%D9%81%D8%A4%D8%A7%D8%AF أوكرانيا

عناصر العولمة

د.فؤاد خشيش  / دكتوراه  في تاريخ العلاقات الدولية 

فؤاد أوكرانياان مفهوم العولمة قديم مفهوم قديم قدم التاريخ. اذ لا يكن للعالم أية حدود الا منذ فترات وجيزة بالنسبة للمفهوم  والتطور التاريخي ، ومن هنا فان عدداً لا بأس به من الحضارات والاختراعات المعاصرة هي بمثابة تراكم تاريخي وهي نتاج للتفاعل السياسي وغير السلمي على حد سواء بين الحضارات السابقة 1.

وصف الفيلسوف الفرنسي “روجيه غارودي العولـمة بقوله : “إنها نظام يُمكّن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحرّ وحرية السوق”.

بعيداً عن هذه النظرة السوداوية، فالواضح أن العولمة تسعى إلى تحقيق أهداف كثيرة وكبيرة على مستوى الكون برمته، حيث من العسير، إن لم يكن من المستحيل، على المجتمعات البشرية قاطبة الفكاك منها أو  النجاة  من تأثيرها ومفاعيلها.

تواريخ متناقضة للعولمة

في القرنين السادس عشر والسابع عشرتمت صياغة المعايير والمبادئ الاساسية لمجتمع الدول في اطار الممارسة الاوروبية على الاصعدة السياسية والدبلوماسية والعسكرية.*2

غير ان المجتمع الدولي والأوروبي لم يتم بناؤه من نقطة الصفر في ذلك الوقت. لقد جرت عملية اجترا حيه من مؤسسات كانت موجودة من قبل مثل الدبلوماسية المقيمة والمؤتمرات الدولية التي كانت مستندة الى تاريخ يعود الى العصور الوسطى والى قوانين حرب امتدت جذورها الفكرية والنظرية في تربة التعاليم الاخلاقية والمسيحية والى ما هو عام ومشترك في قوانين سائر البشر والتي يعود تاريخها الى ايام الامبراطورية الرومانية*3

لقد اعتبر فولتير الذي كتب في القرن الثامن عشر ان اوروبا” نوعاً من الاتحاد (الكومنولث) الكبير الموزع على عدد من الدول” ،في الوقت عينه تقريباً قال فاتيل :” ان اوروبا تشكل منظومة سياسية تربط الامم الموجودة في هذا الجزء من العالم الى بعضها البعض عبر علاقاتها ومصالحها في كتلة واحدة “.*4

ان كيفية القدرة على فهم عملية العولمة المثيرة والمدهشة لما كانت اساساً مؤسسة  ليست غربية فقط، بل حتى اوروبية غربية بالتحديد مسألة محسومة في المنظور التاريخي.

 ان تاريخ بداية التحرك باتجاه اقامة مجتمع عولمي للدول بتاريخ الاعمال الاولى الهادفة الى ضم انظمة سياسية غير غربية الى ما كان حتى ذلك الوقت مجتمعاً دولياً غير محدد. مجتمع قام على الاستبعاد الطوعي لكل من ينتمي الى حضارات  غير غربية والى اديان غير مسيحية كأعضاء كاملين متكافئين.

 كان مجمل مسير هذه التطورات الدولية يسير جنباً الى جنب مع التطور الاقتصادي العالمي.وتنطوي ظاهرة العولمة على جدل واسع . فمن الباحثين من يرى انها ظاهرة قديمة تمثل تاريخ التطور الانساني، ومنهم من يعيدها الى القرن الخامس عشر ويعتبرها ظاهرة مرتبطة بالنظام الرأسمالي و ونتيجة طبيعية للتوسع في هذا النظام .

تجليات العولمة

ان العولمة تتجلى اليوم  في مدى مكانتها وأهميتها في تاريخنا المعاصر، وايضاً في تاريخ العلاقات الدولية، لأنها قد تساعد على حمل رسالة عالمية شاملة تخاطب الناس والأعراق وتعزز الترابط بين الشعوب في اطار مجتمع دولي يقوم على احترام الآخر. وفي الاطار كتب صلاح بو رعد:” ان العولمة تساهم في ازالة الحدود الاقتصادية، كانفتاح الاسواق وإزالة حدود المعلومات، اذ ان عملية انتقال المعلومات لا تصطدم بحواجز. فلانترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية تفتحان حدود الزمن والمساحة على مصراعيهما”.*5

ان العولمة تساهم ايضاً في ازالة الحدود السياسية والأمنية والبيئية مما يجعل طبيعة المشاكل والحلول المرسومة تأخذ بعداً عالمياً.

 

ميثاق العولمة

جاء الاعتراف الاول بتوسيع دائرة المجتمع الدولي الى ما وراء اوروبا واميركا مع مؤتمري لاهاي سنة 1899 و1907 ، حيث تمثلت دول الاميركيتين والكثير من دول اوروبا الشرقيةة بما في ذلك اليابان بصورة لافتة . وثمة توسيع اخر لنطاق المجتمع الدولي تحقق عبر تغيرات للقانون الدولي  والديبلوماسية انطوى على عليها تاسيس عصبة الامم(1919 ) والامم المتحدة (1945 ). اما بناء مجتمع عولمي كامل لدول سيادية محلياً لم يكتمل الا في فترة ما بعد العام 1945  ، وقد شكل ميثاق العولمة المحاولة الاولى في تاريخ بناء العالم لبناء مجتمع دول يعمل وفق مبدأ الاعتراف وعدم التدخل الذي يجسر الهوة بين الحضارات والثقافات المختلفة حول العالم .*6

ومن هنا ، يشكل الاعتراف بالآخر احد الركائز الاساسية للعولمة، وميثاقها يضم التصرف السياسي الوحيد المطبق حول العالم والمعترف بها على اساس انها كذلك. قامت منظمة الامن والتعاون في اوروبا ((OSCE بتحديد جملة من المعايير الاجرائية لميثاق العولمة في ” حوار هلسنكي”  الذي التزم به موقعو الوثيقة  الختامية (1975 ). *7

اضافة الى ذلك ن فان ميثاق العولمة ينطوي على معايير ذات شان مثل الحفاظ على البيئة والسلام العالمي والمساعدة الدولية ، غير ان هذه المعايير لم تصبح قادرة على احتلال المراتب التي تشغلها المعايير الاساسية المدرجة من قبل.ويمكن القول ان اياً من المعايير الاجرائية لميثاق العولة مطلق وليس ثمة اوامر الزامية في الاخلاق الدولية على صعيد الممارسة العملية . وعليه فان فنون الحكم حذرة اساساً لأن السياق او الوضع الذي تتم فيه الشاطات ينطوي على اهمية بالغة في الميدان الدولي حتى اكثر من سائر الميادين الاخرى . على السياسة الخارجية ان تتحرك دوماً في اطار ما اطلق عليه ادمون بورك اسم ” امبراطورية الظروف”.*8

المراجع:
1-                د. وليد عربيد/العولمة بين الثقافة والاقتصاد، دار المهى، بيروت 2013.
2-                -ميثاق العولمة / تأليف روبرت جاكسون، مكتبة العبيكان، الرياض 2013
3-                العولمة والدولة/ جلال امين، المستقبل العربي، بيروت، شباط(فبراير)1998 ص12
4-                -العولمة : النظرية الاجتماعية والثقافة الكونية، رونالد روبرتسون، ترجمة احمد محمود ونورا امين، القاهرة )المجلس الاعلى للثقافة 1998 )
5-صلاح بو رعد/ العولمة، المخاطر الناجمة عن تبايناتها والمدخلان الثقافي والإقليمي لمعالجتها،دار المهى، بيروت، ايلول 2013  ص34
6-ميثاق العولمة/ روبرت جاكسون/ مكتبة العبيكان للنشر، الرياض ص41 ، البيان العام الصادر عن مؤتمر برلين(1885) المادة السادسة
7-مصدر سابق/ ميثاق العولمة
8-أ . واطسون، الدبلوماسية ، الحوار بين الدول( لندن ، قتمن 1982 ) ص15

شاهد أيضاً

قمة

قمة البريكس في قازان إعلانات ووعود تنتهك دائما

أحمد عبد اللطيف / قمة البريكس في قازان، روسيا (22-24 أكتوبر 2024)، هي محاولة أخرى …