.
هذه الابتسامة التي يتشارك فيها شهدائنا الابسال المنتشرة صورهم على الاوتوسترادات و اللوحات المنثورة على الطرقات. صورة لاشخاص يبتسمون في البزة العسكرية على كامل استعدادهم للتضحية في سبيل الوطن و قد اضحوا شهدائا. فالصورهنا هي بمثابة اوراق النعوى .
تعتبر هذه الصورة شبيهة لصور الشهداء ، طفل في بزة عسكرية حاملا سلاحه و مبتسما ابتسامة الشهداء. هذه الشهادة التي لم يحصل عليها و هذه الفدائية التي لا يعلم معناها .
اوليس الاجدر من والدته او والد الطفلة الطرابلسية ان يعلموهم معنى الحياة بدل ان يربطون اسمائهم باسماء القتلى والشهداء المبعثرين هنا وهناك؟
لا بد لهذا الطفل ان يتعلم ماهية الحياة قبل ان يبدأ بممارسة تدريبه على الشهادة.