%D9%811 أوكرانيا

عين على الفن : فائق حسين.. فنان العراق الكبير عاش ومات غريبا في المهجر

أوكرانيا اليوم / كييف / فائق حسين يعتبر من اعظم الفنانين الحفارين العراقيين و كان له الاثر الكبير المشرق على تطور اعمال الفنانين العراقيين, وعلى احداث مراجعات جادة في ميدان الفن التشكيلي العراقي بشكل عام. ولد في مدينة الناصرية عام 1944 . ودرس في معهد الفنون ف1 أوكرانياالجميلة في بغداد وتخرج منه عام 1963 . وكان واحد من جماعة المجددين التي تأسست في بغداد عام 1965.. وبسبب افكاره التقدمية النافذة الى عمق الوجدان العراقي ومعارضته للنظام البائد، فقد وضع في السجن وتعرض للتعذيب.. وربما اثر ذلك التعذيب على دماغه, فقد لازمه هذا المرض طيلة حياته حتى ادى به بالتالي الى اصابته بجلطة دماغي حادة فدخل على اثرها المستشفى في مدينة ميشيكال الامريكية وتوفى هناك في 14 تموز سنة 2003.

فائق في اسبانيا:

وصل فائق الى اسبانيا عام 1969 وسجل في المدرسة العليا للفنون الجميلة في مدريد – قسم الحفر- وفي نفس الوقت اشتغل في المشغل الامريكي عام 1972 الى جانب نخبة ممتازة من الفنانين الاسبان. وقد تعرف فائق على الكثير من الشخصيات العربية المرموقة و البارزة من مثقفين وادباء وفنانين وكذلك اسبان, من خلال المعهد الثقافي الاسباني العربي الذي كان ساطعا في نشاطاته الثقافية والفنية. وكان الذي يدير تلك النشاطات الاستاذ فرناندو دي آغريدو وكان صديقا حميما لفائق وهو -عربيستا – مستشرق – Fernando de Agreda 
وقد درس مع فائق اثنان من ابرز الفنانين والحفارين العرب الذين كان لهم باع كبير في الوسط الفني الاسباني، وكانا من الاصدقاء المقربين لفائق. وهما احمد نوار من مصر- ويشغل الآن مدير المتاحف والفنون الجميلة في مصر. ( و قد رحب بي و ساعدني في اقامة معرض لي في القاهرة سنة 2006 في قاعة افق ..) والثاني هو عبد عزيز ابو نالي من المغرب وكان حفارا و طباعا ممتازا له اسلوب حديث متطور وقد يكون قد تأثر باعمال فائق. (وقد اشتركت معاه في عدة معارض جماعية في بداية الثمانينات.. وكان كثير الشرب. وفي يوم من الايام غاب عن الانظار ثلاثة ايام, فذهب اليه اصدقاءه يبحثون عنه و كسروا الباب فوجدوه ميتا في بيته…).

ف2 أوكرانياكان فائق يتعاون بكل طاقاته الفكرية والفنية مع نشاطات المعهد الثقافية، خاصة مجلة المنارة – Almenara – التي يشرف على ادارتها الاستاذ الكبير والمستشرق بدرو مونتابثPedro Montapez وكانت هذه المجلة تهتم بالشعر والادب والثقافة العربية. وقد صدر منها عدة مجلدات عن الشعر العربي الحديث . كان منها مجلدا خاص عن الشعر العراقي الحديث الذي صدر سنة 1973 ثم مجلد آخر عام 1977. وكان لفائق دورا كبيرا في تزويق هذه الاعداد بالرسوم ذات الحساسية والمشاعر العالية التي تتماشى مع مضامين القصائد. ولازالت هذه الصور ماثلة الى اليومنا هذا في صفحات المجلة التي يحتفظ بها المعهد الاسباني .
كان هذا المشروع الثقافي الجريئ قد اعطى زخما رائعا و كبيرا للحركة الثقافية العربية الاسبانية واعادة الاعتبار للادب العربي الاندلسي الذي كان قد انار في ضياءه العصور المظلمة في اوربا يومذاك.
وقد شجع هذا النمط من الحوار المتبادل على حركة التأليف والترجمة والتي برز فيها عدد من المثقفين والكتاب منهم الاستاذ الدكتور محمود صبح والكاتب القاص سعيد العلمي من فلسطين وغيرهم. ( والدكتور محمود له كتابا رائعا مترجما للشعراء الاسبان.. وكان في اواسط السبعينات يلتقي في مقهى – خيخون – وسط مدريد القديمة، حيث كانت مقرا لاهل الشعر والادب والسياسة والفن.. وكان الدكتور محمود يجلس جنبي ويردد.. فوك النخل فوك …) 
كما زوق فائق النشرات الثقافية التي تصدر عن المعهد الاسباني العربي حيث زين كثير من اشعار اعلام الادب والشعر العربي امثال نزار قباني و نجيب محفوظ و فدوى طوقان و عبد الوهاب البياتي وغيرهم.
وفي سنة 1969 اصدر المعهد كتابا عن شعر المقاومة الفلسطينية مزينة برسوم فائق الثورية والشاعرية. وفي عام 1971 ظهرت مجلة – Arrayán – حيث وصلت اعدادها الى حوالي 11 مجلدا، كانت جميعها مزين برسوم فائق.. وكان المشرف الثقافي على هذه النشاطات الاستاذ فرناندو دي آغريدا الذي هيئ كل الاجواء والمناخات الودية والطيبة مع فائق.. ولازال يحتفظ بكثير من اعماله الفنية. كما يوجد عددا منها في المكتبة الاسلامية التابعة للوكالة الاسبانية للتعاون الدولي.. وكذلك توجد له اعمال في قسم الحفر في كلية الفنون في مدريد .
والاستاذ فرنان دي آغريداFernando de Agreda كان استاذا في جامعة مدريد /كلية الفلسفة
وكان مشرفا على ادارة مجلة – اوراق – التي كانت مخصصة لنشر الادب والشعر والثقافة ف3 أوكرانياالعربية الاسبانية وكان يشرف على تصميمها واخراجها الفنان العراقي الصديق جودت حسيب. كان رجلا فريدا في طيبه واخلاقه وحماسته للادب والفن العربي و كان يتقن اللغة العربية بشكل جيد. وكلما التقي به يذكرني بفائق واصدقائه العرب من الادباء والفنانين ويتحسر عليهم, وتكاد دمعته تصقط عند ذكرهم . كما كان يكتب عن اعمالهم و نشاطاتهم ويزيدهم مدحا واطراءا خاصة فائق وقبل فترة قصيرة اتصل بي تلفونيا وقال يا سيد كاظم سأتقاعد قريبا.. (فرديت عليه جزاك الله الف خير وما قصرت..). 
كان المفروض ان يكرم هذا الرجل المفكر الكبير من قبل العرب ( …. ) على ما قام به من احياء للثقافة العربية التي اراد البعض من طمسها و اماتتها في اسبانيا.. ولكن لمن تنادي من لا حياة له.

فائق الشاعر:

كان فائق من الشعراء الشباب الحديثين, وقد نشر نتاجاته في عدة مجلات ادبية في العراق و لبنان. وعندما حل في اسبانيا استمر في ذلك الاتجاه. وفي سنة 1970 رحل فائق الى مدينة ليون التي تقع شمال اسبانيا وهناك امضى عدة اشهر ولا نعرف السبب في انتقاله من مدريد الى هناك ولكن هذه الاقامة القصيرة اعطت نتائج طيبة وغير متوقعة فقد تعرف على احد الادباء الكبار وهو اتونيو غامونيدا Antonio Gamoneada مع عدد آخر من المثقفين التقدميين. ومع الزمن تطورت هذه العلاقة, فساعده هذا الرجل في طبع ونشر كتابه الشعري الاول – اغشية القلب -Las escamas del corazón – حيث صدر سنة 1972, وتبنى نشره المعهد الثقافي البلدي في مدينة ليون fray Bernandino Sachagun . وقد اشرف على ضبطه وبنائه اللغوي المستشرقان بدرو مونتابث وكارمن رويث. و يوصف هذا الكتاب اليوم بانه من طلائع الشعر التقدمي الحديث حيث اكتسب اهميته من كونه اولا تمرد على التقاليد الكلاسيكية الجامدة القديمة . ثانيا انه يملك خيالا وغنائية فريدة في الشعر الحديث. واخيرا انه يحمل مضامين من الوجد… 
وقد كتب عنه بعض المثقفين الاسبان منهم اولغا رودريغث Olga Rodríguez وكانت مراسلة قناة – سير – في بغداد ( اشعر في كل سطر اقرأه بالشفقة والحزن.. وقد وجدت ضالتي في هذه الاشعار, حيث ذكرني بكل ما يجري في بغداد من آلام واحزان.. بيد انني وجدت قصائد اخرى اكثر تفائلا وعاطفة مما ساعدني على الهدوء وربط الجأش… ) نص مترجم . 
اما صديقه الاديب انتونيو غامونيدا فقد قال عنه: ( .. هذا اول كتاب شعري لفائق وهي محاولة للفوز والحصول على الابداع والخلق من خلال الكلمة الشعرية , تلك الكلمة الصلدة المتماسكة , امام الدوخة الموجودة ( …. ) وفي نفس الوقت هي محاولة تجميل هذه الهاوية ومقاومتها في سحر الكلمة , وادراك كل الماضي الظلامي من خلال مواضيعه : الرعب والجمال , المستحيل والحب , الوطن والشروق , الاخاء مع الموت… ) نص مترجم .
الكتاب متنوع في مواضيعه ومفاهيمه وكان فائق بين هذه التضاريس يظهر سحرا في خياله وغنائيته وجرأته على الكتابة باللغة الاسبانية والتي تحتاج الى اطلاع واسع في ثقافة الشعر الاسباني وبنائه الحديث او القديم كما هو مثلا بين لغة كبيدو وثربانتس الكلاسيكية وبين لغة لوركا ورافائيل البرتي وانتونيو غالا الحديثة.

فائق الفنان:

كان فائق من مؤسسي- جماعة المجددين- امثال علي طالب ومحمد مهر الدين ونداء كاظم وطالب مكي وغيرهم والتي ظهرت عام 1965 واستمرت في نشاطها الى عام 1968 ثم افلت. 

وقد احدث فائق نقلة نوعية في الفن العراقي المعاصر حيث خرج من التقاليد المألوفة والاساليب التقليدية التي كان الاساتذة سائرين عليها . فقد حرر الشكل وجعل اسلوبه وتقنياته حديثة المطلع والعصر معتمدا على قوة تخطيطه وخياله الرائع. وكان الهم الانساني حاضرا في اعماله كصرخة مدوية في الوجدان العراقي. 
كان فائق في صراع ومعركة على جبهتين الاولى تتمثل في التحول الجديد من تقاليد فنية عاشها في بلده الى اخرى اوربية المدارس والتقنيات والحداثة والانفتاح نحو الآخر فكرا وموروثا وبيئة . اما الجبهه الثانية فهي صراعة مع المرض والذي انعكس على اعمله وتمثل في تلك الرؤس المسجونة داخل مكعبات او اقفاص زجاجية وهي تستغيث, وذلك الشكل الانساني المشوه والمحطم بتلك الخطوط الانفعالية المعبرة عن الماضي الاسود. 
كان فائق حفارا عظيما وانه اكثر الحفارين الحديثين حساسية وتفردا, انه فن غريزي وخيالي , فقد خلق عالم يبدو احيانا رمزيا واخرى تعبيريا واخرى جنونيا واحينا شعريا عاطفيا، وكيف لا وهو من الشعراء الحديثين. وكان له قدرة على استنطاق المخزونات المكبوتة التي عاشها عبر مراحل زمنية قاهرة والتي دفنت تلك الصور المحملة بالآلام والآهات والظلام حتى جاءت الفرصة الزمنية المناسبة فطفحت الى السطح ناطقة. 
فائق ذهب في اعماله الى مختزنات الذاكرة, الى عالم الصور الدفينة, عالم الاحزان والآلام عالم عاشوراء وصرخة الحسين -ع – امام حاكم جائر وظالم.., عالم فائق اكثر روعة و جمالا في الفكر السامي المتعالي . 
فقد اطلق العنان للخيال امام الوجدان للتعبير عن الانفعالات النفسية والعاطفية وامام التأثيرات الفنية الاسبانية وهو مسلك له بالغ الاثر فيما انتجه كل من الشعراء والفنانين الاسبان, امثال الشاعر رافائيل البرتي والفنان الكبير انتونيو سورا. وقد غاص في حالات الانسان الانفعالية العميقة وصور العذابات في مشاهد مختلفة وتقنية عالية الجودة, وقد اثر باسلوبه هذا على الفنانين العراقيين الحديثين. وكان في اسلوبه يسلك ما بين الانفعالية العاطفية وما بين التعبيرية المحطمة للشكل من اجل الوصول الى الصرخة الداخلية للوجدان . وهذا المذهب الذي يقوم على اثنينية التعبير التي تجمع بين الحركة الجسدية من جانب والحركة النفسية التعبيرية من جانب آخرلكن في صورة غير مطابقة للواقع, نجدها في كثير من اعمال الفنانين الاسبان الرواد. 

ف4 أوكرانياوقد حول فائق الظاهرة الطبيعية للانسان الى اشكال مبسطة ثرية بالمفردات جاعلا من الخلفية جزءا مكملا من المشهد العام والذي ينفرد في بطولته شكل الانسان الذي هو محور الكون والحياة حيث نراه محبوسا داخل شرنقة من الخطوط او الرأس المسجون داخل المربعات وكأنها غرف سجون.. ان رسوم فائق لها قدرة كبير لاثارة المشاعر وكيف لا وهو شاعر وصاحب خيال يرسم صوره في فضاء الشعر ان لم يكن لديه فرشاة وورق. استخدم فائق كل طاقته التي تعتمل في اعماقه وتختلج صدره ومشاعره و جعلها خاضعة لرؤيا حالمة بتصورات عالم حديث يقوم على مبادئ المدارس الحديثة.

التقنية:

اما من ناحية التقنية فقد تميزت اعماله بالنظافة والاتقان والتبسيط وعدم اغراق المشهد بالتفاصيل الكثيرة. كما نرى مشاهد لسحب كثيفة محاطة بعضها بخطوط هندسية حادة وقاسية, والبعض الاخر مضطربة.. ونحن نعرف من خلال التجربة ان تقنيات الحفر معقدة وواسعة ولكل حفار له تقنياته واسراره الخصوصية في استخدام المواد من معادن واخشاب وكولاج وغيرها والتي تختلف عن التصوير بالمواد الزيتية او المائية او غير ذلك . فالحفر له مسارين: الاول صناعي تقني معقد والثاني فني خيالي فكري.. وقد يسأل سائل عن ان تقنيات الحفر اليوم قد اجتازت فترة السبعينات التي عاشها فائق قبل اكثر من اربعين سنة.
نعم هذا صحيح , لكن فائق سجل الريادة في تقنيات تلك المرحلة وكان متقدما على كل معاصريه
من الفنانين سواء كانوا عربا او اجانب، مستفيدا بذكاء من اعمال رواد الفن الحديث الاوربي بكل معالجاته واتجاهاته التقنية او الفكرية . مثلا كانت احجام لوحات الحفر تدور حول 50 في 70 سم او 60 في 90 سم ودون ذلك.. وكذلك بالنسبة الى محدودية التقنية.. اما اليوم فقد توسعت وتشعبت التقنيات بشكل لا يصدق ودخل الحاسوب- الاوردينادور- على هذا الخط. (وقد سجلت انا رقما قياسا في حفرياتي على الخشب، يعتبر الاول من نوعه من ناحية الاحجام حيث وصلت قياساتها الى ( 2 متر X 1,20مترا ) كان ذلك قبل 15 سنة.. واعتقد ان هناك تأثيرات قادمة الى فائق من الفنان المصور الاسباني انتونيو ساوراAntonio Saura 1930 ف مسألة تحطيم الشكل خاصة الرأس وكذلك من الفنان ادواردو باولوثي Aduardo Paolozzi 9241 الذي اهتم برسم الرأس وبسطه وحوله الى خطوط هندسية, ويعتقد انه ايطالي الاصل. وايضا هناك تأثيرات من فرانثيس بيكون الايرلندي المعروف .

استخدم فائق في حفرياته على مادة الزنك تقنيات عديدة منها:1 -الحفر بالنار 2- الحفر بمادة الرسينا (غبار العلج البستكي) 3- الحفر المباشر في الابرة 4 – بارنيث بلاندو لطبع شرنقة نسيج قماش 5 -تقنية الحفر المباشر بالحامض 7- تقنية الماء البارنثادو .. و .. وغيرها.
قام فائق بعدة معارض فنية فردية وجماعية منها: في نيويورك عام 1971 وفلورينسا في ايطاليا عام 1972. كما قام بمعرضين في المتحف الوطني في بغداد, يضاف ذلك اشتراكه بحوالي 15 معرضا جماعيا في اسبانيا وخارجها. وتضم اليوم بعض المؤسسات الاسبانية مجموعة من اعماله مثل المتحف الوطني الحديث في مدريد..
سافر الى عدة دول اوربية وامريكا الجنوبية وقضى هناك فترة طويلة، ثم استقر اخيرا في الولايات المتحدة في مدينة ميشيكان وتوفى هناك بعد سقوط النظام الصدامي بعدة اشهر 2003 .  

شاهد أيضاً

مجلس

مجلس الإعلاميين العرب ينفذ حملة مساعدات لمركز الفنون بأعمال الفخار

أوكرانيا اليوم / كييف/ قام مجلس الإعلاميين العرب في أوكرانيا ، بإعداد وتنفيذ حملة مساعدة …