%D9%85%D8%A7%D8%AC%D8%AF %D8%B9%D8%B2%D8%A7%D9%85 أوكرانيا

عن استئناف عملية المصالحة فى فلسطين

ماجد عزام / على نحو ليس مفاجئاً تماماً، استؤنفت عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس في ماجد عزام أوكرانيافلسطين. المفاجأة جاءت نسبية وجزئية قياساً إلى المستجدات والتطورات المتلاحقة في الفترة الممتدة من نهاية آذار إلى نهاية نيسان؛ والتى شهدت تفجر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وانضمام دولة فلسطين إلى 15 مؤسسة ومنظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، أما استخدام مصطلح “العملية” فيما يخص المصالحة؛ فذلك يعود إلى كونها مستمرة بشكلها الحالي منذ عشر سنوات على الأقل، حتى أن الوثيقة التي سيتم على أساسها إصلاح وتطوير منظمة التحرير صيغت في القاهرة في آذار/مارس 2005، عوضاً عن أنها مثلت البديل أو المسار الموازي لعملية التسوية المستمرة أيضاً. ولكن منذ عقدين …

استنتج الرئيس محمود عباس نهاية آذار الماضي أنه لا يملك شريكاً للسلام في إسرائيل وأن حكومة نتنياهو ليست بوارد التفاعل معها, والقبول بشرطه المنطقي لتمديد المفاوضات -الإفراج عن الأسرى، تجميد الاستيطان، مناقشة ملف الحدود أولا- رغم التنازلات غير المسبوقة التي قدمها؛ والتي لا ولن يجرؤ أي زعيم عربي على تقديمها، كما قال مسؤول أمريكي رفيع لـ”يديعوت أحرونوت” الجمعة 2 آيار- عباس المستنزف والمتعب، كما وصفه المصدر نفسه، قرر التخلي عن العملية برمَّتها وإتباع مسارات أو خيارات بديلة؛ تضمنت الانضمام مبدئياً إلى 15 منظمة ومؤسسة دولية تابعة للأمم المتحدة (من أصل 63 منها 48 معتبرة وذات أهمية قصوى في إدارة الصراع مع إسرائيل وإرسال وفد قيادي من منظمة التحرير إلى غزة للتحاور مع حماس؛ من أجل تنفيذ تفاهمات المصالحة التي تم التوصل إليها في القاهرة آيار 2001 والدوحة 2012، والتي نصت على تشكيل حكومة توافق وطني من كفاءات مستقلة وإجراء انتخابات عامة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني -برلمان المنفى- خلال ستة شهور من تشكيل الحكومة .

الخطوة التكتيكية البارعة للرئيس عباس لم تربط فقط بين المصالحة ورفض المفاوضات، وإنما أحرجت حماس في سياق آخر عبر وضعها في مواجهة منظمة التحرير والفصائل المنضوية في إطارها (كما شخصيات وطنية أخرى)، وليس في مواجهة فتح فقط، وبتعبير آخر: وضع أبو مازن حماس أمام خيار المصالحة ضمن سياق سياسي لا مكان للمفاوضات فيه أو الرفض؛ وبالتالي مواجهة ليس فقط النقمة الشعبية وإنما الاتهامات بالتماهي مع الضغوط الإسرائيلية لإضعاف الرئيس وإدامة أمد الانقسام.

مقابل العصا، قدَّم الرئيس عباس جزرة لحماس؛ عبر إنقاذها من المأزق غير المسبوق الذي تواجهه سياسياً واقتصادياً في غزة بعد الانقلاب على الرئيس مرسي في مصر وإغلاق السلطات للأنفاق التي كانت بمثابة شريان الحياة للحركة وحكومتها، بموافقته على دمج رواتب موظفيها ضمن الموازنة الفلسطينية العامة والأهم من ذلك تأجيل الملف الأمني واحتفاظها بسيطرتها على الأرض في غزة إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، والتي قد لا تجري ضمن السقف الزمني المحدد بستة شهور من تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة.

إضافة إلى ذلك قدَّم الرئيس وعوداً وحتى ضمانات أيضاً بفتح معبر رفح بشكل كامل بمجرد تشكيل حكومة التوافق الوطني -التي ستكون حكومته على الأغلب- وستشرف على المعابر كافة؛ ما يكفل رفع أو تخفيف الحصار بشكل جدي وملموس وفي السياق طبعاً تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية البائسة في غزة .

حركة المقاومة الإسلامية من جهتها بحثت دائماً عن مصالحة تضمن لها: رفع الحصار، وفتح معبر رفح، وإعادة إعمار غزة -أو على الأقل تحسين بناها التحتية المنهارة- دون أن تتنازل سياسياً تجاه إسرائيل أو تتخلى عن سيطرتها الأمنية في القطاع، ومع الوضع الاقتصادي الصعب الذى تواجهه وعجزها عن دفع رواتب موظفيها-دفعت نصف راتب فقط في الشهور الأربع الأخيرة- وافقت على عرض المصالحة الجدي هذه المرة –كما أقر عزام الأحمد- ويمكن القول أنها قدَّمت تنازلات تنظيمية تكتيكية تتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي وليست سياسية وجذرية خاصة فيما يتعلق بالعلاقة أو الموقف من إسرائيل .

غير أن إحدى أهم دلالات ما جرى، برأيي، هي أن حماس فضَّلت المصالحة وحتى التنازل للرئيس عباس على العودة إلى ما يوصف بمحور الممانعة أو محور دمشق طهران وضاحية بيروت الجنوبية، وعلى عكس ما يشاع فإن رئيس المكتب السياسي للحركة “خالد مشعل” هو من رفض ويرفض الذهاب إلى طهران المستميتة لاستقباله، علماً أن هذه الأخيرة اعتبرت الزيارة شرطاً لاستئناف مساعداتها المالية الضخمة للحركة؛ ظناً منها أن صورة “أبو الوليد” مع مرشدها في طهران كفيلة بالتغطية على مساندتها للنظام السوري في جرائمه بحق شعبه، كما تبييض صفحتها ولو جزئياً أمام الشارع العربي والمسلم .

ثمة دلالة أخرى مهمة لاستئناف عملية المصالحة تتمثل بالعودة إلى معادلة “السلطة مقابل المنظمة” بعد ما تم تفضيل الأولى على الثانية في اتفاق مكة-شباط 2007- الذي أعطى الأولوية للشراكة في إدارة السلطة وتأجيل ملف المنظمة إلى مرحلة لاحقة، وأعتقد أن ما نحن بصدده الآن هو العودة بالسلطة إلى وظيفتها الأساس حسب اتفاق أوسلو؛ كإدارة ذاتية للشعب الفلسطيني في الداخل على أن تتولى منظمة التحرير أو الإطار القيادي الأعلى، الذي سيضم حماس أيضاً، الملفات السياسية بشكل عام، ولكن دون النيل من صلاحيات اللجنة التنفيذية الحالية كما نصت وثيقة القاهرة-2011- التي ستتولى إدارة المعركة أو الصراع مع إسرائيل ببعده السياسي والدبلوماسي، أقله إلى نهاية المرحلة الانتقالية .

في كل الأحوال ومن الناحية الاستراتيجية، يمثل استئناف عملية المصالحة، ولو بشكل مرحلي إعلاناً سياسياً جدياً، ولو أنه غير نهائي وحاسم، عن موت عملية التسوية بشكلها الذي عرفناه من عقدين تقريباً؛ أي منذ أوسلو حتى الآن، وهي لن تطوي صفحة الانقسام بشكل فوري، وإنما بشكل تدريجي بطيء ولكن متواصل، وأعتقد أن الفترة الانتقالية ستطول، وقد لا تجري الانتخابات في موعدها المحدد، ولكن المرحلة برمتها ستكون مناسبة لترتيب أكثر جدية للبيت الفلسطيني وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير والسعي لبلورة برنامج أو استراتيجية وطنية بديلة لإدارة الصراع مع إسرائيل تقطع ليست فقط مع المفاوضات وإنما أيضاً مع فكرة خوض حرب تقليدية عنيفة ومدمرة مع إسرائيل، كما جرى مرتين في آخر خمس أعوام .

في الأخير، فـ”أن يأتي الشيء متأخراً أفضل من ألا يأتي على الإطلاق”، وإذا كانت عملية المصالحة تناسبت عكسياً طوال العقد الماضي مع عملية التسوية، فإنها لن تتأثر هذه المرة بالعلاقة مع تل أبيب التي لم تعد عاملاً مؤثراً ومركزياً فيها؛ كونها تبحث عن إدامة الوضع الراهن حيث لا سلم ولا حرب بأية حال من الأحوال، وإنما ستتناسب طردياً مع المتغيرات الهائلة التي تعصف بالمنطقة العربية وتحديداً مع آليات التغيير وإقامة الدولة العربية الديموقراطية العادلة لكل مواطنيها، ومن هنا ستكون رحلة المصالحة بطيئة مرهقة مضنية، ولكن عربتها ستظل دائماً على السكة انتظاراً لمآلات الأمور في المنطقة خاصة في القاهرة ودمشق 

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …