عين على الفن :التشكيلية منى العمري خريجة معهدة الفنون في كييف
25 يناير, 2013
الأخبار, ثقافة و فنون
منى العمري في معرضها التشكيلي العاشر بالرباط .
الوردة في أكثر من لون
فيصل عبد الحسن / أفتتح قبل أيام قليلة المعرض العاشر للفنانة المغربية منى العمري في قاعة النادرة وسط مدينة الرباط، وقد ضم المعرض أكثر من ثلاثين لوحة تشكيلية من آخر أعمال هذه الفنانة.
وقد عرضت الفنانة منى العمري خلال أثني عشر عاما أبتداء من عام 2000 عشرات اللوحات التشكيلية في تسعة معارض سابقة من معارضها الشخصية، وشاركت في العديد من المعارض الجماعية، والتي أحتضنتها مدن مغربية كالدار البيضاء، سلا، الرباط، والعديد من المدن المغربية الأخرى، وحازت على أعجاب المهتمين بالفن التشكيلي المغربي المعاصر.
لقد تميزت لوحات الفنانة العمري في هذا المعرض بلوحاتها التجريدية والأنطباعية، التي كانت في هذا المعرض بأحجام كبيرة تراوحت مقاساتها بين 2.3 م في 1.5 م و 1.4 م في 9. م، وهي أحجام كبيرة يجد الرائي فيها متعة متابعة الألوان في تشظيها على مساحة اللوحة، مما تعطي مساحة واسعة للخيال للسياحة مع خطوط، وأشكال الرسومات المتنوعة في كل لوحة، عاكسة مشاعر متناقضة مرت على الفنانة وهي ترسم كل لوحة من لوحاتها في الليل والنهار في العتمة وفي النور.
أنطباعية العمري
وتعتبر الفنانة منى العمري التي ولدت عام 1966 في مدينة الرباط، وبعد أن أكملت دراستها الأولية في المغرب سافرت لتدرس في أوكرانيا وتخرجت من المعهد العالي الكويغرافي في كييف عام 1985 وهي من الفنانات المغربيات الأنطباعيات، اللاتي تأثرن بالمدرسة الانطباعية التي بدأت في أوربا بلوحة لكلود مونيه الأنطباعية أو أنطباع شروق الشمس عام 1872، التي رسم فيها مونيه شروق الشمس بألوان متلألئة، ونقل مشاعر البهجة من خلال تلك الألوان بالصباح الجديد، وحذا حذوه بعد ذلك فنانون معروفون كسيزلي، رينوار، ديجا، بيسارو وغيرهم، وأطلق على لوحاتهم التي نقلت صور الطبيعة بما يشعره كل فنان منهم لحظة رسمه، لما يراه أمام عينيه من تشظي الأنوار، وأختلاط الألوان بما لا يعطي صورة متطابقة مع الواقع بل بما يتمناه الفنان، وقد ترسخت تجربة العمري الأنطباعية من خلال رسمها للزهور وأغصان الأشجار والبراعم المتفتحة.
وقد ضم المعرض عشرين لوحة أنطباعية تميزت بألوانها الساخنة، وتنوع زوايا النظر فيها، للورود ولأغصان الأشجار، ونقلت الرائي إلى عمق الغابة، وبالذات إلى فصل من فصول السنة هو فصل الربيع بكل متع الحياة فيه، مضمنة في كل تفاصيل اللوحة جمال الحياة، وسعة مفهوم الجمال من حيث اللون، وأنعكاسات الضوء وتشظي الأضواء على أجنحة الفراشات، والمخلوقات الصغيرة التي تعيش في الغابة، لكنها تبدو كبيرة الحجم في لوحات هذه الفنانة، حيث تفننت الفنانة في رسم أجزاءها، لتؤشر قدرة الخالق تعالى في خلق مخلوقات تهب للحياة اليومية الكثير من ألوانها، وتكمل بسعيها بين الزهور دورة الحياة، وتعطي فرصة للخلق الجديد أن يواصل ولادته ونضوجه، وإكماله رسم لوحة الوجود الجميل.
دعوة للحياة
وزهور الفنانة العمري تذكرنا بزهور الفنان الالماني أميل نولدة، الذي أفنى عمره وهو يرسم الزهور، ولم يرسم غيرها طيلة حياته، وكان المد النازي في ألمانيا في أوجه في ذلك الوقت، وقد منعه النازيون من رسم زهوره بذريعة، أنه يسبب ميوعة للأجيال الجديدة المتوجهة إلى الحرب، وبالرغم من عيون الحراس النازيين المتربصة به وفنه إلا أنه رسم خفية أجمل اللوحات التي تمثل مختلف الزهور بألوان مائية، بيعت فيما بعد بأثمان مرتفعة، وصارت طرائقه في رسم الزهور مدرسة تعلم منها الكثيرون من الفنانين الالمان وغير الألمان.
لقد أتسم المعرض الأخير للفنانة منى العمري بكونه دعوة للحياة والأستمتاع بما حبانا به الخالق الكريم من نعم كثيرة، أولها البصر ورؤية ما خلق الله في الطبيعة من جمال الخلق، بتنوع أشكاله وأختلاف ألوانه، وكل وردة مرسومة بفرشاة الفنانة تدعو رائيها إلى الأستمتاع بجمال ألوانها، ودفق الحياة المتخيل في عروقها وعطرها النفاذ، ومجموعة لوحاتها من الزهور تذكرنا بلوحة الحديقة لهنري ماتيس التي ما فتئت تشعر رائيها بدفق عواطف رقيقة عن الزهور ورؤية الندى فوق الورود وخضرة العشب بالرغم من أن اللوحة رسمت منذ أكثر من تسعين عاما، فقد رسم هنري ماتيس لوحة الحديقة عام 1920 وسرقت منذ سنوات من متحف الفن الحديث في ستوكهولم عام 1987وتم العثور عليها مؤخرا في لندن.
فراشات عملاقة
ويمكن الإشارة إلى أن أكثر من خمس عشر لوحة من لوحات المعرض رسمتها الفنانة، بأيحاءات تجريدية، لكنها حملت ذات المنهج التشكيلي الذي أتبعته الفنانة في رسم لوحاتها الأنطباعية، فلوحاتها التجريدية بدت كما لوكانت تجارب أولية لمزج الألوان، وأدهاش الناظرين بما يتيحه التدرج اللوني في كل لوحة من لحظات تأمل عميقة، ويتيح للفنانة معرفة مديات التأثير بأستعمال كل لون على الناظر، لقد جربت الكثير من الخطوط والألوان، قبل أن تبدأ برسم لوحاتها الأنطباعية، التي جاءت على هيئة ورود وأغصان وفراشات عملاقة، تبحث عن رحيق الزهور بين حبات اللقاح والتويجات المزهرة للورود، المغربية منى العمري رسمت عالما من الورود والجمال وفراشات الربيع، وأعادت للفنان التشكيلي تعبيره العميق عن جمال الحياة والدعوة للدعة والسكون، والأطمئنان وهدوء البال، والأستمتاع بالجمال المتاح تحت البصر.
صحيفة الزمان