صادق الخضور / غزة تئن، وجرحها أسمع حتى من به صمم، والفاجعة تلو الفاجعة، والعالم لا يزال يقف موقف المتفرّج، وبغض النظر عن مواقف بعض الدول، إلا أن اللافت للانتباه أن التعاطف الشعبي مع غزة على المستوى الداخلي لم يرتق للحد المأمول، وحين نقول الشعبي فإن هذا يعني أن محاولات إلصاق حالة الفتور بالسلطة مبالغ فيها وفيها نوع من التجنّي.
المطلوب شعبيا كثير، وكان بالإمكان أفضل مما كان، رسبنا في امتحان التوجيهي بعد إعلان النتائج، والمشكلة لم تكن في إعلان النتائج بل فيما تلاها من مفرقعات كانت بمثابة تأكيد أننا نعيش أزمة قيم، والمسؤولية هنا فردية بامتياز، فإن لم يكن الشعور بالتعاطف نابعا من الذات، فلا حاجة له، ورغم أن التوجيهي تعليمي الطابع إلا أن الاحتفالات برهنت أننا أسقطنا جانب التربية من حساباتنا، هذا على الأقل ما أكده المحتفلون.
تكرر المشهد… يوم الجمعة، وتوقعات بأن تكون مسيرة دوار المنارة بعد الصلاة حاشدة، إذ لم تتعرض لمضايقات ومع ذلك كانت الحصيلة بضع عشرات، ومن جديد، تبرز إشكالية الفتور.
الأحد .. وعلى وقع مجزرة الشجاعية ..محاولات من شبان هنا وهناك لإغلاق المحلات التجارية، وعبثا يحاولون، إذ المشاهد كرٌ وفر، ومن جديد المشكلة ترتبط بقناعات ذاتية ولا علاقة لها بقرار رسمي، وبالتالي فإن توالي هذه المشاهد يفرض علينا مجموعة تساؤلات لا أظنها تغفل أننا بتنا نواجه أزمة قيم.
غزة تعيش الفاجعة، وحجم التعاطف الشعبي للأسف ما زال دون الحدّ الأدنى المفترض، صحيح أن حجم العمل الحكومي ونوعيته لم يلامس تطلعات الكثيرين وظل بمنأى عن نقد الناقدين المنشغلين بتوجيه النقد إلى أسماء بعينها لكن هذا لا يلغي المحاكمة النقدية للذات لما جرى شعبيا.
مشاهد الضحايا وصرخات الأمهات، وركام البيوت، ومناظر الجرحى…. ألا تستحق منّا وقفات تضامنية حاشدة ولو صامتة على الأقل؟!!!!!!
في فلسطين… عدد كبير من المنظمات غير الحكومية، فهل برز دورها بشكل فاعل؟
لقد ضاعت المحاكمة النقدية لردّ الفعل الشعبي في زحام التركيز على المحاكمة المكثفة للموقف الرسمي مع أن المنطق يقتضي تحقيق التوازن بين الجانبين، ولسنا في معرض المقارنات لكن تدارك الخلل الرسمي متاح بقرار في حين أن علاج الخلل الشعبي المرتبط بأزمة قيم نعيشها منذ زمن، تنبه لها كثيرون لكنها لم تنل حظها الكافي من العلاج.
غزة بجرحها النازف لا زالت لم تفقد الأمل بأن تكون المواقف المتعاطفة معها أكثر شمولية وتنسيقا، وكل فرد مطالب بالتأمل وتقييم مدى إسناده لجهود التعاطف، أما استجداء الكثيرين من أجل إغلاق محلاتهم فهو استجداء غير مقبول إن لم يكن من أجل تاريخنا فعلى الأقل من أجل حاضر غزة التي ترنو لموقف تضامني نفيس يتعدى استعراض العضلات اللفظية على الفيس!!
غزة … بحاجة إلى وقفة .. بعيدا عن الانتظار حتى تبادر الفصائل أو حتى يكون هناك قرار، فما يجري يحرّك الصخر، لكنه فشل في تحريك مشاعرنا وتوجيهها الوجهة المفترضة.