فؤاد خشيش / بداية، لا بد من الاشارة الى ان “التجسس” أحد الأنواع والسبل الملتوية في الحروب الحديثة والقديمة ،والجاسوس هو الشخص الذي يعمل في الخفاء أو تحت شعار كاذب ليحصل على معلومات عن العمليات العسكرية لدولة محاربة بهدف إيصالها للعدو، والجواسيس يعملون في وقت الحرب والسلم من اجل الحصول على معلومات معينة او محددة لـ” تعزيز” جبهة الدولة التي يتجسسون لحسابها.
في هذا الاطار ،أثارت فضيحة تجسس اميركا على حلفائها وأصدقائها، حالة من الاستهجان والاستنكار الدولي، وأظهرت هذه الفضيحة مدى ضعف الإدارة الأميركية، لتلجأ لمثل هذه الممارسات من التنصت والتجسس، على أفراد ودول على هذا النحو، وبخاصة أن اميركا تصنف على أنها مازالت الدولة الأقوى في العالم، في مجال الاقتصاد والتكنولوجيا، والأكثر تقدماً علمياً وتقنياً.
وبدأت رائحة فضيحة التجسس الأميركية تفوح وتثير حالة من الاشمئزاز والاستنكار، بعد أن فجر إدوارد سنودين، الموظف السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية، والموظف في وكالة الأمن القومي الأميركي، مفاجأة وقضية دولية، بعد أن كشف لصحيفتي “واشنطن بوست” الأميركية، و”الغارديان” البريطانية في يونيو الماضي، حقائق عن عمليات التجسس والمراقبة الأميركية، من خلال وكالة الأمن القومي الأميركي، للاتصالات الهاتفية وبيانات الإنترنت، مستغلة شركات كبرى مثل غوغل وفيسبوك.
وبحسب وثائق سنودين، فإن الولايات المتحدة الأميركية، اعترضت في شهر واحد فقط أكثر من 70 مليون مكالمة واتصال هاتفي في فرنسا. وأكدت صحيفة لوموند الفرنسية في أعقاب هذه الفضيحة، أن فرنسا تمتلك الآن أدلة دامغة، على استهداف مصالحها بشكل دوري.
وتشابه الموقف الفرنسي مع الموقف الألماني في الرفض القاطع لتلك المسألة، حيث ان الولايات المتحدة الأميركية قامت بالتجسس، على نصف مليار من الاتصالات ورسائل البريد الالكتروني، والرسائل النصية في ألمانيا، من بينها الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وهو ما أثار سخط واستهجان الإدارة الألمانية، ودفع المستشارة الألمانية لحث الاتحاد الأوروبي، على إبرام اتفاق بعدم التجسس بين دوله.
في هذا السياق, قال جوناثان لورانس، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في بوسطن كوليدج والمتخصص في العلاقات الأميركية الألمانية: “إن علينا مسؤولية تقديم اعتذار صادق وطمأنة حقيقية، ولكن لا يمكننا أن نغفل حقيقة أننا لسنا العدو وأن لديهم أعداء”،مؤكدا “ينبغي علينا ألا نغفل حقيقة أن الدول الأوروبية ليست تابعة لنا ولكنها بدرجة ما خاضعة لحمايتنا”.
فيما اشارت أشيلي ديكس، أستاذ القانون في جامعة فيرجينيا الى “إن إحدى السلبيات الكبيرة لدخول الولايات المتحدة في اتفاق استخباراتي ملزم مع ألمانيا ستكون إرساء سابقة قد تدفع دولاً أخرى للسعي إلى اتفاقات مشابهة”، مضيفة “أن الولايات المتحدة لن تخسر معلومات استخباراتية بتوسيع الاتفاقات الملزمة فحسب، بل سيتعين عليها أيضاً أن تفكر في احتمال أن ينتخب بلد مثل ألمانيا في مرحلة ما حكومة غير صديقة مما يعقد عمل الحكومات الأميركية المقبلة”.
وعلى المستوى العربي، أثارت هذه الفضيحة قلق واستنكار العديد من الدول العربية، ومنها مصر، حيث أشار السفير المصري حسن هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق: “إن مصر من أوائل ضحايا التجسس الأميركي منذ الثمانينيات، وطالب قادة الاتحاد الأوروبي، بتوقيع معاهدة عدم التجسس مع اميركا، مثلما حدث بينها وبين فرنسا.
وفي الأردن أشارت تقارير صحفية، أن الولايات المتحدة الأميركية، تجسست على أكثر من واحد ونصف مليار مكالمة أردنية، الأمر الذي أثار ردود أفعال قوية، منددة بالممارسات الأميركية.
ان فضيحة التجسس الأميركي، كشفت عن الوجه الآخر للولايات المتحدة الأميركية، بما يتصل بالعلاقات الدولية ومفهوم حماية الحريات الشخصية، ولئن كان ذلك قد تم ويستمر الى حد ما، تحت شعار “حماية الامن القومي الاميركي من الارهاب او غير ذلك من المسميات او المصطلحات التي يمكن استخدامها بشكل تجميلي” للتغطية على تلك الفضيحة المدوية…
وكانت الشبكة الكندية “CBC” التي نقلت المعلومات التي سربها إدوارد سنودن الذي كان يعمل لحساب المخابرات الأميركية. وقالت الشبكة إن مستندات سنودن تظهر أن رئيس الوزراء ستيفن هاربر سمح لأكبر وكالة تجسس أميركية أن تجري مراقبة على نطاق أوسع في كندان أثناء القمة الثامنة عام 2010، وأثناء القمة الـ 20.
واظهرت المستندات المطبوع عليها “سري للغاية” التي تمكن سنودن من تسريبها، أن الولايات المتحدة قد حولت سفارتها في أوتاوا إلى مركز للقيادة خلال عملية تجسس دامت ستة أيام من قبل وكالة الأمن القومي، في الوقت الذي كان فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما ورؤساء حكومات 25 دولة أجنبية أخرى على الأراضي الكندية في شهر يونيو من عام 2010. وذكرت الشبكة أن العملية التجسسية الأميركية لم تكن تخفى على السلطات الكندية.
والسؤال الذي يطرح من قبل الكثير من المحللين حول المدى القانوني لما حصل وفي ماهية الاشخاص المؤتمنين على اسرار الدولة وفي كيفية انتقائهم لتسلمهم تلك المواقع الحساسة . والحديث هنا ايضاً ينطبق على ما يسمى “العالم الصحافي او الاعلامي”الذي لا بد من التعريج عليه في هذه المقالة حيث ان عالم الاعلام والصحافة اصبح في الفترات الاخيرة موضع رصد من قبل كافة اجهزة الاستخبارات كون الصحافي يكون بشكل دائم في كل الاماكن الحساسة وفي الكثير من اللقاءات والاجتماعات ولا عجب فيما بعد يصدر اعلامي او صحافي كتاباً عما رآه وما سمعه من قادة او اشخاص يتنكبون مواقع حساسة سواء في مؤسسات الدولة او شركات ضخمة الى ما غير ذلك ويكون الدافع الحصول على الاموال او الشهرة، وهذا ما يبرز في الاحداث السياسية الكبيرة او بعد عمليات التغيير السياسية التي تحصل في اي بلد معين وهذا ما بدأنا نطلع عليه بعد الاطاحة بزعماء العرب بعد الاطاحة بالعديد منهم …
اضف لذلك ان ثورة الاتصالات التي احالت الكون الى قرية ثم الى حجرة صغيرة لم يدع الجاسوسية او المخابرات ذاك العالم السري الغامض .. الذي يريده الرجال ذوي النظارات السوداء والنظرات الباردة.. فقد اخذوا في الخروج الى العلن بعد تبديل قواعد اللعبة التي سادت اوان الحرب الباردة بعد انهيارالاتحاد السوفياتي ودول الكتلة الاشتراكية في نهاية القرن الماضي. وقد يتحول احياناً الصحافي الى ضحية من قبل اجهزة كثيرة، وبخاصة اذا كان مشهوراً ومعروفاً ومطلعاً على الكثير من المعلومات والوثائق…وكل الاحوال من حق الجمهور الاطلاع على المعلومة كون الصحافي هو الشخص الاكثر اطلاعاً عما يجري ويحصل في الكواليس ولهذا يكون عرضة للملاحقة على اعتباره بمثابة “جاسوس غي معلن ” ان صح التعبير .ولا بد من الاشارة الى انه في السنوات الاخيرة تم كشف الكثير من المعلومات من قبل صحافيين تمكنوا من الحصول عليها وكانت مدوية اثارت الكثير من الفضائح ما جعل اصحابها عرضة للملاحقة او الاعتقال، وبمثابة هدف مشروع للقتل، وهنا الامثلة كثيرة ابرزها وثائق ويكيليكس التي كشفت الكثير من المعلومات سواء عن الدول او الاشخاص.
وفي السياق، هناك بعض اجهزة المخابرات تلجأ الى تجنيد عملاء لها في مختلف المواقع والقطاعات سواء الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ومن بينها بالاخص الاعلام ومنها من يتم الكشف عنها او يتم انفضاح امرها كمثل الصحافي الذي عمل في قناة “سي بي اس” نيوز، باتريك دونو، الذي الف فيما بعد كتاباً بعنوان ” الصمت يصونك” ،لكنه لم يلتزم بمضمون كتابه وعنوانه ما كان بمثابة قنبلة اعلامية جعلت من كل صحافي بمثابة ” عميل او جاسوس”. وبكل الاحوال
ان مهنة الصحافي يكتنفها الغموض والعلاقات الملتبسة وبخاصة في الفترات الاخيرة ، حيث يسعى الصحافي الى نقل او نشر الصورة على حقيقتها تلافياً للتعمية على حدث معين.لا بل اكثر من ذلك، اذ تسعى بعض وسائل الاعلام الى استعمال اساليب المخابرات في عملية التنصت على بعض الشخصيات( سياسية، نقابية، رجال اعمال نافذون) عبر محاولة اختراق البريد الالكتروني الخاص بهم … وقد يكون الهدف من ذلك اما محاولة جذب القراء او المشاهدين لرفع وتيرة المشاهدة ،او رفع بيع اعداد الصحيفة التي يعمل فيها الاعلامي. وفي هذا الاطار يبرر عميد كلية الاعلام السابق بجامعة بركلي الاميركية حق الصحفي في “اخفاء” هويته الحقيقية، او انتحال صفة او هوية اخرى، للحصول على المعلومات، اذا كان الهدف من ذلك استجلاء الحقيقة فقط؟؟ ويقدم مثالاً على ذلك عندما انجز تحقيقاً عن سجن “هنتيغدون” حيث تمكن من لقاء المساجين بعدما تمكن من انتحال هوية مغايرة وذلك اثناء عمله في صحيفة ” الواشنطن بوست”. ولكن البعض من الاعلاميين يندد بهذه الطريقة ويعتبرها غير مهنية وغير قانونية اذ انها تسيء الى مهنة الصحافي.
ففي فترة سقوط الاتحاد السوفياتي، وعلى سبيل المثال ، في روسيا فتحت الابواب امام الصحافة على مصراعيها لممارسة حريتها وان كانت بشكل هجين ، حيث بدأت الصحف بنشر تقارير جريئة وتحقيقات تحت عنوان “صحفيون غيروا مهنتهم لتغطية الحيل التي يستعملها صحفيوها للحصول على المعلومات منها : التستر على وظائفهم والتظاهر بأنهم يعملون في مهن اخرى”.
وكذلك لا بد من الاشارة الى ما حصل مع صحيفة “نيوز اوف ذو ولد” بتاريخ 10 تموز2011 وما ادى الى نهايتها بعد 170 سنة من الصدور،حيث اكتشف قراؤها(سبعة مليون) ان الصحيفة لم “تلتزم كثيراً بالمعايير الاخلاقية” لمهنة الصحافة، حيث قامت الصحيفة بقرصنة مئات المكالمات الهاتفية التي كان يجريها نجوم الفن والطرب واقارب الجنود الذين قضوا نحبهم في افغانستان وغيرها من المكالمات.
لا بد من الاشرة اخيراً ، الى ان رجال المخابرات يهتمون كثيراً بما يتم نشره في الصحف ووسائل الاعلام المختلفة ويتجسسون على صحفييها ،من اجل الحصول على اكبر قدر من المعلومات ،وبالاخص المواضيع الحساسة التي يثيرونها في مجال عملهم.