في ذكرى رحيله.. محمود درويش قصيدة لا تنتهي
8 أغسطس, 2012
مقالات, ملفات خاصة
في حنينه لخبز أمه، امتزجت حكاياتنا بحلم الوطن وفي المنفى، ألقى في صفحات دفتره ما ضاق به من حقد، فكان محمود درويش طريقنا نحو حبنا الأول للوطن والمرأة والأرض واللغة.
في التاسع من آب/ أغسطس 2008 زف محمود درويش ابن الحكاية وشاعرها الشرس، تنقل فينا في خفايا السياسة وخنادق الثورة عن القرية عن البحر، السماء، المرأة الأم والحبيبة، وعن القهوة والنرد والحصان كتب. كان يحب الوقوع في الحب رغم اعترافه بفشله فيه. زف إلى الأرض التي طالما أحبها وتغنى بها ورأى دوما أن عليها ما يستحق الحياة.
نذكرك يا درويش شاعر الجمال والحب والثورة، عاشقا للجميلات الفلسطينيات، حافظا لجغرافيا الوطن، وسنذكرك كصاحب اليد التي خطت وثيقة الاستقلال التاريخي ليقرأها رجل المرحلة وكل المراحل، الرئيس الراحل والقائد المؤسس ياسر عرفات.
سيذكر شعبنا كلماتك النارية التي ألهبت قلوب العرب حماسة، وأحرقت قلوب المحتلين هلعا حين صرخت في وجوه من جثوا على أنفاس هذا الوطن الجريح بأن ارحلوا واحملوا أشياءكم وانصرفوا. في أيها المارون بين الكلمات العابرة.
آمن درويش في أدبه وشعره بحتمية الانتصار، كان يعرف عدوه جيدا بعكس الكثيرين، وجعل في كل حرف من قصائده رسالة بهذا المعنى، سواء كانت مباشرة أو مبطنة، وهو الذي يشار إليه في عالم الشعر والأدب بأنه من أدخل الرمزية إلى الشعر العربي الحديث فكانت الحمامة رمزا للسلام، ومن أتقن فن الشعر المنثور الذي أجمع النقاد على جماليته حتى عندما انتقدوه.
كتب قصائده بلغة الضاد، لغة أمه التي أصبحت لغة للكون إذ حملته عناصر إتقان الشعر وعنفوان المضمون وجمالية القصيدة والموهبة والنضج واللاحدود إلى حيث تبوأ مصاف شعراء العالم وأهمهم وأكثرهم تأثيرا، وترجمت أعماله إلى كل لغات الأرض. فعبر ترجمة شعره إلى أكثر من 22 لغة استطاع أن يوصل رسالته ومعه أصوات كل الفلسطينيين والعرب إلى العالم أجمع، فعرف العالم بقلم درويش الهوية الفلسطينية بكوفية الختيار وبالأصالة، واستطاع أن يلخص القضية بأسلوب إنساني استقطب اهتمام وفضول كبار الشعراء والمثقفين الذين انشغلوا في التسلل إلى شعره.
محمود درويش الذي ولد في قرية البروة قرب عكا في 13 آذار/ مارس 1941، عاش شبابه في فلسطين وعرف آنذاك بشاعر القومية العربية وتعرض للاعتقال على أيدي السلطات الإسرائيلية إلى أن اختار السفر إلى الاتحاد السوفييتي عام 1972 للدراسة، ومن موسكو توجه إلى القاهرة وأصبح منفاه عن الوطن حقيقة واقعة حتى عاد مع القيادة الفلسطينية عام 1994.. عاد مبتسما ولكن إلى جزء من وطن، وكانت عودته بداية مرحلة جديدة عاشها في ربوع وطنه ولو أنه في بعض الأحيان اختار الاغتراب الطوعي في فرنسا لفترات يبتعد خلالها عن مكامن غضبه من الناس أو غضب الناس منه ربما لعدم قدرتهم على تحمل الجمال فيما يقول.
يذكره أصدقاؤه برائحة قهوته وأسفاره، يذكرون الأيام والتواريخ ورائحة المكان والحوارات وكأنها الآن، علقوا في شعره وقصائده كما فعل الجميع، يذكرون جيدا حجم المثابرة والإصرار على الكتابة وكيف كانت الساحات حتى المفتوحة منها تضيق من كثرة المحبين، وكيف وجدت أشعاره طريقها نحو الموسيقى فغنى كلماته الكبار وحفظها الصغار، فكان محمود الأسطورة التي لا تأتي مرتين.
رحل درويش لكنه قصيدة لا تنتهي.
شبكة العهد