mamon أوكرانيا

غندور والعروبة

مأمون شحادة / لعل اسوأ ما في الواقع العربي الراهن هو حال التمزق على المستويات كلها، والمؤلم أنّ الامة الواحدة تتنازع فيها “هويات” جديدة على حساب الهوية العربية الواحدة. كلمات موجزة قدمها الكاتب والمفكر العربي mamonصبحي غندور في كتابه “الفكر والاسلوب في مسألة العروبة”، واضعاً سبابته على الجرح العربي المكشوف.

هذا الجرح (بحسب رؤية الكاتب) يتمثل عموماً بالتحدي الثقافي، الذي يستهدف نزع الهوية العربية، عبر استبدالها بهوية “شرق أوسطية” (على المستوى الخارجي) ونزع الهوية الوطنية المحلية (على المستوى الداخلي) والاستعاضة عنها بهويات عرقية ومذهبية وطائفية.. وفي هذا التحدي الثقافي سعيٌ محموم لتشويه صورة الاسلام والعروبة معاً. وهناك  تركيز اعلامي وسياسي على تفسير وربط ما يحدث في المنطقة وتوزيع المناطق والاحزاب والحركات السياسية وفقاً لذلك.

المبحر في الكتاب يدرك وجوب التوقف عند محطات مهمة تبين مفاصل الحالة العربية:

اولاً: الحالة العربية السوداوية الراهنة هي مسؤولية الخجولين بانتمائهم قبل غيرهم، لانهم عرفوا ان هناك مشكلة في اوطانهم فرضت عليهم “الخجل” بالهوية،، فهربوا منها اما الى الامام لانتماءات اممية (باسماء تقدمية او دينية)، او للخلف بالعودة الى القبيلة والطائفية والعشائرية…

ثانياً: الفكر السائد الان في المنطقة العربية تغلب عليه الانتقائية في التاريخ وفي الجغرافيا، بحيث يعود البعض في تحليله، لغياب الديمقراطية في الامة مثلاً، الى حقبة الخمسينات من القرن الماضي وما رافقها من انقلابات عسكرية، وكأن تاريخ هذه الامة كان قبل ذلك واحة للديمقراطية السليمة!، والحال نفسه ينطبق على ما تعيشه الامة العربية من ظواهر انقسامية مرَضية بأسماء طائفية او مذهبية او اثنية، حيث ينظر البعض اليها من اطر جغرافية ضيقة، وبمعزل عما حدث ويحدث من تدخل خارجي في عموم الامة.

ثالثاً: المفاهيم التي تحرك الجيل العربي الجديد الان، هي مفاهيم تضع اللوم على “الاخر” في كل اسباب المشاكل والسلبيات، ولا تحمل أي “اجندة عمل” سوى ابادة “الاخر”. وهي بذلك مفاهيم تهدم ولا تبني، تفرق ولا توحد، وتجعل القريب غريباً والصديق عدواً.

المتجول بين صفحات الكتاب وعلامات الترقيم يتوقف عند محطة رابعة تتحدث عن دراسة  نشرتها مجلة “اتجاهات-كيفونيم” في شباط/فبراير 1982، للكاتب الصهيوني أوديد بينون (مدير معهد الدراسات الإستراتيجية) تحت عنوان “إًستراتيجية لإسرائيل في الثمانينات” وجاء فيها: “إنّ العالم العربي ليس الا قصراً من الأوراق بنته القوى الخارجية في العشرينات، فهذه المنطقة قسمت عشوائياً الى 19 دولة تتكون كلها من مجموعات عرقية مختلفة ومن اقليات يسودها العداء لبعضها… وأنّ هذا هو الوقت المناسب لدولة اسرائيل لتستفيد من الضعف والتمزق العربي لتحقيق اهدافها وتقسيم المنطقة الى دويلات على اساس عرقي وطائفي”.

المحطات العربية كثيرة ومتنوعة، الا ان هناك محطة خامسة مهمة اشار اليها مفكرنا غندور، وعلى القارئ العربي ادراكها ووعيها جيداً لانها تحتضن المفهوم الجمعي لمعنى الهويات “الثلاثية المزجية المركبة” وهي: “قانونية” (الوطنية) و”ثقافية” (العروبة)  و”حضارية” (الدين). وهذا واقع حال ملزم لكل ابناء البلدان العربية حتى لو رفضوا فكرياً الانتماء لكل الهويات أو بعضها.

*كاتب صحافي من فلسطين

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …