%D9%85%D8%A7%D8%AC%D8%AF %D8%B9%D8%B2%D8%A7%D9%85 أوكرانيا

فلسطين: عشر سنوات على المصالحة… العملية مستمرة

ماجد عزام / ربما لا ينتبه أو سيتفاجأ كثيرون من حقيقة مرور 10 سنوات على عملية المصالحة الفلسطينية بشكلها الحالي، والتي وضعت أولى وثائقها – إعلان القاهرة – في مارس/ ماجد عزام أوكرانياآذار 2005، وللمفارقة فإنه تضمن البند الشهير الخاص بتشكيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، والذي كان من المفترض أن يأخذ على عاتقه إعادة بناء أو إصلاح المنظمة وفق أسس وطنية ديموقراطية شفافة ونزيهة، كي تعبّر فعلاً عن المزاج السياسي للشارع الفلسطيني.

معلوم طبعاً أن البند ظلّ حبراً على ورق، والإطار الموصوف لم يجتمع سوى مرات قليلة وغالبية أعضائه بلغوا من الكبر عتيّا ولا أعتقد أنهم يملكون الإرادة أو القدرة على إعادة بناء جادّة وجدّية للقيادة الهرمة والمترهلة الموجودة حالياً.

خلال العشر سنوات الماضية التي تحولت فيها المصالحة إلى عملية يمكن الحديث عن ستّ محطات رئيسية، هي إعلان القاهرة 2005، ثم وثيقة الوفاق الوطني حزيران 2006، فاتفاق مكة شباط فبراير 2007، ثم ورقة أو وثيقة القاهرة التي صيغت في 2009، ولم يتم التوقيع عليها رسمياً إلا في أيار 2011. فاتفاق الدوحة شباط 2012 فبراير، وأخيراً إعلان الشاطىء نيسان إبريل 2014.

حول مسيرة محطات عملية المصالحة خلال السنوات الماضية وواقعها الحالي يمكن تسجيل الملاحظات الأساسية التالية:

– المصالحة تحوّلت بالتأكيد إلى عملية وعشر سنوات مدى زمني طويل جداً، من أجل إنهاء الانقسام أو تكريس المصالحة بين طرفين يعيشان ضمن سلطة وهمية وخاضعة للاحتلال بشكل أو بآخر. وهي باتت شبيهة بعملية التسوية في صعودها وهبوطها، وإنْ تناسبت عكسياً معها، بمعنى أن المصالحة تقدمت حيث تراجعت التسوية والعكس صحيح أيضاً.

– كان لافتاً تأثير إعلان القاهرة ربيع العام 2005 على عملية المصالحة والمشهد الفلسطينى ككل. فقد تضمن الإعلان ثلاثة بنود تأسيسية أو مركزية هدفت إلى تشكيل الواقع الفلسطيني ببعديه الداخلي والخارجي، حيث نص الإعلان على تهدئة مع الاحتلال محدّدة بسقف زمني معين حتى نهاية العام 2005، إلاّ أن التهدئة باتت هي القاعدة والتصعيد هو الاستثناء بين الشعب الفلسطيني والقوة القائمة بالاحتلال في سابقة تتناقض مع كل التجارب والنماذج التاريخية المشابهة، حيث التهدئة مصلحة للاحتلال والتصعيد مصلحة؛ وضرورة للشعب الخاضع له من أجل نيل حريته واستقلاله.

– تضمن الإعلان بنداً ينصّ على إجراء الانتخابات البلدية والتشريعية في خطوة هدف من خلالها الرئيس محمود عباس وحركة فتح لنيل شرعية ديموقراطية أو بيعة شعبية بعد رحيل الشهيد ياسر عرفات. كما إدماج حماس في العملية السياسية وفق القواعد والأسس التي وضعتها الحركة، وطبعاً تحت سقف أو محدّدات اتفاق أوسلو دون تعاطي مع فرضية فوز حماس، بينما خاضت هذه الانتخابات بغرض نيل الشرعية الديموقراطية أو الشعبية بعد شرعية الميدان والمقاومة بشكلها المسلّح دون أن تتوقع الفوز، وبالغالبية الكاسحة العائدة أساساً إلى النظام الانتخابي الهجين، حيث لم تتجاوز النسبة  بين الحركتين ثلاثة بالمائة في النظامين النسبي والجغرافي لصالح حماس طبعاً.

– فوز حماس المفاجىء بعثر كل الأوراق، وأدى إلى غياب المؤسسات القوية حزبياً ووطنياً، كما غياب التقاليد الديموقراطية الراسخة إلى ترجيح فكرة الاقتتال والتنافس على التعاون وتقديم التنازلات المتبادلة، وبتفصيل أكثر وبنظرة إلى الوراء ما كان يجب على حماس أن تشكل حكومة حزبية ضيّقة في تجاهل لموازين القوى، وقيود أوسلو بأبعادها الداخلية والخارجية. وفي المقابل ما كان يجب محاصرة حكومتها أو منع الدعم عنها وفرض الشروط عليها دون إعطائها الفرصة للحكم وفق التفويض الشعبى المعطي لها، وتحت سقف زمني محدّد وضمن نظام رئاسي يضم رئيس منتخب أيضاً.

– تضارب البرامج السياسية ووتأثيراته على عمل الحكومة والمؤسسات، تم حلّه عبر وثيقة الأسرى أو وثيقة الوفاق الوطني التي تضمنت برنامج الحدّ الأدنى المتوافق عليه فلسطينياً، بما في ذلك وسائل وآليات العمل الفلسطيني في شقّه المقاوم، أو السياسي والديبلوماسي، غير أن  ترهّل المؤسسات وانعدام الشفافية والصراحة في مناقشة الواقع أو المأزق الفلسطيني حوّل الوثيقة إلى مجرّد حبر على ورق تماماً، كما البند الخاص بإصلاح وإعادة بناء منظمة التحرير.

– مثل أسر الجندي الأسير جلعاد شاليت في حزيران/ يونيو 2006، وبالتزامن مع توقيع وثيقة الوفاق الوطني دليلاً على عدم تخلي حركة حماس عن خيار المقاومة، إلا أنه، ومن جهة أخرى. قدّم برهاناً على استحالة الجمع بين المقاومة والسلطة تحت سقف، أو إطار واحد وهو المعضل أو المشكل الذي لم يحل حتى الآن.

-اتفاق مكة جاء متأخراً وبعدما تكرّس الانقسام على أرض الواقع، وبات الانفجار والاقتتال مسألة وقت فقط، كما أنه كان دليلاً من جهة أخرى على تدهور المشهد العربي بشكل عام، وعجز العرب عن التأثير إيجاباً لا في المسألة الفلسطينية، ولا في المسائل العربية الأخرى من العراق إلى السودان، ومن  اليمن إلى الصومال.

-بعد عام ونصف تقريباً من حصول الاقتتال والانقسام في حزيران/ يونيو 2007 بدأت القاهرة في ظلّ نظام حسىني مبارك جهود للوساطة ارتبطت أساساً برغبة الرئيس باراك أوباما في العمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي في فلسطين وتعيينه مبعوث خاص لهذا الغرض – جورج ميتشل – وبدا تحرّك القاهرة في اتجاه المصالحة من أجل ضمان التهدئة في غزة، كما ضمان إعادة توحيد المنظومة السياسية الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس من أجل الاستعداد لتطبيق اتفاق السلام المأمول والمنتظر.

-كما هو معروف فشلت جهود ميتشل ونفض أوباما يديه من الملف الفلسطيني والمنطقة بشكل عام، إلا أن حوارات فتح وحماس الثنائية برعاية القاهرة أثمرت ورقة معقولة جداً في خريف العام 2009، وقّعتها فتح ولم توقّعها حماس نتيجة لغياب الثقة بين هذه الأخيرة ونظام مبارك، وهي نفس الورقة التي تم توقيعها بعد ثورة يناير 2011، وبعد ملحق شكلي كان بإمكان أي وسيط نزيه أن يعوضه وينوب عنه.

-رغم توقيع ورقة القاهرة، والتوصل إلى تفاهمات فلسطينية على مختلف القضايا محل الخلاف، إلا أن سعي جون كيري  لاسئتناف عملية التسوية، ثم مراهنة هذا الطرف أو ذاك على رياح التغيير في العالم العربي جمّدت عملية المصالحة ومنعتها من التقدّم إلى أن تم التوقيع على اتفاق الشاطىء في غزة في نيسان/ إبريل من العام الماضي.

عبر اتفاق الشاطىء عن  غياب أي وسيط عربي في عملية المصالحة، كما عن أخذ الفلسطينيين لزمام أمورهم بأنفسهم، ورغم أن حماس قدمت تنازلات عدة أهمها القبول بحكومة توافق خاضعة تماماً لسلطة الرئيس وسطوته غير أنها أصرت على التمسك حرفياً بما جاء في تفاهمات المصالحة، خاصة في الشقّ الأمني الذي يضمن سيطرتها الأمنية إلى ما بعد إجراء الانتخابات أو تشكيل لجنة عربية تشرف على إجراء الإصلاحات الأمنية المطلوبة، وإعادة دمج الأجهزة الموجودة حالياً وفق أسس وطنية ومهنية نزيهة.

طبعاً هذا البند تجاوزه الزمن الا أن تنازل حماس عن سيطرتها الأمنية والإدارية، وهو الأمر الملح والضروري، يرتبط حتماً بشراكة سياسية جدية في السلطة والمنظمة لا يبدو الرئيس عباس  للأسف مستعد أو متقبّل لها لا في السلطة، ولا في المنظمة، ولا حتى داخل فتح نفسها؛ فى ظل  إقصائه أو تحجيمه المنهجي والمتواصل لخصومه ومنافسيه.

في الأخير وباختصار ورغم السعي الإسرائيلي الدؤوب للحفاظ على الوضع الراهن، إلا أن سيرورة عملية المصالحة أثبتت أن بإمكان الفلسطينيين أن يأخذوا زمام أمورهم بأنفسهم إذا ما أرادوا، إلا أن نزعة التفرّد والاستئثار ما زالت هي الغالبة والسائدة، وعموماً فإن القضية الفلسطينية لم تعد ملحّة وذات أولوية لا عربياً ولا دولياً، ولذلك سيبقى المشهد على حاله؛ اتفاق هنا، وتفاهم هناك، دون أي تقدّم جدّي لا في عملية المصالحة ولا في عملية التسوية أيضاً، في تكرار أو استنساخ لحالة اللاحرب واللاسلم التي سادت لعقود بين العرب وإسرائيل.

·        كاتب فلسطيني

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …