د. عادل محمد عايش الأسطل / قبل ثلاثة أعوام من الآن، بسهولة تجاوزنا جنون المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري “نبوت غينغيريتش” ونجونا من نواياه المؤيّدة لإسرائيل، والخبيثة باتجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين بشكلٍ عام، فيما لو حالفه الحظ بالصعود إلى حكم الولايات المتحدة، بعد فشله في الانتخابات التمهيدية التي طافت أنحاء البلاد آنذاك، بعد أن ملأ الساحة الانتخابية بأفكاره الطائشة وأساليبه الفظّة، ابتغاء نيل الصوت اليهودي، وطمعاً في احتلال البيت الأبيض والتمركز فيه، برغم تواجد غوغائي أخر وهو “ميشال ويكمان”، وإن بدا حينها أقل جنوناً.
كنّا نظن أننا انتهينا من هذه المسألة، خاصة ونحن على مشارف طقوس انتخابات أمريكية جديدة، باعتبارها الأهم على المستوى الدولي، من حيث تأثيرها على القضايا الدولية والقضية الفلسطينية بخاصة، لكننا فوجئنا من جديد، بمن طلع علينا من هو أكثر جنوناً من “غينغريتش”، وأكثر غوغائية، وهو ليس شخصاً – مرشحاً- واحداً، وإنما أشخاص كُثر، وما يثير العجب في هذا الصدد، هو أن من بينهم من لا ينتمون لأحزاب أمريكية كبيرة.
فحين اعتبر “غيغيريتش” بأن لإسرائيل الحق في مواصلة سياستها الاحتلالية، وبأن الفلسطينيين هم مجموعة (إرهابيين) وشعب تم اختراعه، جاء من بعده، المرشح الجمهوري “دونالد ترامب”، ليُعطي إسرائيل الحق المطلق بفلسطين، ولِيسعي إلى فكرة شطب القضية الفلسطينية، بواسطة ترحيل الفلسطينيين إلى جزيرة (بورتوريكو)، وتركهم يعتاشون بهدوء، بدلاً من مكوثهم في المساجد (اللعينة)، التي تدفعهم إلى قتل الإسرائيليين الأبرياء، مُعتبراً أن أفكارهمتطابقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو”، بعد أن وصفه بأنه شخص رائع، وسياسي حكيم.
لم يكتفِ “ترامب” بالتودد إلى الإسرائيليين وبالإساءة إلى الفلسطينيين، حيث كان واضحاً في اعتقاده، بأن الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” هو أسوأ ما حصل لهم، بل وأظهر عداءً واضحاً ضد الإسلام والمسلمين، من خلال إطلاقه مجموعة من الوعود الخياليّة، وسواء المتعلقة بإغلاق المؤسسات الدينية ودور العبادة، أو بإغلاق حدود الولايات الأمريكية بوجوههم، كونهم احتفلوا – كما يقول- بهجمات 11 سبتمبر.
وكما بدا “ترامب” على هذه الشاكلة من الجنون، فإن غوغائيين آخرين اهتمّوا بإعلانات مشابهة أيضاً، فبالإضافة إلى تطابقهم مع مواقفه المُشاكسة، فإنهم تجاوزا إلى ما هو أبعد من ذلك، ومنهم المرشح الأسود “بنغامين بن كارسون”، الذي يُعتبر أحد المرشّحين الأكثر تأييداً لإسرائيل والأكثر تطرّفاً في صفوف حزبه بالنسبة إلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين بشكلٍ عام، وكان أعلن رفضه عن أن يتولى شخص مسلم منصب رئاسة الولايات المتحدة.
أيضاً، فإن كل من المرشح “جيب بوش” الحاكم السابق لولاية فلوريدا، ومنافسه حاكم ماريلاند السابق “مارتن أومالي” و”لينكولن تشافي” من الحزب الديمقراطي، و”بارني ساندرز” و “جيم ويب” من المستقلين، هم أيضاً بادروا لإبداء مقادير مُتعاظمة من السيولة باتجاه إسرائيل، متخذين العداء للإسلام، الشعار الأمثل لتقدمهم نحو سدّة الحكم، وإن كان بعضهم لا يجرؤ على الإعلان أو البوح صراحة عن ذلك العداء.
اللّافت، هو أن “هيلاري كلينتون” المرشحة عن الحزب الديمقراطي، والتي شغلت وزارة الخارجية إبان فترة ولاية “أوباما” الأولى، قد انضمت إلى أولئك المجانين، بعد أن أبدت محاكاةً واضحة لإعلاناتهم، وإن في الجزء الخاص المؤيّد لإسرائيل، وتجلّت تلك المحاكاة، في إعلانها الاستعداد لمقابلة “نتانياهو” خلال شهرها الأول في المنصب، في إشارة منها إلى تماهيها مع سياسته ضد الفلسطينيين، وقضايا دولية أخرى، وبما لا يتماشى مع موقف الديمقراطيين الحالي، الذين يُبدون تحفّظات واضحة ضد “نتانياهو” وحكومته.
برغم تفوّق “ترامب”، على بقية المرشحين الجمهورين في استطلاعات الرأي الأخيرة، حيث يثير في الساحة المحلية الأمريكية والدولية اهتماماً كبيراً، كونه مرشحاً شاذّاً، أو لا مثيل له من ناحية الأسلوب السياسي بشأن شحن أرصدته الانتخابية، وخاصة بعدما نجح بتسخير وسائل الإعلام المختلفة والاجتماعية بخاصة، لتسويق محتويات أفكاره الجنونية.
إلاّ أن مسألة فوزه بمنصب الرئاسة، لا تزال غير واردة إلى حد الآن، لا في الولايات المتحدة ولا حتى في إسرائيل، خاصة بعد حصوله على معارضة محليّة أمريكيّة (رسميّة)، باعتبار مواقفه ليست مؤهلة لرئاسة الولايات المتحدة.
وكان قد تلقى نصائح ذهبيّة من “نتانياهو” نفسه، تحثّه على عدم التغوّل في الإعلان عن أفكاره ونواياه، بسبب أنها تقلل من حظوظه في نيل الرئاسة، سيما وأنه كان توّاقاً لأن يراه ماثلاً بين يديه في إسرائيل، – على الأقل- نكاوةً في “أوباما” الذي لم يقم بتسجيل زيارة عاجلة لإسرائيل بعد فوزه برئاسة الولايات المتحدة 2009.
على أي حال، فإنه يجدر بنا عدم الاعتماد على تلك المعارضة، وسواء كانت أمريكيّة قاسية، أو إسرائيليّة مُرتبكة، بسبب أنها قد لا تنجح في كف الناخبين الأمريكيين عن انتخابه، سيما وأن عصر المفاجآت لم ينتهِ بعد.