%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%8A أوكرانيا

فهد و القضية الفلسطينية

صادق البلادي / لم تنجح القوى الرجعية في إستغلال شعار لشق صفوف المناضلين في الحركة الوطنية العراقية وفي حركة التحرر العربية، مثلما نجحت في إستغلال شعار القضية العربية، قضية فلسطين وقضية الوحدة العربية، متلاعبة بالمشاعر القومية والدينية، المشاعر العاطفية البلادي أوكرانياالتي تغلب الهوى على العقل فتخدر بل تشل التفكير. فنشرت كثيرا من الأباطيل والأكاذيب عن موقف الشيوعيين العراقيين تجاه القضية العربية، وسعت لاستغلال أممية الحزب الشيوعي، ووقوفه المبدئي ضد كل تعصب قومي او ديني أو طائفي، واختياره الرفاق القياديين وفق قدراتهم وليس وفق انحداراتهم القومية أو الدينية أو المذهبية. وحاولوا توظيف هذا الموقف لاثبات مزاعمهم في أن الشيوعيين العراقيين يناوؤن القضية العربية لكونهم امميين، و ما يفقه أعداء الشيوعية أن الشيوعي بأمميته يزداد إعتزازا بقوميته.
ومنذما قبل غزو العراق جرت التهيئة لمحاولة عزل العراق عن العالم العربي في مرحلة بعد صدام، بأستغلال واقع ضعف أو حتى إنعدام التضامن مع شعبنا العراقي ليس فقط من جانب الأنظمة العربية، بل وحتى من منظمات التحرر العربية.و التأييد الشعبي الواسع لصدام من قبل الجماهير المُحبَطَة واليائسة في البلدان العربية مأسورة بالخطاب البعثي عالي النبرة ضد الإمبريالية والصهيونية واليوم والأخطار تشتد سعيا وراء تنفيذ خطة ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد ، الساعي الى تفتيت وتجزئة الأقطار التي أنشأت وفق إتفاقية سايكس- بيكو بعد الحرب العالمية الأولى،وإثارة حوب طائفية، ولإسرائيل دور كبير في هذا المخطط ترتفع أصوات للتقليل من مخاطر الصهيونية، والتي صارت دولتها تمتلك حوالي 300 قنبلة ذرية صغيرة. وفي هذا الظرف تجري مناقشات وتعليقات متعددة على صفحات الحوار المتمدن. واعتقد أن التعرف على مواقف الرفيق فهد يسهم في هذه النقاشات.

لقد كان موقف الحزب الشيوعي العراقي من القضية الفلسطينية والصهيونية قبل صدور قرار التقسيم في تشرين الثاني عام 1947 موقفا واضحا ومعروفا، إنه موقف محاربة الصهيونية باعتبارها حركة قومانية، عنصرية.
” فالفاشية والصهيونية توأمان لبغي واحدة ، هي العنصرية محظية الاستعمار.. وكل منهما نصبت نفسها منقذة وحامية لعنصرها، فالأولى بذرت الكره العنصري ونشرت الخوف والفوضى في أنحاء المعمورة وورطت شعوبها وأولعت بهم نيران حرب عالمية لم تتخلص أمة من شرورها، والثانية، الصهيونية، بذرت الكره العنصري ونشرت الخوف والفتن والإرهاب في البلاد العربية وغررت بمئات الألوف من أبناء قومها وجاءت تحرقهم على مذبح أطماعها وأطماع أسيادها المستعمرين الإنكليز والأمريكان، فتشعل بهم نيران الاضطرابات في البلاد العربية. وقد كان من أعمالها الإجرامية أن حولت فلسطيننا إلى جحيم لا ينطفئ سعيره ولا تجف فيه الدموع والدماء وتهددت الأقطار العربية بأخطارها و بأخطار القضاء على كيانها القومي جراء بقاء وتثبيت النفوذ الاستعماري فيها وجراء المشاكل العنصرية التي تسعى لإثارتها” كما كتب الرفيق فهد .
وقد لعب الرفيق فهد، انطلاقا من خبرته وتجربته في النضال من أجل مصالح ومهمات النضال الوطني _ القومي، ومستفيدا من مواقف ماركس من المسالة اليهودية وضد الصهيونية، ومن موقف لنين في صراعه ضد البوند ، المنظمة الصهيونية للعمال اليهود في روسيا، ومواقف الكومنترن، لعب الرفيق فهد دورا كبيرا في النضال ضد الصهيونية من أجل الشعب الفلسطيني، وكذلك في تعبئة اليهود العراقيين ضدها.فنشرت جريدة كفاح الشعب في عددها الثاني الصادر في آب 35 مقالا يعبر عن التضامن مع قضية الشعب الفلسطيني. ولذلك ليس عجبا أن يكون الشيوعيون العراقيون قد أسهموا عام 1936 سوية مع القومي يونس السبعاوي، أحد قادة حركة مايس 41 ـ حركة رشيد عالي الكيلاني ـ ، بتهريب السلاح بمساعدة دائرة الكمرك في الرمادي الى شرق الاردن حيث كان يستلمها فؤاد نصار، سكرتير الحزب الشيوعي الأردني فيما بعد، ليوصلها الى المقاومة الفلسطينية. ودعا الرفيق فهد في جريدة القاعدة عدد تشرين الأول 43 إلى تأسيس منظمة يهودية لمكافحة الصهيونية، للوقوف بوجه دعايات المنظمات الصهيونية التي تزايد نشاطها في العراق وفي البلدان العربية الأخرى يومذاك.
وفي أيلول عام 45 قدم طلب تأسيس عصبة مكافحة الصهيونية، والتي كانت أهدافها، كما وردت في منهاجها ” مكافحة الصهيونية وفضح أعمالها ونواياها بين جماهير الشعب العراقي لا سيما بين اليهود. بهدف القضاء على نفوذ الصهيونية ودعايتها، وفضح عملاء الصهيونية أمام جماهير اليهود، ومحاربة النفوذ الاقتصادي الصهيوني الذي يحاول السيطرة على البلاد العربية اقتصاديا، والقضاء على الصناعة الوطنية الناشئة فيها”.
وجاء في العريضة المقدمة لطلب تأسيس العصبة ” ان الصهيونية خطر على اليهود مثلما هي خطر على العرب ….ولما كانت قضية فلسطين هي قضية البلاد العربية بأسرها ، فلا يمكن الا أن نقف إلى جانب عرب فلسطين.. والدعوة لحل قضية فلسطين على أساس منع الهجرة اليهودية وإيقاف انتقال الأراضي العربية إلى أيدي الصهاينة وتأليف دولة ديمقراطية عربية مستقلة استقلالا تاما تضمن فيها كافة حقوق المواطنين عربا ويهودا”.
لم تُجز العصبة إلا في آذار 1946 ، قبيل قيام لجنة التحقيق الدولية حول القضية الفلسطينية بزيارة العراق، ومنحت امتياز إصدار  جريدة باسم ” العصبة “. وكتب الرفيق فهد في العصبة سلسة مقالات ضد الصهيونية، نشرت فيما بعد بعنوان ” نحن نكافح من أجل من؟ وضد من نكافح؟ ” تناول فيها جذور الصهيونية، وطابعها العنصري، والعلاقة العضوية بين الصهيونية والإمبريالية، ومؤامراتها على شعب فلسطين وحركة التحرر الوطني العربية، تواطؤ الرجعية الحاكمة مع المؤامرة، ومستلزمات التصدي لها. فبين الرفيق فهد” أن الصهيونية ليست سوى رأسمالية استعمارية .. وأداة مسخرة بأيدي الاستعمار الإنكليزي والأمريكي وحارسه الأمين . تعمل لتنفيذ الخطط الاستعمارية في البلاد العربية لغرض تثبيت وبسط السيطرة الاستعمارية. لقد تبناها الاستعمار البريطاني لغرض أيجاد حليف له في قلب البلاد العربية، في فلسطين لغرض شطرها عن البلاد العربية الأخرى واتخاذها قاعدة حربية، تسهر على مصالحه ضد الحركات التحررية في البلاد العربية والشرق الأدنى والأوسط لغرض إشغال الشعوب العربية بصد الهجوم الصهيوني وحرفها عن النضال من أجل استقلالها……..وان المصالح الأمريكية الناشئة في البلاد العربية ورؤوس أموالها المستثمرة بالاشتراك مع الرأسمال الصهيوني في فلسطين ، ووعد الصهاينة بتوظيف رؤوس أموال أمريكية كبيرة جدا، وتطلع أمريكا لاستخلاف الاستعمار البريطاني في فلسطين واتخاذها قاعدة لحماية مصالحها في البلاد العربية، كل هذه حملت الولايات المتحدة على استخدام نفوذها كاحتياطي للصهيونية “. وبين فهد دور الحكومات الرجعية العربية المتواطئة مع الاستعمار، مبينا العلاقة بين الديمقراطية والنضال ضد الإستعمار والصهيونية ، فشخص أن “القواعد البريطانية الحربية والمدنية في البلاد العربية وما يتبعها من أرتال خامسة وحكومات لا تقوم على أساس انتخابات ديمقراطية شعبية صحيحة هي من احتياطي الصهيونية.” وأكد على العلاقة العضوية بين النضال من أجل الديمقراطية في البلاد العربية و النضال ضد الصهيونية،وكان يؤكد على مسألة الديمقراطية في كثير من المناسبات والمواضيع، ففي دراسته عن الوحدة والاتحاد العربي المنشورة في أيلول 43 كتب أنه ” لو كان للشعوب العربية حقوق ديمقراطية لأمكنها تنظيم أحزاب شعبية جماهيرية ولاستطاعت أن تعبر عن شعورها القومي-الوطني تعبيرا عمليا ولاستطاعت أن تؤثر بنضالها على السلطات الحاكمة في بلادها للتدخل في شؤون قطرهم الشقيق فلسطين وحل مشكلته وإنقاذ الشعب العربي هناك من الورطة التي أوقعه فيها الاستعمار، لكن فقدان التنظيمات الديمقراطية وحبس الشعور العام داخل كل قطر من الأقطار العربية كانا السبب في أضعاف الحركة التحريرية العربية “. وما زال الحال في البلاد العربية اليوم كما كان عليه يومذاك ، بل أشد سوءا وقتامة.. وتظل قضية الشعب الفلسطيني في مركز نشاط الرفيق فهد في الكثير مما يكتب ويناقش، فتكاد لا تخلو معالجة له عن الأوضاع في العراق و الأقطار العربية من التطرق الى القضية الفلسطينية، فعندما يفضح صراع أقطاب العهد الملكي من أجل كراسي الحكم، وهم يتسترون على أغراضهم ومصالحهم الشخصية تحت شعارالمصلحة العامة ، يقول : ” مثل هؤلاء في تباكيهم على المصلحة العامة كمثل محطة برلين[ النازية ] في تباكيهاعلى القضية القلسطينية “ص 137 ، وعندما تمنع الحكومة الملكية دخول الصحف والمجلات التقدمية العربية الى العراق يكتب ” أن ممثلي الإستعمار هنا ومحتكري الحكم الوطني لا يتحملون الصحافة العربية الحرة التي تعالج القضايا العربية- وخصوصا القضية الفلسطينية – … فعمدوا الى منع دخول تلك الصحف ( صوت الشعب ومجلة الطريق اللبنانيتين) ” ص 139. ويفضح في مذكرة رفعها بإسم الحزب الى رئيس الدولة العراقية ومجلس الأمة، والى رؤساء الدول الكبرى ورؤساء الدول العربية عام 45 موقف الحكومة العراقية تجاه القصية الفلسطينية. وفي بحثه عن الوحدة والإتحاد العربي عام 1943 يربط بين ضرورة توفر الديمقراطية في البلدان العربية ونضال الشعوب العربية من أجل القضية الفلسطينية، ويشير في نفس البحث الى( الخطر الإقتصادي المتأتي من الصهيونية إذ أن البضائع المصنوعة في تل أبيب أخذت تغزو تدريجيا الأسواق العربية خارج فلسطين).
وعند فضحه لسياسة الدولية الثانية الإنتهازية يقرر أن ” سياسيي الدول الإمبريالية وجدوا في نظريات أبطال الدولية الثانية ينبوعا لا يجف اغترفوا منه، ففكرة الوطن القومي الصهيوني انبعثت من البوند (أحدى فصائل المنشفيك). ص375 ” وعندما يكتب عن لبنان يطالب بوجوب شمول حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وان يبدأ بتشكيل حكومة وطنية، وأن يفسح المجال للشعوب العربية في العراق ومصر وفلسطين وغيرها بممارسة حقوقها الديمقراطية، مؤكدا هنا أيضا على الترابط العضوي بين الإستقلال الوطني والديمقراطية. هذا الترابط إختلّ في سياسة الحزب الشيوعي أزاء حكومة قاسم الوطنية ، فإعتبر الأولوية هي للدفاع عن الحكم الوطني.، الأمر الذي أدى الى الفصل بين الوطنية والديمقراطية .، ولم تقتنع جماهير الحزب وأصدقاؤه بصواب الفصل بين الوطنية والديمقراطية ، وتكشف خطأ هذه السياسة الكارثية في نجاح انقلاب 8 شباط 1963 البعثي الفاشي. ثم تكرر خطأ الفصل هذا في سياسة الجبهة مع البعث في السبعينات.
وكانت عصبة مكافحة الصهيونية قد لفتت بنشاطاتها أنظار الوطنيين في فلسطين والبلدان العربية إليها، فأرسل إليها السيد جمال الحسيني عميد اللجنة العليا في فلسطين برقية يدعوها للمشاركة في الإضراب العام الذي تقرر عقده في البلاد العربية يوم 10 حزيران 46 احتجاجا على قرارات لجنة التحقيق الدولية المنحازة إلى الصهيونية.
ودعت لجنة من الأحزاب الوطنية العراقية المجازة الخمسة، لم تضم لا عصبة مكافحة الصهيونية نفس البحث الى( الخطر الإقتصادي المتأتي من الصهيونية إذ أن البضائع المصنوعة في تل أبيب أخذت تغزو تدريجيا الأسواق العربية خارج فلسطين).
وعند فضحه لسياسة الدولية الثانية الإنتهازية يقرر أن ” سياسيي الدول الإمبريالية وجدوا في نظريات أبطال الدولية الثانية ينبوعا لا يجف اغترفوا منه، ففكرة الوطن القومي الصهيوني انبعثت من البوند (أحدى فصائل المنشفيك). ص375 ” وعندما يكتب عن لبنان يطالب بوجوب شمول حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وان يبدأ بتشكيل حكومة وطنية، وأن يفسح المجال للشعوب العربية في العراق ومصر وفلسطين وغيرها بممارسة حقوقها الديمقراطية، مؤكدا هنا أيضا على الترابط العضوي بين الإستقلال الوطني والديمقراطية. هذا الترابط إختلّ في سياسة الحزب الشيوعي أزاء حكومة قاسم الوطنية ، فإعتبر الأولوية هي للدفاع عن الحكم الوطني.، الأمر الذي أدى الى الفصل بين الوطنية والديمقراطية .، ولم تقتنع جماهير الحزب وأصدقاؤه بصواب الفصل بين الوطنية والديمقراطية ، وتكشف خطأ هذه السياسة الكارثية في نجاح انقلاب 8 شباط 1963 البعثي الفاشي. ثم تكرر خطأ الفصل هذا في سياسة الجبهة مع البعث في السبعينات.
وكانت عصبة مكافحة الصهيونية قد لفتت بنشاطاتها أنظار الوطنيين في فلسطين والبلدان العربية إليها، فأرسل إليها السيد جمال الحسيني عميد اللجنة العليا في فلسطين برقية يدعوها للمشاركة في الإضراب العام الذي تقرر عقده في البلاد العربية يوم 10 حزيران 46 احتجاجا على قرارات لجنة التحقيق الدولية المنحازة إلى الصهيونية.
ودعت لجنة من الأحزاب الوطنية العراقية المجازة الخمسة، لم تضم لا عصبة مكافحة الصهيونية المجازة ولا حزب التحرر الوطني الذي لم يجز بعد، دعت تلك اللجنة إلى الإضراب العام. لكن الحزب الشيوعي وحزب التحرر الوطني وعصبة مكافحة الصهيونية كانوا ضد الاكتفاء بالإضراب العام فقط ودعوا إلى القيام بالتحشد والتظاهر، الأمر الذي لم يرق للأحزاب المجازة فهاجمت بعنف هذه المحاولات معتبرة إياها تشويها لقدسية الإضراب، ودافع فهد في جريدة العصبة عن هذه الأساليب منطلقا من أن إهمال شأن تدريب الجماهير الشعبية على مختلف أشكال الكفاح السياسي أضاع ويضيع الفرص المؤاتية. وتطبيقا لمثل هذه الدعوات وتدريبا على أساليب الكفاح الجماهيرية ” جرت مظاهرة صاخبة من جانب الرصافة من بغداد يوم 28 حزيران 1946 قام بها حزب التحرر الوطني غير المجاز، وعصبة مكافحة الصهيونية، اللذان يمثلان واجهة الحزب الشيوعي السري وذلك احتجاجا على المظالم الجارية في فلسطين.” كما يذكر الحسني في تاريخ الوزارات العراقية. ويذكر بطاطو في سفره الضخم عن العراق هذه التظاهرة، نقلا عن ملفات التحقيقات الجنائية أن عدد المشتركين فيها حوالي 3000 من الطلاب والعمال،[ لنتذكر أن سكان العراق يوم ذاك لم يصل 5 ملايين نسمة بعد، والأمية كانت إحدى الآفات الثلاث المتفشية : الفقر والجهل والمرض ]. وبعد عبورها إلى الكرخ، واقترابها من السفارة البريطانية ، أطلقت الشرطة النار عليها، فقتل شاوؤل طويق، اليهودي عضو الحزب الشيوعي العراقي وجرح أربعة آخرون، فكان أول شهيد للحركة الوطنية العراقية بعد الحرب العالمية الثانية في نضالها من أجل التحرر الوطني ـ القومي وفي سبيل الديمقراطية. هذا الشاب الشيوعي، اليهودي، المشارك في تظاهرة من أجل فلسطين، ضد الصهيونية، عدوة العرب واليهود، قتل بأوامر صادرة من حكومة العهد الملكي ، المدعي زورا تبنيه القضية الفلسطينية. ويعتبر بطاطو هذه المظاهرة حدثا تاريخيا يؤشر لانفتاح التيار الذي وصل ذروته في وثبة كانون الثاني عام 48. وكان ذاك النشاط ينطلق تنفيذا لما سطره الرفيق فهد في الميثاق الوطني للحزب الشيوعي، من أهداف، بينها ” النضال في سبيل التقارب و التعاون السياسي بين الشعوب العربية، بين أحزابها وجماعاتها السياسية الديمقراطية من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية لفلسطين والأقطار العربية المستعمرة والمحمية، ومن أجل استكمال استقلال العراق وسوريا ولبنان ومصر، ضد الصهيونية وضد الدول المستعمرة …. ونناضل ضد الهجوم الصهيوني والإقتصادي”.
فهد وقرار تقسيم فلسطين
لقد تباينت الروايات حول موقف الشيوعيين العراقيين من القضية الفلسطينية، فكثير من القومانيين العراقيين والعرب يجعلونهم كأنهم المسؤولين عن التقسيم وأقامة دولة إسرائيل، وكان شعارهم المفضل هو الصراخ : ” فلسطين عربية فلتسقط الشيوعية” ورغم الوبال الكبير الذي حل بالشعب الفلسطيني وبحركة التحرر العربي بعد انهيار المعسكر الاشتراكي لم يعيد القومانيون ولا الاسلاميون النظر في مواقفهم من معاداة الشيوعية. وليس قليل عدد المناضلين من القومانيين الذين يبررون انتسابهم إلى التيار القومي بحجة موقف الحزب الشيوعي العراقي الخاطئ من القضية الفلسطينية. بينما آخرون، ومنهم المصري أبو سيف يوسف، يشيد بالموقف الصلب للحزب الشيوعي العراقي الذي رفض التقسيم، كما يورد ذلك في في كتابه ” وثائق ومواقف من تاريخ اليسار المصري” .
من المعروف أن موقف الاتحاد السوفييتي تجاه القضية الفلسطينية، قبل قرار التقسيم، كان هو نفس موقف الحركة الشيوعية في البلاد العربية، إدانة الصهيونية كحركة عنصرية استعمارية، في خدمة الاستعمار البريطاني والأمريكي، موجهة ضد الشعب الفلسطيني وحركة التحرر العربية، وأن الحل هو ، كما ذكرته عصبة مكافحة الصهيونية في طلب تأسيسها عام 45 ” منع الهجرة اليهودية وإيقاف انتقال الأراضي العربية إلى أيدي الصهاينة وتأليف دولة ديمقراطية عربية مستقلة استقلالا تاما، تضمن فيها حرية المواطنين كافة عربا ويهودا”. ولذلك فان موافقة الاتحاد السوفييتي على قرار التقسيم في تشرين ثاني 47 نزلت نزول الصاعقة على الشيوعيين العراقيين، كما يصف ذلك الرفيق زكي خيري في ” صدى السنين في ذاكرة شيوعي عراقي مخضرم” ص137. ويشير إلى دهشة فهد من موقف الاتحاد السوفييتي هذا بقوله، الذي أسره به على انفراد: ” لا أدري كيف اعترف الاتحاد السوفييتي بدولة لليهود.” وكان ممثل الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة تسارابكين، قد أعلن يوم 13 تشرين أول47 أن الوضع في فلسطين صار الى درجة من التوتر بين العرب واليهود أصبح فيها مشروع التقسيم هو الحل الأفضل القابل للتحقيق، فكتب الرفيق فهد من السجن في1 تشرين ثاني 47 رسالة تبريرية إلى المسؤول الأول في بغداد حول تبدل موقف الاتحاد السوفييتي من التقسيم جاء فيها:
” ان موقف الاتحاد [ السوفييتي] جاء نتيجة محتمة للأوضاع والمؤامرات والمشاريع الاستعمارية المنوي تحقيقها في البلاد العربية وفي العالم.فالمهم في الموضوع هو وجوب إلغاء الانتداب وجلاء الجيوش الأجنبية عن فلسطين وتشكيل دولة ديمقراطية مستقلة كحل صحيح للقضية ومن واجبنا أن نعمل لهذا حتى الأخير ولكن إذا لا يمكن ذلك بسبب مواقف رجال الحكومات العربية ومؤامراتهم مع الجهات الاستعمارية فهذا لا يعني اننا نفضل حلا آخر على الحل الصحيح ونرى من الأوفق أن تتصلوا بإخواننا في سورية وفلسطين وتستطلعوا رأيهم في تحديد الموقف.” وينشر بطاطو في كتابه توجيها داخليا صادرا من قيادة الحزب في شهر كانون أول47 بعد صدور قرار التقسيم في29 تشرين ثاني 47 يعلن فيه رفض الحزب للقرار، يبين التوجيه أن موقف الاتحاد السوفييتي قد قدم فرصة للصحف وعملاء الاستعمار للتهجم ليس فقط على الاتحاد السوفييتي وانما على الحركة الشيوعية في البلاد العربية، وتحدد التوجيهات موقف الحزب انطلاقا من كون الصهيونية حركة عنصرية ، دينية ورجعية، وأن الهجرة اليهودية إلى فلسطين لا تحل مشاكل يهود أوربا، بل تشكل غزوا منظما توجهه الوكالة اليهودية، واستمراره بالشكل الحالي يعرض للخطر حياة وحرية السكان الأصليين، وأن تقسيم فلسطين مشروع إمبريالي قديم قائم على افتراض استحالة التفاهم بين العرب واليهود، وأن شكل حكومة فلسطين يحدده بصورة مشروعة سكان فلسطين، القاطنين فيها فعلا، وليس الأمم المتحدة ولا أية منظمة أخرى أو دولة أو مجموعة دول، وأن التقسيم يقود إلى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة، وأن التقسيم واقامة دولة يهودية سيشدد العداوات العنصرية والدينية، وسيؤثر جديا على آفاق السلام في الشرق الأوسط ، وتعلن التوجيهات الداخلية أن الحزب الشيوعي العراقي لكل هذه الأسباب يرفض رفضا قاطعا مشروع التقسيم.(بطاطو ص 598/599 النص الإنكليزي). وإن أخذنا بنظر الاعتبار الصلات التي كانت قائمة بين الرفيق فهد في السجن وقيادة الحزب في الخارج، والتي وجدت تعبيرها في رسائل الرفيق فهد إلى المسؤول الأول ببغداد، المنشورة في ” كتابات الرفيق فهد ” يمكننا القول أن هذه التوجيهات صادرة باستشارة الرفيق فهد.
وانعكس استمرار تبني الحزب الشيوعي العراقي لهذه السياسة على صفحات جريدة الأساس التي صدرت علنية ابتداء من 18 آذار 48. ويصف الرفيق زكي خيري في صدى السنين موقف جريدة الأساس تجاه القضية الفلسطينية بالقول: ” عندما أعدت الدول العربية قوات مسلحة لتحرير فلسطين بعد أن رفضت البديلين المعروضين عليها دولة مشتركة بين العرب واليهود أو دولتين منفصلتين واحدة للعرب وأخرى لليهود، بدأنا في جريدة الأساس الحملة تأييدا لحرب التحرير تحت شعارات مدوية ومنها ” كل شئ للجبهة”…واستمرت الحملة…حتى أعلن قيام ” الدولة الإسرائيلية” واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي بها فأخذنا على عاتقنا تغيير موقفنا من الحرب بحيث ينسجم مع موقف الاتحاد السوفييتي. وبعد عدة أيام من الاعتراف لم تعد الأساس تنشر الشعارات الحربية، وكتبت مقالا افتتاحيا ينتقد الدول العربية لأنها أهملت الحل السلمي.” ص138، ويشير بطاطو إلى العدد الصادر في 24 أيار 48 الذي بدء فيه تغيير الموقف، والى الصادر في 22 أيار 48 الذي كان شعاره المرفوع ” ” يا أبناء شعبنا! ناضلوا من اجل الحفاظ على عروبة فلسطين ولإفشال مشروع الدولة الصهيونية”.
وفي رسالة للرفيق فهد من سجن الكوت غير مؤرخة، ولكن يبدو أنها أثناء حرب فلسطين يكتب : ” يلاحظ أن الرجعية الإستعمارية والمحلية في ورطة في قضية فلسطين وانها تفتضح أكثر فأكثر وأن السخط الشعبي الجماهيري أخذ ينعكس في الصحف المحلية حتى الرجعية منها لذلك ينبغي التهؤ التنظيمي والمباشرة فورا بتعبئة جماهير الشعب .” ص466 وأغلقت جريدة الأساس بعد أيام، وبدأت جريدة الوطن، جريدة الأستاذ عزيز شريف، في نشر مقالات ضد قرار التقسيم، انبرى زكي خيري للرد عليه في صحافة الحزب السرية، التي أخذ فيها كامل حريته، كما يقول. وفي بيان  المركزية بتاريخ 6 تموز 48 أعلنت عن قبولها وتبنيها للموقف السوفييتي بالمطالبة” بإقامة دولة عربية ديمقراطية في القسم العربي من فلسطين”، وتكرس هذا الموقف بعد بضعة أسابيع بقيام الحزب في آب 48 بنشر كراس ” ضوء على القضية الفلسطينية” الذي أرسلته ” اللجنة العربية الديمقراطية في باريس، والذي يبرر قيام إسرائيل مع إضفاء صفة “التقدمية” عليها، فأساء نشره للحزب وسمعته النضالية الطويلة في سبيل القضية الفلسطينية واستغلت الحكومة ذلك ودفع الحزب الثمن غاليا، وعرف فيما بعد أن د.إبراهيم كبة كان من المعارضين لهذا الكراس عند مناقشته في اللجنةالعربية التقدمية في باريس.ورغم تبني الحزب لمواقف الضوء فانه جوبه بعدم القبول ليس فقط من خارج صفوف الحزب، مثل عزيز شريف، بل وكذلك من بين صفوف الحزب أيضا، إلى درجة قيام البعض من رفاق الحزب بترك صفوف الحزب. ويروى أن الكراس لما وصل للسجن وبدأ أحد أعضاء لجنة السجن في قراءته بالقاووش أمره فهد بالتوقف بعد قراءة بعض المقاطع، وحتى أن كتاب ( أضواء على الحركة الشيوعية ) الملئ بالأكاذيب والتشويهات يعترف ان ألرفيق فهد ” لم يخف، وهو في سجن الكوت، استغرابه مما ورد فيه من أمور مشوهة ومعلومات مضللة “(ج1 ص118) ، الأمر الذي يطرح تساؤلا مشروعا فيما إذا كان الرفيق فهد قد وافق على تبني موقف الكراس هذا. ومن المعروف أن الحزب الشيوعي العراقي كان قد أعاد النظر في تقييم هذا الكراس في الكونفرنس الثاني للحزب، الذي عقد في أب 56، معتبرا أن ما ورد فيه يشكل تسريبا لمفاهيم خاطئة عن الحركة الصهيونية إلى صفوف الحزب.
وإزاء الموقف الواضح لفهد من القضية الفلسطينية، ليس من العجب ان يكون الشيخ أسعد قدورة مفتي صفد، والشيخ جمال الدين السعدي، امام جامع الجزار في عكا من بين الذين شاركوا في الاحتجاجات العالمية على صدورحكم الاعدام على فهد قبل خمس وستين عاما في حزيران 1947.

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …